وصف رئيس حزب النهضة في تونس راشد الغنوشي دعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ووزير الإعلام السعودي الأسبق إياد مدني المسلمين إلى زيارة المسجد الأقصى بالتعتيم والغش والتدليس على المسلمين، وتصوير القدس بأنه مجرد مسجد الطريق إليه مفتوحة دون اكتراث بالسيادة التي يقع تحتها، وأن القدس محتلة لا بدَ أن تحرر.
وشن “الغنوشي” هجومًا شديد اللهجة على منفذي حادثة شارلي إيبدوا في فرنسا واصفاً إياهم بالإرهابيين المجرمين، وأنه ليس عنده لهم إلا الإدانة بدون تحفظ لهذه الأفعال التي هي بالتأكيد ليست دفاعًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، بل هي إساءة إليه وتشويه لصورة الإسلام ومنح فرصة للمتطرفين في العالم كالأحزاب اليمينية العنصرية لتحمل حملة واسعة النطاق على 10 ملايين مسلم في فرنسا و30 مليون في أوربا، مما ستعاني منه هذه الأقليات أشد المعاناة وتدفع ثمنه لوحدها، داعيا إلى التعامل مع هذه الحالات بطرق حضارية، وردود فعل إيجابية كإنشاء معاهد لتعليم الفنون الأدبية ورسم الكاركاتير، ليخرج لنا جيل مميز يخدم الإسلام ويرد على مثل هؤلاء السفهاء بطرق ناجعة، منوهًا في الوقت ذات بالمخرج الراحل مصطفى العقاد الذي أفاد الإسلام بفيلم الرسالة.
وطالب “الغنوشي” الأقليات والجاليات المسلمة في الدول الغربية بالانخراط في مجتمعاتهم والتعايش معها وأن الدول الأوروبية والأمريكية تضمن للجميع حرية المعتقدات دون تمييز أو إكراه.
وأبدى “الغنوشي” أسفه الشديد لما تمر به دول القلب الإسلامي كالعراق وسوريا واليمن، عازيًا نشأة داعش إلى أنها ثمرة من ثمار أوضاع بلداننا المختلة وأن التهميش الذي لقيه السنة في العراق وسوريا لا يمكن أن ينتج عنه الإ داعش، فهو تصرف متطرف بالأساس نتج عنه تكوين مجموعة غير سوية تُتنج أفعال في قمة التطرف كالإسراف في القتل وغيره.
وأكد “الغنوشي” على أن ثمن التغيير والحرية باهظ وعالي الكلفة لا سيما في الدول العربية الشرقية كالعراق وسوريا ومصر لأن التغيير فيها هو تغيير في العالم برمته لارتباط دول عالمية عظمى وإقليمية بمصالح متعددة كبؤر النفط والكيان الصهيوني القائم في ثوب إسرائيل.
جاء حديث “الغنوشي” في برنامج حراك الذي يقدمه الإعلامي عبدالعزيز قاسم على قناة فور شباب تحت حلقة بعنوان “قراءة في إخفاق الإسلاميين”.
وعاتب “الغنوشي” “قاسم” قائلاً : أنتم تتحدثون عن إخفاق حركة النهضة ونحن نحتفل بالذكرى الرابعة لنجاح الثورة التونسية ..نتألم عندما لا يرى إخواننا من المشرق والخليج العربي في تونس إلا الفشل وأننا خائبون وفاشلون بينما نرى نحن أنفسنا الشجرة التي لا تزال شامخة في الربيع العربي الذي ضربه إعصار حاد .
ومضى “الغنوشي” في حديثه متسائلاً وموبخًا إن كان أهل المشرق والخليج العربي يدركون ما أصبح يتمتع به الشعب التونسي من حرية في الإعلام والأحزاب السياسة والانتخابات التشريعية النزيهة التي لا يحصل فيها الفائز على نسبة 99% بل بالكاد يحصل على52% أو 53% إضافة إلى الانتقال السلس للسلطة من حكومة إلى حكومة ومن حزب إلى حزب .
وفي معرض رده على سؤال “قاسم” – أن الإخفاق المعني به هو حزب النهضة لفشله في الانتخابات وحصوله على المركز الثاني بعد أن كان الأول- أجاب “الغنوشي” أن حزب النهضة مخصوصٌ بالنجاح لا بالإخفاق، فعندما يصوت لك مليون من بين ثلاثة ملايين هذا في عرف الديموقراطية ليس فشلًا على حد تعبيره .
واعترف “الغنوشي” بأن عدم تمكن حزب النهضة من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليس انسحابًا تكتيكيًّا بل هو خسارة حقيقة لكسب ثقة أغلب الناخبين مبينًا أن الذين لهم إطلاعٌ على تاريخ الثورات يدركون جيدًا أن كل حكومة تتسلم إثر ثورة يكون نجاحها محدودًا؛ لأن الناس تنتظر تحقيق كل ما لم يتم تحقيقه قبل الثورة، غير مقدرين أن الثورة في الوقت ذاته ليست خارقة من خوارق العادات، ولم تكتشف كنوزًا جديدة بل أطلقت الحريات وهو أول وأهم أهداف الثورة التونسية، أما الهدف الثاني الذي يتمثل في التنمية وتحقيق الشغل فيرى بعض أبناء الثورة الذين شاركوا بها أنه لم يتحقق ولذلك عوقبت الأحزاب التي حكمت بعد الثورة، مقرًا في الوقت ذاته بأن هذا لا يعني أن حزب النهضة فوق النقد أو أنه لم يرتكب أخطاء بل هم بشر وخبرتهم محدودة وأنهم بصدد مراجعة أوضاعهم .
