أوليفر كيران Olivier Cyran: محرر سابق في مجلة “شارل إيبدو” الفرنسية الساخرة التي تعرضت لهجوم قتل فيه 9 من موظفيها منهم 4 من كبار رساميها بما فيهم رئيس التحرير ستيفان تشاربونيير. كتب رسالة في 5 ديسمبر 2013 -نشر ترجمة لها موقع الكاتبة والناشرة Daphne lawless- تنبأ فيها بنهاية سوداء كتلك التي جرت للمجلة بسبب ما وصفه بـ “سلوكها الديكتاتوري وممارساتها الفاسدة”.
الرسالة التي ترجمتها “دافني لوليس”، على موقعها، أكد فيها “أوليفر كيران” أنه كان يعمل في المجلة في الفترة من 1992-2001، قبل أن يستقيل، بسبب ما أسماه “الغضب من سلوك المجلة الديكتاتوري وممارساتها الفاسدة”، وفيها يقول إنه ظل يراقب سلوك وتطور المجلة من مسافة بعيدة منذ ذلك الحين، ومن خارج الجدران، وسلوكها المتنامي في العداء للإسلام.
وقال إنه كتب رسالته هذه -التي وجهها لرئيس تحرير الذي قتل (تشارب) وزميله (فابريس)- بمناسبة مقال رأي نشره “تشارب” في صحيفة لوموند، وكانت هذه الرسالة، كما تقول مترجمتها من اللغة الفرنسية للإنجليزية، هي جرس الإنذار ومؤشر مبكر لما سوف تواجهه المجلة من عنف كالذي حدث لها يوم 11 يناير الجاري بسبب استهدافها المسلمين بالاستفزاز، وتصف المحررين بأنهم مسؤولون عن هذا الهجوم، وهو ما سيتضح من نص الرسالة التي نشرتها:
قراءة في محتوى الرسالة
يقول “كيران” في نص رسالته المعنونة بـ “عزيزي: تشارب Charb وفابريس Nicolino”: “آمل أن أولئك الذين يدًعون، وسيًدعون غدًا، أن تشارلي هي مجلة عنصرية، يكون لديهم الشجاعة ليقولوا ذلك بصوت عال، وأن نعرف كيف نرد؟، مشيرًا بذلك لتصريح من رئيس تحرير لصحيفة لوموند 20 نوفمبر 2013 قال فيه: “شارل إيبدو ليست عنصرية“.
وأضاف: “تشارلي إيبدو، موقعها الإلكتروني ودار النشر، كانت تعطيك مساحة للتعبير عن نفسك بالمحتوى الذي تريده؟، بينما التراث المجيد لـ “تشارلي” في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما كانت هناك رقابة سياسية ولكن لا أحد يطارد سمعة المجلة، هو ما كان يدعوك للقلق، وأشك في ذلك، ففي ذلك الوقت، لجأ كُتاب مثل “كافان”Cavanna أو “تشورون”Choron للصحافة المحترمة لجعل أنفسهم محترمين”.
وروى “كيران” تفاصيل ما أسماه “التحول المؤلم الذي تولى فريق “تشارب” إحداثه في المجلة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والذي عاصره وابتعد عنه (المحرر السابق) عندما كان يعمل فيها، وكيف أثرت الطائرات الانتحارية على الخط التحريري الخاص بالمجلة، وجلبت عقدة تحميل الدين الإسلامي المسؤولية على صفحات المجلة شيئًا فشيئًا، ما جعله أحد المتضررين شخصيًا.
تفاقم النشر عن “المسلم الهمجي”
“كيران” أشار إلى تفاقم فكرة تثبيت المجلة في رسوماتها وتقاريرها أن “العربي والمسلم همجي”، وأنه تهديد لفرنسا، بينما إسرائيل يصورونها على أنها جزيرة صغيرة بها ثقافة كبيرة وديمقراطية مستقرة.
وقال إنه خرج منهكًا من هذا السلوك الديكتاتوري والممارسات الفاسدة بالمجلة عقب سقوط برجي مركز التجارة في أمريكا 2011، حيث انطلقت عملية إعادة صياغة أيديولوجية المجلة (السياسة التحريرية) التي أبعدت قراءً سابقين وجذبت آخرين جدد، في صورة إصدار أرعن للمجلة عن الحرب على الإرهاب، ثم انتشرت الفوضى برسومات من الرسام Gébé تركز على “اللحى”، والنساء المحجبات بصور ساخرة.
