يرى الإعلامي يسري فودة أن تنظيم القاعدة “حمامة سلام” بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا باسم (داعش) وهو اختصار لاسم التنظيم سابقًا.
ويوثق فودة في كتاب صدر حديثًا عن “دار الشروق” رحلته للقاء مع رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة المنسق العام لهجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 على الولايات المتحدة ورحلته إلى العراق الذي ذهب إليه متسللا من سوريا عام 2006 لجمع مادة استقصائية عن الجيش الإسلامي في العراق.
يقع الكتاب في 233 صفحة من القطع المتوسط ويحمل عنوان “في طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش” ويحمل الغلاف صورة للكاتب.
وينقسم الكتاب إلى جزئين الأول يحمل عنوان “الطريق إلى القاعدة” والثاني تحت عنوان “الطريق إلى المجهول”. والكتاب مزود في كل جزء منه بصور ومستندات ووثائق وخطابات.
وعمل فودة الذي يحمل الجنسية البريطانية أيضا في هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ووكالة الأسوشيتد برس. كما ساهم في تأسيس مكتب قناة الجزيرة القطرية في لندن حيث قدم برنامج (سري للغاية) كما عمل في قناة أون.تي.في المصرية حيث قدم برنامج (آخر كلام).
ويوثق فودة بأسلوب سردي في الجزء الأول من الكتاب ما مر به خلال رحلته إلى مدينة كراتشي الباكستانية وما بعدها حيث أجرى حوارا مع شيخ محمد وبن الشيبة بمناسبة مرور الذكرى الأولى لهجمات سبتمبر، بحسب وكالة “رويترز”.
يصف الكاتب شيخ محمد بأنه رجل تخطيط عملي وأنه لم يكن رجل فكر ودين “ضحل المعرفة بأمور السياسة والدين وليس خطيبا مفوها” مثل بن الشيبة الذي يصفه بأنه عقائدي وهادئ مستريح القسمات واثق من نفسه بالإضافة إلى كونه رجل دين.
ويرى فودة أنه لولا وجود المصري محمد عطا بين منفذي “أضخم عملية تحفظها ذاكرة التاريخ حتى الآن وأكثرها تعقيدا” والتي يطلق عليها تنظيم القاعدة “غزوتي واشنطن ونيويورك” لما تمت عملية الحادي عشر من سبتمبر.
وتحت عنوان “فتح الأدمغة المدبرة” يقول الكاتب إن الناس وفقا لفهم القاعدة “منقسمون إلى ثلاثة أقسام جامدة: مسلمون، وكفار، ومنافقون”.
ويستطرد فودة قائلا إن التصنيف لا يقتصر على هذه الأقسام الثلاثة فقط بل إن المسلمين أنفسهم “ينقسمون في قاموس بن لادن وأتباعه إلى قسمين: مهاجرون وأنصار.
فالمهاجرون هم هؤلاء المستضعفون الذين أذن لهم بمغادرة بلاد الظلم والقهر والكفر إلى أن يتمكنوا من استجماع قواهم في بلاد أخرى قبل أن يعودوا إلى بلادهم للتعامل مع الأمر. والأنصار هم هؤلاء الكرماء الذين أذن لهم باستقبال المهاجرين وتأييدهم في جهاد واحد لنصرة إله واحد ودين واحد”.
وأسامة بن لادن هو مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة الذي قتل عام 2011 في مدينة أبوت أباد الباكستانية على أيدي قوات أمريكية خاصة وخلفه في زعامة التنظيم أيمن الظواهري.
وعلى هذا الأساس –وفقا للكاتب- فإن “أتباع القاعدة البنلادنية وأعضاء الجهاد الإسلامي الظواهري والمتطوعين الآخرين الذين خرجوا من بلادهم للجهاد في أفغانستان يعتبرون ، فيما يعتبر أتباع الملا عمر الطالبيين وأعضاء الجماعات المحلية الأخرى في جنوب شرقي آسيا”.
والملا عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية التي أطاحت بها قوات تقودها الولايات المتحدة وقوات أفغانية عام 2001.
ويصف فودة القاعدة بأنها “شركة” رئيس مجلس إدارتها بن لادن والظواهري نائب رئيس مجلس الإدارة أما شيخ محمد فهو عضو مجلس الإدارة المنتدب/المدير التنفيذي وبن الشيبة فهو “الموظف المخلص الذي يصل إلى مقر العمل قبل بقية الموظفين ويغادر بعدهم”.
وتحت عنوان “الإرهابي المثالي!” يروي الكاتب آخر حوار دار بينه وبين شيخ محمد قبل مغادرة فودة المنزل الآمن الذي أجرى فيه المقابلة وكيف عقدت المفاجأة لسانه.