وطالب رئيس الحزب الذين يقولون بأن النهضة فشلت في الانتخابات بوضع الحزب والتجربة في سياقها العربي الصحيح حتى يعرفوا كيف هي الآن، مبديًا تأثر الحزب بالموجه الارتدادية للربيع العربي وأن الحديث يجب أن يكون عن كيف حافظت النهضة على 80% من ناخبيها -في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة- لا عن كيف فقدت 20% منهم.
كما أوضح “الغنوشي” أنهم استطاعوا تجنيب تونس ما حدث في مصر من خلال اتخاذ استراتيجية ومنهج التوافق والمشاركة بدل التغالب والصراع، وأن هذه الاستراتيجية إسلامية، وهي امتداد لاستراتيجية الرسول عليه الصلاة والسلام بعد فتح مكة حين قال “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن” ولم يُعمل السيف بل فرق بين النظام والأفراد؛ حيث هدم النظام الجاهلي وأباده ومنح في المقابل الفرصة للأفراد، واحتضنهم وجعلهم قادة، بعد أن كانوا يقاتلونه منذ أمد قريب مثل أبو سفيان وغيره وأنهم فعلوا نفس الأمر في تونس برفع شعار “من دخل تحت خيمة الدستور” – الذي يعد من أهم مكتسبات الثورة- فهو مواطن له كامل حقوق المواطنة، معترضًا على من يشبه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي بالمخلوع بن علي الذي جاء إلى السلطة على ظهر دبابة بخلاف الرئيس الحالي الذي وصل إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة نزيهة شارك فيها الجميع ورضوا بنتائجها بإدارتهم لا رغمًا عنهم.
وأكد رئيس حزب النهضة على أن الديموقراطية العربية ما زالت ديموقراطية ناشئة لا يمكن أن تدير من خلالها حكومة منتخبة بـ51% الشعب إلى بر الأمان، بما يحدث في بلدان الديموقراطيات العريقة، وأن الدول الأوروبية ظلت مئات السنين تتقاتل إلى أن فقهت بأن الحل في التعددية والاعتراف بالآخر وتقاسم المنافع، موضحًا بأن نفس السيناريو سيتكرر في المنطقة العربية باستمرار القتال والتناحر إلى مدة زمنية قد تطول قليلاً حتى يسأموا ويدرك الجميع ذات الحل حيث لا مناص من التعددية وقبول الآخر وتقاسم المنافع والمصالح، مؤكدًا أن أهل المنطقة عليهم أن يدركوا بأنها متعددة ولا مجال إلا للتعايش بعيد عن أي منزع هيمني، بل وحتى إيران لن تتمكن من وضع يدها على العراق وسوريا؛ لأنه مرهق لها ومرهق للمنطقة أيضًا.
وفي رده على من اتهم النهضة التي تقول بأن العلمانية لا تضاد الدين، وأن الحرية مقدمة على الإسلام، وأن الديموقراطية مقدمة على الشريعة، ومخالفة مبادئها وفق تصريح سابق له حيث ذكر أن صوت الأغلبية سيقدم على الشريعة أوضح “الغنوشي” على أن الأمر ليس كما يُظَنْ ويُصور به، واصفًا الثنائية الدائمة بوضع رأي الأغلبية مقابل حكم الله و وضع الحرية مقابل الشريعة بأنها ثنائية مضره ومتناقضة، وأن المجلس وأعضائه إما أن يكونوا مسلمين من أهل الإسلام ولديهم فهم صحيح للإسلام فلن يشرعوا ما يناقض الإسلام، وإما أن المجلس وأعضاءه ليسوا من أهل الإسلام أو لديهم فهم محدود للإسلام فيكون تشريعهم من خلال الثقافة السائدة، ونحن لا نتوقع من مسلمين واعيين أن يشرعوا ما يخالف الإسلام، وإذا حصل منهم ذلك فهو داخل تحت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، مبينًا رفضه الشديد في الوقت ذاته لمن ادعى بأن دستور بورقيبه – كما يسميه البعض- كان أكثر أسلمة من الدستور الذي أنجز مؤخرًا باحتوائه في المادة الأولى على أن الدين في تونس هو الإسلام، بينما صوت حزب النهضة لإلغاء مواد الشريعة من الدستور جازمًا على أن الأمر مازال عليه، وأنهم في حزب النهضة ناضلوا من أجل إبقاء هذه المادة وهي حاكمة على ما سواها، وأن تونس ليست علمانية بل بهذه المادة الأولى من الدستور التي تقر بأن دين الدولة هو الإسلام هي دولة إسلامية تتحرك في إطار الشريعة الإسلامية بحسب فهم أهل البلد وأهل المجلس التشريعي لها.