“رغم وجود تخمة في الوحدات السكنية الراقية، بوجود أكثر من 6 ملايين شقة فارغة ذات مستوى راقٍ، فإن ثمة عجزًا في الوحدات السكنية ذات الأسعار المعقولة، حيث يضطر 18 % من العائلات إلى العيش في مساكن تتألف من غرفة واحدة”.
جاء ذلك في سياق مقال مطول للباحثة ماريا جوليا على موقع معهد الشرق الأوسط الأمريكي، يتناول أزمة السكن في مصر لا سيما على طبقة الفقراء، واعتبرت أن أغلب المشروعات التي أُعلنت للتغلب على المشكلة أغلبها أقوال لا أفعال، بالإضافة إلى عدم انطباق معاييرها على شريحة كبيرة من السكان.
وإلى نص المقال
في مارس 2014، قبل استقالته من منصبه كوزير دفاع، والترشح للرئاسة، أعلن الجنرال عبد الفتاح السيسي اتفاقا مع “آرابتك” الإماراتية لبناء مليون وحدة سكنية بأسعار معقولة من أجل “الشباب المصري”.
وتعهد الجيش آنذاك بالتبرع بـ 160 مليون متر مربع في 18 موقعا عبر البلاد بالرغم من أن الشركة لم تتعامل مع مشروع بهذا الحجم من قبل(أكبر إنجازاتها مشروع “آبار” بتمويل أبو ظبي”.
وقال خطاب التفاهم الذي وقعت عليه “آرابتك” آنذاك أن الإمارات “حريصة جدا على حشد كافة الجهود من أجل دعم أشقائنا في مصر”، واحتلت أخبار المشروع المانشيتات الرئيسية، وبعد انتخاب السيسي رئيسا سقطت آرابتك من رادار الإعلام”.
الأزمة السكنية مثار قلق سياسي ملح، باعتبارها مصدرا من مصادر الاستياء الاجتماعي، فرغم وجود تخمة في الوحدات السكنية الراقية، بوجود أكثر من 6 مليون شقة فارغة، لكن على الجانب الآخر ثمة عجز في الوحدات السكنية ذات الأسعار المعقولة، حيث يضطر 18 % من العائلات المصرية إلى العيش في وحدات تتألف من غرفة واحدة، بما جعل من وعد توفير مليون وحدة موضع ترحيب شديد.
وبدا الجيش، آنذاك، بقيادة السيسي مستجيبا على نطاق واسع للاحتياجات الشعبية لمساكن معقولة الثمن، لا سيما مع وجود حلفاء خليجيين( السعودية والإمارات والكويت) على ظهر السفينة.
وتزايد ضلوع الدول الخليجية في الاقتصاد المصري منذ عزل الرئيس مرسي، حيث قدمت مساعدات على شكل ودائع صفرية الفوائد، ومنتجات بترولية ومنح بلغت مجموعها كافة نحو 11.2 مليار دولار ، وهو ما ساعد على وقوف الاقتصاد على قدميه.
وشعرت ممالك الخليج، التي ترى الإسلام السياسي خطرا على شرعيتها، بالراحة بعد انتخاب السيسي رئيسا.
وفي نوفمبر 2014، قال وزير الدولة الإمارتي سلطان أحمد الجابر إن ” الاستقرار الاقتصادي المصري ضرورة لا بد منها”.
ردود الفعل أمام نقص مساكن محدودي الدخل ترتبط تاريخيا بأقوال لا أفعال، ففي حملة انتخابات الرئاسة 2005، أعلن الرئيس المخلوع حسني مبارك مشروعا لتوفير نصف 500 ألف وحدة سكنية، ولم ينجز حتى فبراير 2014 إلا 360 ألف وحدة، بينها 50 ألف وحدة لا تتصل بشبكات مرافق، وغير صالحة للاستخدام، وفقا لخبير العقار المصري يحيى شوكت.
ولم يتسلم نحو 40 ألف مصري دفعوا مقدمات حجز 5000 جنيه الوحدات السكنية التي وعدهم بها المشروع.
وتابع شوكت: ”هذا يعني أن الدولة أخذت من العائلات الفقيرة 200 مليون جنيه، وتجمع فوائدها طيلة 8 سنوات”.
