في هذا المقال، يستعرض الكاتب البيرطاني روبرت فيسك مراسل جريدة الإندبندنت من الشرق الأوسط، أفكاراً يرى أنها طالما أعلنت عن تاريخ المملكة العربية السعودية الذي يصفه بـ” المنافق والمتناقض”، مستشهداً خلال كتابته لهذا المقال بمقتطفات للكاتب ويليام هنتر، وبما جاء فيه من أفكار تاريخية تصبّ في اتجاه فكرته.
كان ويليام هنتر موظفا حكوميا بريطانيا كبيرا، وقد قام سنة 1871 بنشر الكتاب الذي حذر فيه من “الأسراب المتعصبة” من المسلمين السنة الذين “قتلوا رعايا الدولة البريطانية”، بتمويل من “رجال الثروة الوافرة”، في حين تم إجبار غالبية المسلمين على اتخاذ موقف واضح، أي أن يوضحوا إن كانوا إلى جانب الإسلام مخلصين له أو أنهم ”سلميون”.
اعتبر هنتر أن “الدعوة إلى الكراهية” هي السبب المباشر في الإرهاب، وقد كان هناك رجل قد ألهمه خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وهو مسلم زاهد يُدعى عبد الوهاب، ينتمي لأتباع “الوهابية”.
ويستحضر فيسك ما قبل الأيام التي تحدث عنها هنتر، ليوضح أن “الوهابيين استولوا على المدن المقدسة في المملكة العربية السعودية، وعلى غرار تنظيم داعش قاموا بذبح سكانها، وتماما كما فعل التنظيم الإرهابي الجديد قاموا كذلك باجتياح سوريا. عقوباتهم وعقوبات أنصار العسكر السعودي القاسية، جعلت الجلد أمام العموم، كما حصل مؤخرا مع المدون السعودي رائف بدوي، يظهر عقوبة عادية وبسيطة”.
ثم يستشهد فيسك بتلك الأيام التي أرسل خلالها الوهابيون الحاكم السعودي إلى القسطنطينية سنة 1818 ليُقطع رأسه من قبل القوة العظمى المسيطرة أنذاك، أي الإمبراطورية العثمانية، ويؤكد أنه لم يتم تقديم أي شكوى حيال ذلك، كما لم يتم تداول الأمر من قبل الدول الأوروبية.
وفي تلك الفترة، تذكر الكاتب الحملات المتتالية الهادفة لفتح السعودية على يد الوهابيين، ثُم الانتقال النفطي السريع، بالإضافة إلى الهجمات التي شملت محاصرة المساجد، وتدمير المقابر الإسلامية القديمة وقتل “الكفار”، والتي لم يبالِ بها الغرب أيضا، سواء تعلق الأمر بالأمريكيين أو بالأوروبيين.
ويعود الكاتب لمؤلف ويليام هانتر، الذي ذكر فيه أن زعيماً وهابياً متمرداً كان يدعى سيد أحمد قد قاد المسلمين الهنود من قبل، وقد كان ينظر له الأتباع القادمين من أفغانستان والهند على أنه النبي المقبل، خاصة وأنه قد أُعلن سابقا “أميرا للمؤمنين” في بيشاور. ويمكن اعتبار رجاله في أيامنا الحالية أعضاء حركة طالبان.
ويبرز فيسك تعريفاً أعطاه هنتر آنذاك للمواطنين من الدرجة الثانية، حيث أكد خلاله أن قلة فرص العمل وضعف التعليم للمسلمين السنة في الهند كانت سببا في تمرد على الوهابيين، كما ذكر أنه كان يُطلب من المسلمين في الهند أن يختاروا بين الإسلام والملكة فيكتوريا، زيادة على اتحاد الهندوس والحكام البريطانيون في حربهم ضد هؤلاء القادمين.
اليوم، يرغب الأمريكيون والأوروبيون، حسب كاتب المقال، في رسم الخط الفاصل بين “المعتدل” أو ”الوِدِّي، أي الموالي للغرب والغني بالنفط من السعوديين الذين يستنكرون “الهجوم الإرهابي الجبان في باريس”، وبين أصدقائهم الوهابيين الذي قطعوا رؤوس اللصوص وتجار المخدرات بعد المحاكمات الشنيعة، وتفننوا في تعذيب الأقليات المسلمة الشيعية واستعمال الكلاكينشوف ضد الصحفيين المتمردين.
ويرى فيسك أن الوهابيين السعوديين يذرفون “دموع التماسيح على قتل رسامي الكاريكاتير شارلي إيبدو الذين سخروا من دينهم”، فيما يغيب تعاطفهم مع ضحايا الأصوليين في سوريا والعراق وأفغانستان، حيث تمّ ذبح الصحفيين وعمال الإغاثة، وتدمير الآثار القديمة واستعباد النساء، فالأمر هنا “غير مهم بالنسبة لهم”.
ويستدل الكاتب البريطاني على التجذر الإرهابي بين عدد من السعوديين إلى كون خمس عشرة من مفتعلي أحداث الـ9/11 كانوا سعوديين، بالإضافة إلى أن بن لادن بنفسه كان سعوديا، أضف إلى ذلك أنّ حركة طالبان كانت أيضا تحظى بتمويل من أغنياء سعوديين.
كما يعود فيسك ليؤكد، أننا تجاهلنا وسط كل هذه الأحداث الأخيرة، خاصة مع انتشار المال السعودي من خلال مؤسسات الإسلام السني في آسيا، وفي البلقان كذلك عبر المساجد العثمانية القديمة في البوسنة والمساجد الغربية في أوروبا، أفعال “الدولة السعودية الشنعاء وماضيها الأسود”.
واستشهد الكاتب بما نشره الكاتب الإيرلندي فينتان أوتول هذا الأسبوع، حيث أكد هذا الأخير أن هناك كلمتين لا يجب أن تذكرا عند الحديث في خطاب رسمي عن قتلى شارلي إيبدو وهما ”العربية السعودية”. فحسب فينتان ”مئة مليار دولار كفيلة بأن تشتري الصمت”، كما أوضح الكاتب نفسه أنه ”في نهاية المطاف استطاعت السعودية جلد المدون رايف بدوي بوحشية لأنها تمكنت من استغلال انشغال الرأي العام بنقاش آخر.”
واستهزئ فيسك من رفع السعودية شعار ”الوقوف في طليعة الحرب ضد الإرهاب”، ومن ”وقوف الدولة إلى جانب الفرنسيين والأوروبيين في نضالهم ضد الإرهاب”، جنباً إلى جنب مع الدولة المصرية والروسية والباكستانية وجميع هؤلاء ‘الديمقراطيين’، منهيا مقاله بتأكيده على ضرورة ربط السعودية في أحاديثنا وتحليلاتنا بالنظام الوهابي، معتبرا أن الوهابيين لا يطلقون على أنفسهم ذلك اللقب علانية، بل يعرّفون أنفسهم للآخرين على أنهم مسلمون حقيقيون وفقط.
إندبندنت- ر.فيسك | ترجمة: إكرام السعيدي