وتدريجيًا تحولت “التحقيقات الصحفية” في المجلة لتصور “الشائعات” على أنها “حقائق”، مثل أكاذيب ما قيل عن تسلل سلفيين متعطشتين للدماء” إلى رابطة حقوق الإنسان (LDH) أو المنتدى الاجتماعي الأوروبي (FSE)، ومع الوقت أصبحت هذه المواقف تزادا جموحًا بالمجلة، مثل النشر لأكثر الشخصيات الفاسدة فكريًا مثل مجموعة برنار هنري ليفي أو أنطوان صفير، الذين نشروا بيانًا في تشارلي إيبدو باسم “البيان الاثني عشر ضد الشمولية الإسلامية الجديد”، وأصبح الحديث يدور بشكل أكبر عن المتحضرين (الأوروبيين) في مواجهة الظلاميين (المسلمين).
ويشير المحرر السابق هنا لما جرى عام 2011، عندما نشرت المجلّة احتفاءً بفوز حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التونسيّة، عددًا باسم (الشريعة) مفترضة بأنّه قد حرّر من قبل “محمّد” كمحرّر ضيف!، وكان العدد مسيئًا بشكل لا يصدّق، فقد صوّر الغلاف النبي وهو يقول “100 جلدة إذا لم تمت من فرط الضحك!“، وفي ذلك الوقت، توقّع الكثيرون بأنّ ذلك قد يشكّل نهاية شارلي إيبدو، ولكن طاقم العمل استمر في استفزاز المسلمين، قائلًا لـ “تشارب”: “لا أحد في المكتب الخاص بك استقال بعد هذه الصفحة”.
وسرد المحرر السابق نماذج من الإساءات التي تخصص رئيس التحرير (تشارب) في نشرها مثل: نشر شريط فيديو على موقع مجلة شارلي إيبدو في نهاية عام 2011، به تقليد لدعوة الإسلام إلى الصلاة، بغرض الضحك، ورسم كاريكاتوري يصور النساء المحجبات متعريات الأرداف وهن يسجدن بالصلاة نحو “مكة المكرمة”، واصفًا إياها بأنها “حماقة ليست فقط مخجلة، ولكنها غباء محرج لرئيس تحرير المجلة ومحرريها“.
كما أشار لتعمد المجلة استضافة شخصيات جدلية لسب الإسلام مثل المحامي الخاص برئيس التحرير “ريتشارد مالكا”، الذي يمثل شركة “كليرستريم” السيئة السمعة لتهربها من الضرائب لصاحبها (دومينيك ستراوس) السياسي الذي ألقي القبض عليهم في محاولة اغتصاب، لكي يقول: “إن الحجاب هو إبادة، ودفن للثالوث الجمهوري في فرنسا :الحرية، المساواة، الإخاء”.
أكذوبة أن الإسلام “مشكلة” فرنسية
ويسرد “كيران” تفاصيل كثيرة انخرطت شارل إيبدو فيها؛ اعتبرها “قصف المسلمين بدافع الهوس”، وتكريسها أسبوعيًا -لأكثر من عقد من الزمان- هذا القصف لإثبات فكرة أن الإسلام “مشكلة” كبيرة في المجتمع الفرنسي، وجعل “الحق في الإساءة” للإسلام، تكريسًا للعلمانية والجمهورية، قبل “التعايش”.
وأشار لنتائج هذا في استبعاد فتاة محجبة من العمل مثلًا وهو “تمييز غبي”، بينما الحركة النسوية المحترمة لا تكترث لهذه المضايقة، إضافة إلى مقولات وتصرفات فاشية لزعيم الجبهة الوطنية “ماري لوبان” لا تعد ولا تحصى، بينما تشارلي إيبدو “تدعم القاعدة الذهبية التي تجيز لنا أن نقذف في حق جميع المسلمين” ، وتدعي أنه “من حقنا أن نسخر من الأديان“، وتخلط بين الانتقادات المشروعة للإسلام مع العنصرية المعادية للعرب!
