ربما كانت الإجابة موجودة في ظرف مختوم يحمل اسمًا بداخله. ولكن ماذا لو تبين أنه يحمل أكثر من اسم واحد؟ إن الأمر لا يتعلق بحفل توزيع الجوائز في هوليوود، ولكن الأمر أكثر جسامة، فهو يتعلق بمصير أمة: “سلطنة عمان”.
فيبدو أن نهاية عهد استمر لمدة 44 عامًا من حكم الديكتاتور الخير للدولة الخليجية الصغيرة، السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، قد تكون في الأفق وسط المخاوف المتعلقة بصحته. حيث كان الملك البالغ من العمر 74 عامًا قد غادر سلطنة عمان منذ شهر يوليو الماضي لتلقي العلاج الطبي في ألمانيا مع إشاعات بإصابته بسرطان القولون.
والمشكلة هي أن مستقبل البلاد بعد وفاة زعيمها القوي لا يزال غير واضح؛ فالسلطان قابوس الذي انتزع السيطرة على البلاد من والده في انقلاب غير دموي في عام 1970، ليس لديه إخوة، كما أنه مطلق وليس لديه أبناء. كما أنه لم يعلن أبدًا عن وريث للعرش، وترك اختياره لذلك الوريث في ظرف مختوم بحيث يتم فتحه في حال لم يستطع مجلس أعضاء العائلة المالكة الوصول إلى اتفاق بشأن خليفته الشرعي خلال 3 أيام من وفاته.
وقد اقترح العديد من المحللين أن يقوم السلطان قابوس بتخفيف التوتر عبر الإعلان عن المرشح المفضل له. لكن المحلل السياسي العماني “أحمد المخيني” يقول إن هناك سببًا وجيهًا يفسر أنه لم يفعل ذلك.
فيقول المخيني: “لقد كان جلالته قلقًا جدًا من المتنافسين، وهذا هو السبب في أنه لم يعين خليفة له، وذلك لأن تلك المعلومات يمكن استخدامها من قبل أصحاب المصالح المحليين أو الأجانب”، وأضاف أن: السلطان لا يريد “للتاريخ أن يعيد نفسه“.
برنامج الحداثة
يقول المخيني إن السلطان قابوس كان ناجحًا في القضاء على أي متطلعين إلى العرش، كما أنه زرع بذور إحداث فراغ في السلطة في حال وفاته.
إلا أنه وفقًا لتحليلات “جورجيو كافييرو” فإن هذا يمكن أن يكون أمرًا كارثيًا، إذا ما ثبتت صحة المخاوف من أنه قد قام بكتابة أكثر من اسم واحد. وأضاف قائلًا: “يقال إن قابوس قد كتب العديد من الرسائل، التي تحمل أسماء مختلفة لخلفائه في العرش. فإذا ما فشلت عائلة آل سعيد في التوصل إلى توافق، وتم فتح خطابات متعددة مع أسماء مختلفة، فإن ذلك يمكنه أن يفاقم من أزمة الخلافة“.
كان السلطان نفسه قد صرح لمجلة الشؤون الخارجية في عام 1997 بقوله: “لقد كتبت بالفعل اسمين، بترتيب تنازلي، ووضعتهما في مغلفات مختومة في منطقتين مختلفتين“.
لكن هذا يمكنه أن يزيد من تعقيد المهمة الصعبة أمام الخليفة الذي تم اختياره بوضوح لتأكيد نفسه كرئيس للدولة العمانية.
يذكر أنه لا يمكن للمرء أن يسير في عمان من دون أن يتذكر بشأن دائم الزعيم المحبوب. فهناك: جامعة السلطان قابوس، وجامع السلطان قابوس الأكبر، ومستشفى جامعة السلطان قابوس، وميناء السلطان قابوس، وطريق السلطان قابوس، والقائمة طويلة.
إن هذا ليس بسبب الغرور وحده، بل إنه يعكس برنامج التحديث الناجح جدًا الذي طبقه الملك قابوس. فقابوس، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الشؤون الخارجية، ورئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس مجلس إدارة البنك المركزي؛ قد أشرف على تحويل المنطقة الصحراوية الراكدة التي تمتلك بضعة كيلومترات من الطرق المعبدة إلى دولة مزدهرة ذات اقتصاد مستقر يحقق الثروة من احتياطيات الغاز والنفط.
وقال المخيني: “إن الناس الذين ولدوا بعد عام 1980 يشكلون 70 % من السكان. وهؤلاء الناس لديهم علاقة بالنظام الملكي مختلفة عن الجيل الأكبر سنًا“.
على أعتاب التغيير
طموحات التغيير موجودة. ففي عام 2011، أثناء موجة الثورات في الشرق الأوسط التي عرفت باسم “الربيع العربي”، كان لعمان نموذجها -المتواضع- الخاص بها.
