لم يكن حادثة طعن معلم بسكين وسط زملائه وطلابه من أحد أقارب طالب عنده قبل عشرة أيام مجرد حادث عابر، ولم تكن تصريحات مجرد تتناوله الصحف بالتعليق والتحليل، بل كانت ناقوس خطر يكشف النقاب وينذر بمزيد من تدهور العلاقة بين البيئة التعليمية من جهة والطلاب وذويهم من الجهة الأخرى وما تنتجه من عنف ممنهج داخل البيئة التعليمية.
مؤشرات خطيرة
هذا ما كشفت عنه إحصائيات وزارة الداخلية التي أقرت مؤخرا بأن 82% من إجمالي الحوادث في المملكة عموماً تتعلق بالعنف داخل البيئة المدرسية، والتي ارتفعت خلال سبع سنوات من 1406حادثة اعتداء إلى 4528 حالة اعتداء بزيادة 400% خلال السنوات السبع في منطقة الرياض فقط.
ولفتت إحصائية وزارة الداخلية إلى أن عدوى العنف المدرسي انتقلت من مدارس البنين إلى مدارس البنات، مما يعني وجوب الوقوف بحزم وقوة ضد هذه الظاهرة التي قد تنهي ما تم بناؤه من مسيرة الحركة التعليمية.
وعززت تقارير أعدتها الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم من مصداقية إحصاءات وزارة الداخلية جاء فيها : «أن البيئة التعليمية تسودها المعضلات والقضايا الأخلاقية من ألفاظ بذيئة وشتائم، تحرش جنسي، فعل اللواط بالقوة كما أن الاعتداء بالضرب على الآخرين يحدث غالباً خارج المدرسة، حيث تستخدم فيها العصي والسكاكين والآلات الحادة، وتأخذ الخلافات طابع التعصب للأقران أو النسيج الاجتماعي القبلي ، يأتي الاختطاف في المرتبة الأولى يليها قضايا السرقة من خلال سرقة مباشرة بالإكراه، ثم الابتزاز والاعتداء الجسدي بما يشمل الاعتداء على الإدارات، والاعتداء على المعلمين، والاعتداءات بين الطلاب، وتصل إلى حد محاولات القتل، واستخدام السلاح، واستخدام الأدوات الحادة للتهديد، وتدمير ممتلكات الآخرين».
دراسة علمية كشفت أن 50 % من طلاب وطالبات المدارس في السعودية يتعرضون لعمال عنفلتعنيف وفق دراسة علمية حديثة، مشددة على ضرورة التحرك لإنشاء محكمة تربوية لمعالجة قضايا العنف المدرسي ومساعدة الجيل الجديد على تفجير إبداعاتهم وإطلاق طاقاتهم دون إرهاب أو تعنيف.
أسباب وآثار
نخبة من الاستشاريين النفسيين في ندوة نظمتها اللجنة النفسية بمقر الغرفة التجارية الصناعية كشفوا عن دراسة أجراها الدكتور «عصام الدسوقي» في كلية التربية جامعة الملك عبد العزيز أكدت أن 50 % من المشاكل السلوكية بين طلاب المدارس تعود إلى التعنيف الذي يتعرضون له، حتى أضحى ظاهرة تتفاقم مع الأيام نتيجة مشاهد العنف التي تبثها وسائط الإعلام التي تدخل البيوت من غير استئذان.
وقال الدكتور «مسفر محمد المليص» رئيس اللجنة النفسية في معرض تعليقه على الدراسة أن المدن الكبرى في المملكة وفقاً للدراسة سجلت حالات تجاوزت 200 حالة عنف مدرسي في العام الماضي، وتبين أن الطالب يحتاج إلى معاملة نفسية متفهمة من معلمه ليترسخ بينهما الاحترام، إضافة إلى أن أولياء الأمور أمامهم مسؤولية كبيرة في تقدير دور المعلم الرئيسي في بناء المجتمع.