حيث ارتفع العداء للإسلام 11.3٪ في الـ 9 أشهر الأولى من عام 2013 في فرنسا بسبب ما ينشر عن المسلمين، مقارنة بنفس الفترة من عام 2012، وفقًا لمرصد (المواطن) DE L’islamophobie، الذي أشار للشعور بالقلق من “ظاهرة العنف الجديدة” ضد المسلمين والتي وصلت لما لا يقل عن 14 اعتداءً على النساء المحجبات منذ بداية العام 2013.
ويسخر “كيران” من “تشارب” قائلًا: “لا تقلق، أنا لا أقول إن من يقرأ تشارلي إيبدو سوف يذهب تلقائيًا ليلقي بدلو من دماء الخنزير على مسجد، أو إنه سيمزق حجاب المحجبات في السوبر ماركت، كما يحدث هنا وهناك“، مضيفًا: “أنت تفعل هذا (أي تستفز المسلمين) كأنك تهاجم فريق ريال مدريد، وتقول إنك ضد العنف وضد العنصرية، مع أنك تتحيز ضد المسلمين في الرسومات، مثال ذلك الكارتون الذي نشرته ويقف فيه شيخ عربي ملتح مع شاب يتوقف أمام عاهرة وهو يقول له واعظًا: “يا أخي لماذا تدفع 40 يورو في هذه المرأة ذات الشعر الأشعث، بينما بنفس السعر يمكنك أن تشتري زوجة؟”!
وقال: “منذ الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، وهناك تصاعد في “تقريع المسلمين” تحت قناع “الدفاع المتعنت من حرية التعبير“، حتى أصبح هذا هو المقدمة التي تنشرها مجلة شارلي إيبدو بشكل منتظم وتلقى رعاية منك (رئيس التحرير)، وحتى ولو تناولت موضوعات أخرى، “يظل الخوف من الإسلام هو الغذاء الأساس الخاص بك، والمنتجع الخاص بك“.
ويسأل محرر “شارلي” السابق رئيس التحرير سؤالًا مباشرًا: “ما هي، بالضبط، مشكلتك مع المسلمين في هذا البلد؟، ففي كتاباتك في صحيفة لوموند، تحدثت عن “قوة عظمى في أيدي كبار رجال الدين المسلمين“، ولكن دون أن توضح كيف أن الإسلام -والذي لا يوجد لديه رجال الدين ولكنك لا تفهم هذا- يشكل “هذه القوة العظمى” في فرنسا؟
ويضيف: “بعيدًا عن بعض المتشددين الذين يروج لهم بعض المتعصبين، لا يبدو أن الدين الإسلامي في هذا الجزء من العالم (فرنسا) بالنسبة لي يشكل أي خطر أو تدخل غير عادي أو عدائي، وعلى المستوى السياسي تأثير الإسلام في فرنسا “صفر”، والـ 6 ملايين مسلم في بلادنا، سواء منهم أعضاء في الجمعية الوطنية، أو عضو البرلمان، يمررون القوانين التي تجعل النساء المحجبات غير مؤثرات، بعكس من يدعون للقلق من ثورات العنف والترهيب من الدين الإسلامي”.
ويضيف: “لا يوجد مسلم واحد بين مالكي وسائل الإعلام، ولا بين ضباط المعلومات، أو أرباب الوزن الثقيل من أصحاب العمل، أو كبار المصرفيين والمحررين، وفي الأحزاب السياسية من اليسار واليمين، لا يوجد مسلمون تعلموا عن ظهر قلب الأعمال الكاملة لكارولين فوريست لديهم أي فرصة للحصول حتى على دور سياسي منخفض المستوى”.
وختم المحرر السابق بالمجلة رسالته إلى رئيس التحرير قائلًا إن: “ترميز العنصرية لجعلها غير محسوسة، وبالتالي مقبولة اجتماعيًا“، هي ما حاول “توماس دلتموب” أن يحددها كوظيفة للإسلاموفوبيا، وهو واصفها أيضًا بأنها: “آلة لتكرير العنصرية الخام“، وهذه الصيغ الاثنتين تصلحان لك كقفازات، لهذا لا تركب حصانك وتتفاخر عندما تجد أن أهالي مدينتك يستخدمون لغة نقد قوية ضدك.
عادل القاضي – التقرير