أوردت التقارير الإعلامية المصرية معلومات متضاربة عن زيارة عماد الأسد، ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، برفقة وفد سوري صغير إلى مصر في 17 كانون الأول/ديسمبر 2014. ويشغل عماد الأسد منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي للأكاديمية العربية في اللاذقية، وكانت معظم وسائل الإعلام المصرية قد أشارت الى أن زيارته إلى القاهرة جاءت بناءً على دعوة من البحرية المصرية. غير أن بعض المنافذ الإعلامية قالت أن الزيارة كانت مرتبطة بشكلٍ مبهم بموقف مصر تجاه حل دبلوماسي للحرب الأهلية الدامية في سوريا. وربطت الصحيفة التي تصدر باللغة الإنكليزية “ديلي نيوز إيجيبت” الزيارة بالاجتماع الذي انعقد في 16 كانون الأول/ديسمبر بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونائب رئيس الوزراء الروسي.
وحتى إذا كان وصول عماد الأسد إلى القاهرة مجرد زيارة غير سياسية لا تشمل اجتماعات رسمية، إلا أنها تتميز بكونها أول زيارة حظيت بتغطية إعلامية لمصر من قبل شخصية تابعة للنظام السوري منذ بدء الثورة السورية. وبالتالي، ستبدو للمنطقة وكأنها جس للنبض الدبلوماسي حول تطبيع العلاقات بين القاهرة ودمشق. لكن حتى إذا كانت حكومة السيسي تميل إلى التحرك بهذا الاتجاه، هناك عدد من الأسباب التي تدفع للإعتقاد بأن قدرة مصر على التحرك محدودة.
من المهم الإقرار بأن الجيش المصري لديه علاقات تاريخية قوية مع نظيره السوري. ويعترف مسؤولون مصريون رفيعو المستوى بأن الجيش لا يستخدم تسمية “قيادة الجيش الأول الميداني” في وحدات الجيش لأنه لا يزال يعتبر الجيش السوري بأنه يشكل “قيادة الجيش الأول الميداني”، وهو إرث من اتفاقية الوحدة بين سوريا ومصر التي انهارت عام 1963. وعلى الرغم من التوتر الكبير الذي ساد بين الضباط السوريين والمصريين خلال فترة “الجمهورية العربية المتحدة”، إلا أن روابط الوفاء في ساحة المعركة كانت قد تعززت من جراء الهجوم ذات التنسيق والتخطيط المشتركين بين الجانبين المصري والسوري ضد القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان في تشرين الأول/أكتوبر 1973.
وبالإضافة إلى هذا الإرث التاريخي، عبّر كبار القادة العسكريين المصريين لعدة سنوات عن قلقهم حيال التبعات الإقليمية للمعاناة السورية. وهذا لا يعني أنهم يؤيدون ممارسات نظام الأسد. فخلال حكم “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” في العامين 2011 و 2012، أشار الجنرالات المصريون مراراً وتكراراً إلى الفارق في تعامل الجيش المصري مع المتظاهرين وتعامل الجيشين السوري والليبي مع مواطنيهم في المقابل. لكنهم مع ذلك أوعزوا بشكل مستمر للدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين الأمريكيين إلى أن احتمال انهيار الدولة السورية أو انتصار الحركات الجهادية هما نتيجتان يجب تجنبهما مهما كان الثمن. واستند دعم السيسي للحملة الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، إلى هذه الرؤية.
وخلال ولاية الرئيس المصري السابق محمد مرسي التي دامت عاماً واحداً، شكلت مبادرة مرسي الدبلوماسية الشهيرة محاولة لإطلاق الحوار الوطني حول سوريا والذي كان يفترض أن يجمع بين مصر والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا. وأوضح مستشارو مرسي في أكثر من مناسبة أن الهدف من هذه المبادرة هو استرجاع الدور التقليدي لمصر كمركز قوة إقليمية ووسيط دبلوماسي. إلا أن المبادرة لم تؤت ثمارها، حيث أن السعوديين رفضوا العمل مع إيران وشككوا كثيراً بنوايا مرسي أيضاً. ثم سعى مرسي إلى جعل القاهرة مركزاً للمعارضة السورية الرئيسية، ورحب لفترة بإقامة اللاجئين السوريين في مصر.
لكن بعد أن تدخل الجيش للإطاحة بمرسي في تموز/يوليو 2013، تمثّلت أول التغييرات في السياسة المصرية، والتي قامت بها الحكومة المؤقتة، بخفض منزلة المعارضة السورية والحد من تحركات السوريين في مصر. وبنظر المصريين فإن ربط تيار المعارضة السورية مع مرسي و «الإخوان المسلمين» ضَمَن عدم استمرار مصر بدعم المعارضة، وقد يكون قد أدى لاحقاً إلى بعض الاتصالات غير العلنية مع نظام الأسد. أما وزارة الشؤون الخارجية فدعمت فكرة التسوية الدبلوماسية من دون تحديد الدور المحتمل للأسد في مستقبل سوريا.
وعلى الرغم من الروابط التقليدية بين الجيشين السوري والمصري ونفور الجيش المصري من المعارضة السورية، يبقى من غير المحتمل أن تتقرّب مصر إلى حد كبير في عهد السيسي من نظام الأسد، خاصةً بسبب الروابط الوثيقة بين القيادة المصرية ودول الخليج العربية واعتماد مصر على دعم هذه الدول أيضاً. وحتى لو أرادت القاهرة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، إلا أن حاجتها إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع السعوديين والإماراتيين بشكل خاص، من المرجح أن تؤدي إلى استمرارها في فرض قيود كبيرة على المدى الذي تستطيع اجتيازه في هذا الاتجاه.
* مارك سيفرز هو دبلوماسي مقيم في معهد واشنطن، وكان قد شغل سابقاً منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية للسفارة الأمريكية في القاهرة ومنصب القائم بأعمال السفارة. الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر وزارة الخارجية الأمريكية أو الحكومة الأمريكية. وقد نُشر هذا المقال في الأصل من على موقع “منتدى فكرة”.