تتفاقم أزمة قطاع غزة وسكانه مع حلول فصل الشتاء، وما يزيد الأمور تعقيدًا على القطاع هو فشل جهود إقناع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تقليل القيود المفروضة على معبر رفح .. هكذا رأت مجلة (إيكونوميست) في تقريرها عن الأوضاع الإنسانية الصعبة داخل القطاع مع حلول فصل الشتاء.
وإلى نص التقرير:
لم يفلح أيضًا مقترح فتح معبر رفح لمدة 3 أيام بعد أن قام مسلحون في شبه جزيرة سيناء بقتل أحد أفراد حرس الحدود المصري، في إطار الحملة التي تشنها الحركات الجهادية، التي يزعم المسؤولون المصريون أن مموليها هم من متطرفي غزة.
ويحل فصل الشتاء ليضرب القطاع بقوة ويزيد من مأساته الفعلية، ففي المناطق التي تمت تسويتها فعليا بالأرض خلال الحرب التي شنتها إسرائيل الصيف الماضي، تتجمع العائلات تحت أغطية من القماش البلاستيكي وسط الأنقاض، وعندما تصل إليهم وكالات الإغاثة بالإمدادات، يتشاجرون من أجل الظفر بالأغطية لتقيهم برد الشتاء القارس.
أما من لا تزال منازلهم موجودة فيمكثون في الفراش للاحتفاظ بشعور الدفء مع قلة الكهرباء، وعلى المعابر الحدودية مع إسرائيل، فهناك المرضى والذين يحتضرون ممدون على نقالات لساعات طويلة أمام بوابات المعابر يحاولون الحصول على إذن من أجل العلاج الذي لا تقدر مستشفياتهم على توفيره لنقص الأدوية والمعدات، أما المشاريع التي استطاعت النجاة من القصف الإسرائيلي أغلبها راكدة بسبب قيود التصدير المفروضة من إسرائيل فضلا عن إغلاق مصر لأنفاق التهريب.
قطاع غزة تمزق نتيجة 3 عمليات عسكرية في غضون خمس سنوات فضلا عن 8 سنوات من الحصار الاقتصادي وحكم الحزب الواحد “حماس” تلك الجماعة الإسلامية المسلحة، أما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فهو بعيد كل البعد عن مشاكل القطاع بعد أن سيطرت عليه حماس في 2007، وأصبح النظام الاجتماعي المتهالك هو السبب بشكل أو بآخر في تهاوي القطاع.
ولم تأتي المبادرات بحل النزاع بين السلطة الفلسطينية وحماس بالجديد، في الصيف الماضي تنازل رئيس وزراء السلطة الفلسطيني السابق إسماعيل هنية رسميا عن منصبه من أجل تشكيل حكومة وحدة تحت قيادة السلطة الفلسطينية، لكن اتفاق تقاسم السلطة ترك لقوات حماس مسئولية الأمن، الأمر الذي جعل عباس متشككا، وتردد في إعادة توجيه الأموال القادمة من قطر لدفع مرتبات الموظفين المدنيين بغزة، أما من عينتهم حماس فقد تمت مطالبتهم بالتنحي وإعادة تقديم أوراقهم للالتحاق بالوظائف بعد أن تخضع تلك الأوراق للفحص من حركة فتح.
وعلى الرغم من تقاضيهم ثلاث دفعات من رواتبهم خلال 18 شهرا، فإن موظفي غزة أظهروا نية واضحة لاستمرارهم في العمل، حيث يصرون على عدم ترك غازة تنهار – على حد قولهم – بيد أن الاحتجاجات، والتي كانت في الغالب مصدرها العمال الذين لا يتقاضون أجورهم، تزايدت بمقدار ثلاث أضعاف منذ سبتمبر الماضي، وخلا الأسبوع الحالي، اقتحم المحتجون اجتماعا للحكومة في غزة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثبت مقاومته للضغوط أيضا، فوقف إطلاق النار الصيف الماضي لم يرق إلى الوعد برفع الحصار المفروض ومنح مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، وعطلت إسرائيل أيضا مفاوضات إعادة فتح الحدود، وخلال الشهر الماضي، سمحت إسرائيل بدخول عُشر كمية الأسمنت المطلوبة يوميا لإعادة بناء القطاع وحتى مع ذلك فإن الفلسطينيين ليس لديهم الأموال الكافية لشرائه.
قوات الأمن التابعة لحماس تتعامل بشكل خاطئ أيضا و كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، تنظم على فترات متقطعة استعراضات عسكرية يتم خلالها أيضا استعراض الطائرات دون طيار المصنعة محليا، ولكنها في الوقت نفسه، منعت مسيرات فتح بمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاقتها وتعاملت بشكل فظ مع منظمي تلك المسيرات، وما زاد الأمور تعقيدا هو التفجيرات التي وقعت بمحيط منازل وسيارات قيادات في حركة فتح، فضلا عن تهديدات بالقتل وصلت إلى عدد قليل من وزراء فتح في غزة.
أما أطفال غزة فيحلمون بالهروب من ذلك الجحيم، والمثال الذي يؤكد صدق تلك المقولة هو السؤال الذي وجهه طفل يُدعى وليد (8 سنوات) لوالده والذي كان: “أبي، لما لا نصبح مسيحيين؟” بعد سماعه أن إسرائيل تسمح لأصدقائه المسيحيين بزيارة بيت لحم للاحتفال بأعياد الكريسماس ويقول والد الطفل وليد “إن زنزانة السجن ربما تكون أفضل من الحياة في السجن المفتوح بغزة، وإذا قُتِلنا بالرصاص، فإن الموت السريع أفضل من الموت البطيء في غزة”.