وأكد المليص في تصريحات صحفية أن ضعف الحلول الحالية سبب رئيس في عدم تبليغ نسبة كبيرة من الطلاب والطالبات عن العنف المدرسي الواقع عليهم, وبين أن ضعف واهتزاز الشخصية والتردد في اتخاذ القرارات الصحيحة من أهم الآثار السلبية للعنف المدرسي, وأوضح أن أكثر أنواع العنف انتشارا في المدارس هو العنف اللفظي بنسبة بلغت 70 %، يليه العنف الجسدي الذي يتراوح بين 30 – 40 %، ثم الإهمال بنسبة بلغت 35 %، وأخيراً العنف الجنسي بنسبة 10 %.
وأوصى الخبراء بضرورة إنشاء محاكم تعليمية قادرة على الحد من العنف في المدارس, وتدريب المرشدين والمرشدات على كل جديد في المجال التربوي والنفسي، وعمل بحوث علمية من وزارة التعليم العالي تخدم هذه القضية, مؤكدين أن ظاهرة العنف موجودة منذ سنوات طويلة في كل المجتمعات، إلا أن التغيرات التي اعترت البيئة الاجتماعية في الآونة الأخيرة أفقدت بعض أولياء الأمورالوعي التربوي، ما جعلهم يشجعون أبناءهم على العنف، مؤكدين أن ظاهرة العنف في المدارس تتنامى بشكل خطير.
وزارة التربية والتعليم من جهتها أعلنت أنها تقف ضد العنف بكل أشكاله وتتكفل بحفظ مكانة المعلمين، وأنها ستسخر كل إمكاناتها لحماية منسوبيها من الاعتداءات، مشددة على أهمية احترام المعلم بصفته المربي وأساس العملية التربوية وصانع مستقبل الأجيال.
ورفض الأمير «خالد الفيصل» وزير التربية والتعليم، حادثة الاعتداء على أحد المعلمين من قبل مواطن داخل مدرسة ابتدائية في محافظة الأحساء الخميس الماضي، مؤكدا خلال حديثه هاتفيا مع «بسام العبد الله» المعلم المعتدى عليه، أن الوزارة متابعة للحالة عند الجهات الأمنية والقضائية، وأنه لا يرضى أن يُعتدى على أحد رجال التربية والتعليم.
وكان خلافا نشأ بين طالبين في الفسحة المدرسية، وتدخل ابن عم أحدهما في الخلاف وضربا زميلهما، الذي اشتكاهما للمعلم «بسام» المعتدى عليه، وعند مواجهتهم الثلاثة حاولوا الاشتباك يدويا مرة أخرى فاضطر المعلم إلى فض المشاجرة وتوجيه النصح لهم بعدم اللجوء إلى العنف، وحل الموضوع بصورة ودية، وبعد أسبوع راجعهم ولي أمر أحد الطلاب للاستفسار عن الحادثة، وتم إبلاغه بما حدث واقتنع بما أبلغه المعلم حول الخلاف، وبعد ذلك أتى من يزعم أنه ابن عم أحد الطلاب المتورطين في الخلاف وادعى أن المعلم سمح للطالب الآخر أن يضرب ابن عمه على وجهه، فوضح له ما جرى بالضبط، وأن المسألة لا تتعدى خلافا بسيطا بين الطلاب، وتم إنهاؤه في وقته، إثر ذلك طلب ابن العم من المعلم الخروج معه لخارج المدرسة للتفاهم، وهو ما رفضه المعلم خوفا من تطور الموضوع إلى ما لا يحمد عقباه.
وأضاف المعلم أن ابن العم أتى مرة أخرى، ودخل غرفة المعلمين وهو يبتسم ومعه أقرباؤه الطلاب، وقال موجها حديثه لي، لقد أتيتك بخصوص موضوع ابن عمي، فقلت له إن الموضوع انتهى، فرد قائلا لا لم ينته، وهنا بدأ في الاعتداء على وجهي وأثناء محاولتي مقاومته وتدخل من كان موجودا من المعلمين في الغرفة، سدد لي عدة طعنات في كتفي الأيسر، وبدأ الدم يخرج بغزارة، ثم خرج مسرعا من المدرسة، بعدها قام المدير بإغلاق بوابة المدرسة وإبلاغ الجهات الأمنية، وتم نقل المعلم إلى مستشفى الملك فهد في الهفوف، حيث تم إخضاعه للعلاج من قبل الطبيب الذي طمأنه على وضعه الصحي.
الخليج الجديد