أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي، قبل أربع سنوات، في 17 كانون الأول عام 2010، نفسه احتجاجًا على ظلم النظام – الحدث الذي أدى إلى اندلاع مظاهرات في العالم العربي وإسقاط الأنظمة في تونس، مصر، ليبيا واليمن.
بدا للكثيرين أن الموجة التي أُطلِق عليها تسمية “الربيع العربي”، ستعم العالم العربي وستؤدي لقيام أنظمة ديموقراطية في أماكن أُخرى. مُذاك الحين فُجع الربيع العربي أكثر من مرة.
رأى كثيرون أن انهيار الدولة في ليبيا، سوريا واليمن، دليل واضح على فشل الربيع العربي. وربما، تدل التطورات التي حدثت في تونس ومصر على أن الصورة أكثر تعقيدًا وعلى أن بعض الإنجازات قد تتكشف على المدى الطويل أنها ذات أهمية تاريخية.
توجه المواطنون التونسيون في نهاية شهر كانون الأول إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا بنسبة مُلفتة – أكثر من 60% – رئيسًا جديدًا. فوز باجي قائد السيسي، السياسي المُخضرم، البالغ من العمر 88 عامًا، والذي شغل العديد من المناصب الرسمية في النظام السابق، ترافق مع الخشية أنه هو وحزبه، “نداء تونس”، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول على الحزب الإسلامي البارز، حزب النهضة – ليس إلا تمويهًا لعودة النظام القديم الذي تم إسقاطه وفشل الجهود لبناء نظام ديموقراطي.
إلا أنه على الرغم من الصعوبات التي تواجهها تونس منذ عام 2011، يمكن الإشارة إلى أنها الدولة الوحيدة من الدول الثورية التي حققت إنجازات هامة.
كانت أبرز الإنجازات تعزيز المجتمع المدني، الذي كان مُتطورًا نسبيًا مقارنة بدول عربية أُخرى. وجاء ذلك نتيجة أن الجيش التونسي ليس عنصرًا مركزيًا في السياسة كما في مصر، وبفضل الحوار بين الجهات الدينية والعلمانية، التي عرفت كيف تتنازل وتتعاون فيما بينها. أقر البرلمان التونسي قبل عام، بغالبية مُطلقة، دستورًا جديدًا يُمثل توافقًا اجتماعيًا وسياسيًا، رغم الخلافات الأيديولوجية.
منذ 2011، شهدت تونس العديد من العمليات الانتخابية التي كانت حرة، عادلة ونزيهة، برأيي كثيرين. حتى أن النظام السياسي استطاع حتى الآن أن يحتوي التوتر بين الإسلام والديموقراطية، رغم وقوع بعض الاغتيالات السياسية. تقبُّل حزب النهضة الهزيمة، وخسارته الانتخابات البرلمانية، يؤكد على التزام الحزب لقواعد اللعبة الديموقراطية.
الوضع مُختلف في مصر. إن عزل محمد مُرسي في حزيران 2013، بعد فترة من الاضطرابات، وتسلم عبد الفتاح السيسي زمام السلطة، ربما أعاد الاستقرار قليلاً للدولة، ولكن في حين أن مُرسي وصل إلى الحكم من خلال الانتخابات الديموقراطية، فعزله لم يتم من خلال صناديق الانتخابات بل بتدخل من الجيش الذي تحرك بدعم من الجماهير.
انتخاب السيسي تم بطريقة ديموقراطية إلا أنه دخل السباق الرئاسي أمام مُرشح واحد وحظي بالدعم بنسبة ما كان ليخجل منها حُسني مُبارك وهي 96%. بخلاف خطوات الاستيعاب التي تم اتخاذها في تونس، قام النظام المصري الجديد بخطوات عقابية ضد الإخوان المُسلمين، بما في ذلك عقوبات السجن والإعدام. تم الإعلان أن حزبهم، “حزب الحرية والعدالة”، هو تنظيم إرهابي. تم أيضًا التعامل بقبضة حديدية مع الحركات العلمانية، مثل “6 أبريل” و “كفاية”، اللتين قادتا الثورة الأولى، وحتى أنه تم اعتبار الحركتين غير قانونيتين.
على غرار الجيران التونسيين كذلك فعل المواطنون المصريون حين صوتوا بالموافقة على الدستور الجديد، وإن جاءت نسبة التصويت أقل. لم ياتِ هذا الدستور نتيجة حوار بين القوى السياسية المُختلفة، وعزز دور الجيش كجهة مُستقلة في السياسة المصرية. عادت الحكومة الجديدة لتراقب المساجد والوسائل الإعلامية لمنع توجيه انتقادات ضد نظام الحكم. تم إغلاق العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية المعارضة المعروفة. عاد الإعلام المصري، بشكل كبير، “حكوميًا” للغاية، كما كان في عهد مُبارك.
لم يتم اتخاذ الخطوات المتعلقة بتضييق الحيز السياسي، في فترة ما قبل الثورة، عبثًا: بل نتجت غالبًا من الحاجة إلى إعادة الأمن بعد العمليات الإرهابية التي طالت سيناء وبقية البلاد، ووقف عملية الإضرار بالسياحة وتراجع الوضع الاقتصادي نتيجة تراجع الاستثمارات الخارجية.
أتاح عدم الاستقرار الفرصة أمام السيسي للقيام بعملية تقليص للدعم الحكومي في مجال الطاقة والغذاء، والتقليصات، والتي أدت سابقًا لحالة غليان فقد مرت هذه المرة بسلام.
أدت تلك الخطوات التي قام بها السيسي بالكثيرين للتفكير إن كانت مصر قد عادت إلى نقطة البداية، ليلة ثورة كانون الثاني 2011، وهل بقي نظام مبارك رغم نهاية فترة ولايته. من الصعب إعطاء إجابة دامغة في هذا المنظور التاريخي القصير جدًا، ولكن تُعلمنا المقارنة مع تونس أنه بينما يُلائم مُصطلح “ربيع” لتونس نجد أن مصر ما زالت في الخريف.
يمكنها الوصول نظريًا إلى الربيع – السيسي ذاته قال قبل أن يتم انتخابه رئيسًا إن الطريق إلى الديموقراطية قد تحتاج بين 20 حتى 25 سنة. إنما الطريق إلى هناك يجب أن تكون طريق حوار، تصالح وتسوية مع الأعداء، كما أثبتت التجربة التونسية. لم تحدث في مصر بعد ثورة من هذه الناحية.
البروفيسور إيلي فوده مُحاضر بموضوع دراسات الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية: د. زيسنوين باحث في مركز ديان في جامعة تل أبيب
صحيفة هآرتس