عندما قال له شيخ محمد “تعرف يا أخ يسري أنك يمكن أن تكون الإرهابي المثالي؟! …انظر إلى نفسك؛ إنك ولد مهذب، صغير السن، ذكي، مثقف، منظم، تتحدث الإنجليزية بطلاقة، غير متزوج، وتعيش في لندن.” وكان رد الكاتب على هذا العرض “ابتسامة جوفاء مقتضبة لا معنى لها”.
ولم يكتف شيخ محمد بهذه المفاجأة بل فجر قنبلة أخرى إذ قال لفودة “إنك تذكرني بأخينا محمد عطا”.
وفي الجزء الثاني من الكتاب والذي جاء تحت عنوان “الطريق إلى المجهول” يصف فودة بالتفصيل الدقيق رحلة عبوره من سوريا إلى العراق متسللا وتحديدا إلى المنطقة الحاضنة لداعش للحصول على مادة عن الجيش الإسلامي في العراق عام 2006 ورحلة عودته إلى سوريا وسقوطه في أدي المخابرات السورية وكيف تعاملت معه بلطف في حين وشدة في حين آخر.
ويتساءل فودة “إذا كانت أفغانستان قد منحتنا ، وإذا كان 11 سبتمبر قد منحنا، فما عسى يمنحنا العراق؟”
ويسرد فودة أن “أحد أبرز منظري تنظيم القاعدة وأحد أذكى عقولها الاستراتيجية. اسمه مصطفى ست مريم نصر، الشهير باسم أبو مصعب السوري، وأحيانا عمر عبد الحكيم. وهو يقسم ما يصفه بـ إلى مراحل إستراتيجية، ويقول إن المرحلة الحالية منه موجودة بالفعل في بلاد الشام وإنها ستتطور إلى مرحلة تالية يقترب المجاهدون أثناءها من حصار إسرائيل”.
وتحت عنوان “حافة العبور” يقول فودة عن رحلته من سوريا إلى العراق “بعد مغامرة صغيرة وجدنا أنفسنا في منزل آمن على بعد حوالي خمسة عشر كيلومترا من حدود سوريا مع العراق. لحسن الحظ، هذا مثلث من أمة الإسلام يرفض ببساطة أن يعترف بالحدود…يتصادف أيضا أن هذه الذهنية تدخل في صميم معتقدات القاعدة والأصوليين بشكل عام.”
وتحت عنوان “الجيش الإسلامي في العراق” يروي الكاتب كلمات القائد العسكري للجماعة أبو مشتاق الزبيدي الذي يتحدث لأول مرة لوسيلة إعلام في إجابة مصورة على أحد أسئلته فيقول “إنما نحن قد عبئنا قبل أن تأتي أمريكا وقبل أن تأتي بريطانيا (إلى العراق).
وقد عبئ ذلك من خلال قراءتنا للقرآن، ومن خلال فهمنا لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن خلال ما أردنا من هذه العبادة: أن ندخل الجنة. فنحن علمنا أن هذه الجيوش عندما تقاتل بعقيدة الأرض تختلف عن الجيش الذي يقاتل بعقيدة السماء.”
كما يورد الكاتب حوارا دار أثناء اجتماع لعدد من القادة الميدانيين للجيش الإسلامي في العراق في غرفة عمليات “وهم يخططون لعملية كبرى تم تصويره لصالح التحقيق الذي كنت أقوم به”.
ويقول فودة إن هذا الاجتماع حضره عدد من القادة جلسوا على مقاعد مريحة “حول طاولة طويلة أنيقة كأنها في قاعة اجتماعات لشركة حديثة، لا في كهف ناء … أمام كل منهم جهاز كمبيوتر متنقل … وأمامهم جميعا على الحائط شاشة بلازما عرضها 50 بوصة تنبعث منها خريطة حديثة لوسط بغداد”.
ويشير إلى أن “اللكنة البنلادنية” في هذا الاجتماع كانت مختلفة واحتوت على مفردات ومصطلحات مثل “الساعة زيرو مية” و”كتيبة” و”قطاعات العدو” وأن هذه المفردات من شأنها أن تؤكد “إيحاءات بأن عناصر من الجيش العراقي المسرّح ومن البعثيين ومن القوميين استطاعت أن تجمع شتات حركة مقاومة جادة داخل العراق”.
ويستطرد “ورغم أنها علمانية القلب والروح فقد استطاعت أن تفاجئ نفسها وتفاجئ المتابعين عندما اجتذبت حماسة الشارع المقاوم، لكن ذلك لم يكن ليحدث في نظر كثيرين إلا عندما علقت راية الإسلام على مدخل المكان”.