وفي 2011، وعد “برنامج الإسكان الاجتماعي” الذي قدمه وزير الإسكان آنذاك فتحي البرادعي بتوفير مليون وحدة سكنية لمحددي الدخل (1400-2500) جنيه مصري.
واعتمد المشروع على دعم نقدي للطلبات المقبولة مقداره 25 ألف جنيه، مقابل وحدة سكنية مساحتها 70 مترا مربعا بقيمة إجمالية 135 ألف جنيه، وتسديد قيمتها على فترة زمنية 20 عاما بفائدة 7 %.
لكن بالرغم من معقولية الشروط، لم تنطبق الشروط على 20 % من المصريين الذين تقل دخولهم عن 1400 جنيه مصريا.
وعلاوة على ذلك، فإن 60 % من القوة العاملة المصرية يمتهنون وظائف في قطاعات غير رسمية، وبالتالي ليسوا مؤهلين للتقدم لتلك الوحدات، لعدم استطاعتهم تقديم إثبات رواتب.
وكان من المفترض أن يبني برنامج الإسكان الاجتماعي 200 ألف وحدة سكنية سنويا، لكنه لم يشيد سوى 50 ألف، ولم يسلم منها إلا القليل.
وفي أكتوبر 2014، بعد ستة شهور من اتفاقية السيسي مع آرابتك، ظهرت نسخة معدلة من مشروع آرابتك، تشمل المرحلة الأولى منه 120 ألف وحدة.
وبالرغم من تبرع الجيش بالأرض، ما زالت هناك إجراءات تخص هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وتشير التوقعات إن ثمن وحدات آرابتك سوف تكون بعيدة عن متناول فقراء المصريين.
كما تم الإعلان حديثا عن مشروع “دار مصر”، الذي وعد بتوفير 160 ألف وحدة سكنية لمتوسطي الدخل، بما يشكل تنافسا مع آرابتك.
لكن لأن إجمالي ما يباع سنويا في تلك الفئة يتراوح بين 300-500 ألف وحدة، فإن فكرة أن تستطيع شركة واحدة( آرابتك أو دار مصر) بناء نحو 200 ألف وحدة سنويا تبدو غير ممكنة، فحتى يومنا هذا لا تزال تفاصيل مشروع آرابتك بعيدة عن التنفيذ.
لقد أظهر مشروع آرابتك في الواقع أن الدولة تتخذ خطوات لتوفير وحدات سكنية لمتوسطي الدخل، لا محدودي الدخل.
وبينما بلغت عدد الوحدات التي قدمها مشروع الإسكان الاجتماعي بين 2012 إلى 2014 نحو 50 ألف، زادت عدد الشقق السكنية العشوائية غير المرخصة بمقدار 2 مليون خلال الفترة ذاتها، لا سيما منذ 2011.
وتسبب الصعود في بناء المساكن غير المرخصة في مشكلة للمقاولين المرخصين الذي باتوا يواجهون نقصا في مواد التشييد اللازمة لمشروعاتهم.
الظروف المعيشية في تلك العشوائيات بعيدة عن الكمال، وتبلغ تكاليف البناء لتلك المساكن بين 200 إلى 300 جنيها للمتر لمربع، بخلاف التصميم والتشطيب.
وينجم عن ذلك ضواحي أكثر نطاقا تفتقد الضواحي الملائمة والخدمات المصاحبة، بل يستهلك قدرا كبيرا من الأراضي الصالحة للزراعة.
وفي غياب البدائل، ستستمر تلك المساكن غير الرسمية في التنامي، وهي الحقيقة التي بدأت الدولة في إداركها.
وفي أكتوبر 2014، وافق مجلس الوزراء المصري على مبادرة لمنح قروض منخفضة الفائدة بقيمة 30 ألف جنيه لتشطيب المباني غير الرسمية.
ووفقا لوزير الإسكان مصطفى مدبولي، فإن الحصول على مثل هذا القرض لا يتطلب رخصة لملكية العقار، لكن تقارير إعلامية أخرى أفادت بأن إثبات الملكية والدخل الشهري شرط لتلقي القرض.