تدفع المخاوفُ السعودية من تنامي الدعم الذي يحظى به تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الداخل السعودي المملكةَ إلى إعادة تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
جاءت تلك العبارات في تقرير نشرته مؤخرًا مجلة «نيوزويك» الأمريكية للكاتب جوناثان برودر في إطار التعليق علي الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم «الدولة الإسلامية»، والتي استهدفت الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية.
وبحسب مراقبين، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» يحظى بدعم كبير بين الكثيرين من أبناء المملكة، الذين ينظرون إلى التنظيم باعتباره رأس الحربة السنية في الصراعات الطائفية مع الحكومات الشيعية في إيران وغيرها من الأنظمة في المنطقة. يأتي ذلك الدعم لتنظيم «الدولة الإسلامية» بالتزامن مع مشاعر ناقمة لدى الكثيرين إزاء العائلة المالكة التي تغُط في فساد كبير، بحسب ما يعتقد هؤلاء.
اقرأ أيضًا: التاريخ المشترك بين المملكة و«تنظيم الدولة»
كانت الهجمات الانتحارية لتنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال المملكة، والتي استهدفت مواقع عسكرية سعودية، قد أسفرت عن مقتل ثلاثة عسكريين من بينهم اللواء عودة البلوي قائد قوات حرس الحدود في شمال السعودية.
من جانبهم، ينظر قادة المملكة بقلق بالغ للدعم المتزايد الذي يتمتع به تنظيم «الدولة الإسلامية» في الداخل السعودي. قلق دفع المملكة إلى إعادة تنشيط علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة الوحيدة التي تضمن أمن السعودية.
خلال العام الماضي، شهدت العلاقات الأمريكية السعودية سحابة سوداء من انعدام الثقة بين الطرفين. فمن جانب، أبدت السعودية امتعاضًا شديدًا حيال التلكؤ ومن ثّم الرفض الأمريكي لتوجيه ضربات عسكرية لنظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الأكبر لإيران التي تنافس المملكة على زعامة المنطقة. كما أن التقارب الإيراني الأمريكي الذي جاء على خلفية الاتفاق حول البرنامج النووى الإيراني أزعج القادة في الرياض حتى إنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بالتلميح بمحاولة إنشاء برنامج نووي سعودي.
وكان الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، السفير السعودي في بريطانيا؛ قد شدّد، في تصريحات نقلتها صحيفة التايمز البريطانية مؤخرًا؛ على أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة التهديدات، وبأنها تعمل بجد للدفاع عن المملكة والمنطقة.
غير أن المخاوف السعودية تأتي في وقت يعاني فيه الملك عبدالله من أوضاع صحية مقلقة تتزايد معها احتمالات الصراع على خلافته داخل العائلة المالكة. وربما يكون هذا هو السبب الذي يدفع المملكة في الوقت الراهن لتنحية صراعاتها جانبًا ودعم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وقد بدت ملامح هذا الجهد المشترك في مشاركة المملكة في أغسطس الماضي للولايات المتحدة في الضربات العسكرية التي استهدفت مواقع لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق. فضلًا عن إعلان المملكة جاهزيتها لاستضافة 5000 من القوات السورية المعتدلة وتدريبهم على يد القوات الخاصة الأمريكية.
وفي الآونة الأخيرة، عجَّت الأجواء الأمريكية بزيارات مكوكية لعدد من كبار مسؤولي الأمن السعوديين بهدف عقد اجتماعات مشتركة مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية. تأتي تلك الاجتماعات وفق ما أُعلن عنها للحصول على دعم واشنطن في مكافحة الإرهاب الداخلي في المملكة، ومناقشة الإجراءات المشتركة للمساعدة في استقرار اليمن، البلد المجاور للسعودية وموطن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
آخر تلك الزيارات كانت للأمير خالد بن بندر، رئيس المخابرات السعودية، الذي التقى ليزا موناكو، مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب. ووفق ما نقلته «نيوزويك» عن مسؤولين في البيت الأبيض، فإن محادثات الطرفين تركزت حول تقويض عمليات التجنيد التي يتبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» لضم عناصر جديدة من أبناء المملكة.
وفي خطوة أخرى ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، أعلنت الرياض مؤخرًا عن إعادة فتح سفارتها في بغداد. وكان التمثيل الدبلوماسي للسعودية غائبًا عن العاصمة العراقية منذ غزو صدام حسين للكويت قبل 25 عامًا.
تأتي هذه الخطوة من جانب المملكة، موطن المذهب الوهابي للإسلام وهو المذهب الذي يتبناه تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضًا، لاستعادة العلاقات مع الحكومة العراقية الشيعية بقيادة حيدر العبادي بهدف كسر شوكة الرواية التي يتكئ عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» والتي تتعلق بالصراع الطائفي مع الشيعة، وذلك بحسب تحليل مجموعة صوفان للاستشارات الإستراتيجية والاستخباراتية.
ورغم التحركات السعودية لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن عددًا من الخبراء الأمريكيين في شؤون الشرق الأوسط يرون أن مواجهة التنظيم داخل المملكة لن تكون بتلك السهولة. وكان الملك عبد الله قد وجه انتقادات لعلماء الدين داخل المملكة ووصفهم بأنهم “كسالى” في المواجهة العلنية لتفسيرات تنظيم «الدولة الإسلامية» حول الإسلام.
من جانبه، اعتبر برنار هيكل، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة برنستون، أن انتقادات الملك لعلماء الدين تشي بعمق التحديات الداخلية التي تواجهها الأسرة المالكة، مشيرًا إلى أن هناك ما يكفي من علماء الدين الذين يعتقدون بصحة ما يقوم به تنظيم «الدولة الإسلامية».
إن الدعم الشعبي لتنظيم «الدولة الإسلامية» يظل هو الآخر مشكلة رئيسية في المملكة. دعم كشفت عنه نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والتي أظهرت أن 5% من السعوديين البالغين يدعمون تنظيم «الدولة الإسلامية». نسبة تبدو قليلة في ظاهرها، غير أن باطنها يعتريه المزيد من الأخطار، خاصة وأن 5% تعني نصف مليون بالغ في دولة يصل تعدادها السكاني 31 مليون نسمة.
طارق فرحات
ساسة بوست