فقد نظمت الاحتجاجات التي قادها الشباب على مدى عدة أشهر، وأسفرت عن عدة عشرات من القتلى والجرحى. وأدى هذا بالسلطان إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية، وإعطاء السلطة التشريعية للبرلمان، وزيادة ميزانية مختلف القطاعات، ووعد بخلق 50000 من فرص العمل الحكومية.
ويقول المخيني، الذي يدعم تقوية المجتمع المدني في سلطنة عمان، إن البلاد في رأيه على أعتاب التغيير، ويضيف: “لقد مثلت هذه الفترة عندما كان حضرة صاحب الجلالة خارج البلاد، فترة تجريبية للشعب والمؤسسات لبدء التفكير في الكيفية التي يمكنها بها أن تعمل دون جلالته.. لقد كانت فترة جيدة بالنسبة لهم“.
وبينما يعترف بأن الحكومة حتى الآن بطيئة في العمل، إلا أنه يقول إنها: “كانت بطيئة لأنها كانت تحاول أن تشق طريقها“.
وبرغم عدم قدرة الملك العودة إلى البلاد لحضور اليوم الوطني وعيد ميلاده في شهر نوفمبر الماضي، إلا أن المخيني يعتقد بأن السلطان قابوس ليس على أعتاب الموت، فيقول: “إن لقاءه مع جون كيري (في 10 يناير) أنعش الآمال بأنه سوف يعود إلى البلاد“. وأضاف: “إن الناس متفائلون للغاية بشأن حالته الصحية، وبطبيعة الحال فإنهم يحبونه ويفتقدونه كثيرًا. فهناك الكثير من الحملات للدعاء له ونشر صوره“.
قلق حول المستقبل
ويقول المخيني إنه إذا ما عاد السلطان إلى عمان، فإن الخطوة الأولى التي سيتخذها ستكون تعيين رئيس وزراء مستقل، والتحرك نحو نظام ملكي دستوري، مع زيادة القوة المخولة للبرلمان في البلاد، كما أنه سيبحث أيضًا عن وسيلة لمزيد من المشاركة الشعبية في شؤون الدولة من خلال استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في عصر تزايد فيه “تقاسم السلطة”.
ويضيف المخيني: “ما يهم حقًا ليس من سيخلف السلطان، ولكن ما يهم هو التطور الذي سيحدث بعد وفاته“، مؤكدًا بأن هذا هو رأي معظم العمانيين.
لكن وجهة النظر من خارج البلاد ليست مشرقة جدًا، حيث يقول “كافييرو”، المقيم في واشنطن: إن الكثير من العمانيين قلقون بشكل له ما يبرره بشأن ما قد يحدث في مرحلة ما بعد قابوس، وذلك بسبب 4 عوامل.
أولًا- التشكيك في شرعية أي زعيم جديد يمكن أن ينشأ بسهولة، نظرًا لقلة الخبرة في القيادة خارج أيدي السلطان قابوس. ثانيًا- يعتبر الملك حامل لقب القوة الموحدة والتي تغلبت على الشروخ القبلية التاريخية التي قد تشتعل تحت القيادة الجديدة. ثالثًا- يمكن أن يترتب على ذلك صراع داخلي على السلطة بين أفراد العائلة المالكة أو سماسرة السلطة الآخرين، والنقطة الأخيرة- هي إمكانية وجود أكثر من اسم واحد داخل المظاريف المختومة.
ويقول كافييرو إن المتنافسين الرئيسين على هذا المنصب، نظرًا للشروط المنصوص عليها، هم 3 من أبناء عمومة السلطان قابوس الغير معروف أسماؤهم. على الرغم من أن مصدرًا دبلوماسيًا قد أشار إلى أن السيد هيثم بن طارق آل سعيد، وزير التراث والثقافة الحالي، هو المرشح للحصول على المنصب. كما يشك كافييرو أيضًا في أن اجتماع الملك مع كيري يعد مؤشرًا على تحسن صحته.
يذكر أن عمان قد استضافت المناقشات الرئيسة بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعملت على إنجاحها.
ويقول جعفر الطائي، مؤسس لشركة منار لاستشارات الطاقة، إنه من الصعب علينا أن نتخيل كيف ستصبح عمان نتيجة وفاة السلطان قابوس. لكن الطائي يعتقد بأن التجارة لم تتأثر، فلاتزال عمان “مركزًا جاذبًا للغرباء الذين يتطلعون للاستثمار في المنطقة”.
كما أن هناك تحديات أخرى أمام عمان، وهي استرضاء جيل الشباب الذين يبحثون عن المزيد من التأثير السياسي في البلاد، والعاطلين عن العمل الذين يقدرون رسميًا بحوالي 10 إلى 15 %، على الرغم من أن الطائي يعتقد بأن الرقم قد يصل إلى أكثر من 20 %.
ميدل إيست آي – التقرير