السيسي يلتقي دحلان للمرة الثانية خلال 8 أشهر في لقاء تم التعتيم عليه في وسائل الإعلام المصرية.
مصر تعلن إزالة مدينة رفح بالكامل على الحدود مع غزة/ ضباط السلطة الفلسطينية على معبر “إيريز” الإسرائيلي مع غزة ينسحبون والسلطة تطالب إسرائيل بغلق المعبر/ وزير الداخلية المصري يسافر للإمارات لبحث التعاون الأمني.
هذه نماذج من أخبار حدثت كلها أمس الأحد، ولا يبدو بينها رابط محدد، ولكن مؤشرات وتقديرات سياسية تربط بينها، وبين خطط مصرية لتضييق الخناق على غزة من جهة، ومحاولات مصرية إماراتية لرفع أسهم القيادي في حركة فتح “محمد دحلان” في مواجهة الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس من جهة ثانية.
لقاء “السيسي- دحلان” يأتي في توقيت حساس يشهد توترًا شديدًا بين حماس ومصر بسبب استمرار غلق معبر رفح وحصار آلاف الفلسطينيين داخله، وانتقادات لمصر من قيادات حماس لأول مرة لغلقها المعبر وخنقها سكان القطاع، كما يأتي في إطار تنسيق مصري إماراتي ضد حماس مع دعم دحلان ليحل محل الرئيس عباس.
ومع أنه لم يعلن عنه في وسيلة إعلامية مصرية، فقد أكد “سفيان أبو زايدة” القيادي المفصول من حركة “فتح” والمقرب من محمد دحلان، على صفحته على فيس بوك عندما قال: “إن لقاءً مطولًا جمع دحلان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة”.
وأضاف أبو زايدة: “تحدثت شخصيًا مع دحلان، وأكد خبر اللقاء مع السيسي والذي تطرق إلى قضية معبر رفح ومعاناة الفلسطينيين على المعبر، واصفًا اللقاء بالمثمر”.
توقيت اللقاء وارتباطه بالخطط المصرية لحصار حماس وغزة، سواء عبر إزالة مدينة رفح المصرية بالكامل (المباني الموجودة على مدى 5 كم من الحدود مع غزة)، أو استمرار غلق معبر رفح ومطالبة إسرائيل أيضًا بغلق معبر “إيريز”، فضلًا عن التوتر المصري مع الرئيس عباس منذ خطابه الذي تنبأ فيه بعدم موافقة الغرب على تولي السيسي رئاسة مصر في مارس الماضي 2014، كلها عوامل تؤكد أن هناك جديدًا جرى بحثه.
والربط بين هذا اللقاء السري وبين لقاء آخر جرى بينهما في مارس 2014، عندما كان السيسي وزيرًا للدفاع، وفيه تبنى السيسي “دحلان”، وطالب عباس بإعادته إلى “فتح” والمصالحة معه، ما أدى لتوتر العلاقات المصرية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو ما ظهر في لقاء السيسي لاحقًا لعباس ومطالبته إياه بـ”مصالحة فتحاوية” في إشارة لإعادة دحلان وإلغاء قرارات طرده من فتح، فرد عباس بقوله: “فتح كويسة”، ولكن رد السيسي: “لا.. فتح مش كويسة”.
أيضًا ربط مراقبون في القاهرة بين لقاء السيسي دحلان وبين تولي دحلان منصبًا استشاريًا أمنيًا لولي عهد أبو ظبي، ومدى ارتباط اللقاء بزيارة وزير الداخلية المصري للإمارات، والتنسيق الأمني المشترك.
عباس يتهجم على السيسي ودحلان
وكان عباس قد شن هجومًا حادًا على دحلان، واتهمه بالمسؤولية عن اغتيال شخصيات فلسطينية، وعن دوره في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وذلك في كلمة مسجلة بثها التلفزيون الرسمي، مارس الماضي خلال اجتماع للمجلس الثوري لحركة فتح في رام الله.
عباس قال: “في المحاولة الأولى لاغتيال صلاح شحادة جاء دحلان وقال: “صلاح شحادة سينتهي خلال دقائق.. وبعد دقائق سمع انفجار ضخم، فذهب دحلان للخارج وقال بالحرف الواحد: ابن (..) نفد (ترك) البيت قبل لحظة واحدة”.
ولكن إسرائيل اغتالت لاحقًا بالفعل القيادي البارز في حركة حماس، صلاح شحادة في 23 يوليو 2002، عبر قصف المنزل الذي تواجد فيه في مدنية غزة، مما أسفر عن مقتل 18 فلسطينيًا، بينهم 8 أطفال.
وأشار عباس إلى سبب طرد دحلان من حركة فتح قائلًا: “دحلان كما تعرفون حقق معه الطيب عبد الرحيم، وحكم بلعاوي، والسبب ما جرى في غزة، وكانت نتيجة التحقيق طرده من عمله كمستشار للأمن القومي”، مضيفًا: “عندما أجرى التحقيق عزام الأحمد وأنهاه كانت النتيجة أن هناك 6 قتلوا بإيعاز من دحلان ومن بينهم محمد أبو شعبان وأسعد الصفطاوي ونحن بالخارج وكل إخواننا في تونس وهم من القطاع يعرفون هذه القصة“.
وتابع: “وكادت تكون فتنة بين أبناء القطاع احتواها أبو عمار، وقال لا نريد فتنة في تونس، ثم بعد ذلك قتل كل من هشام مكي وخليل الزبن ونعيم أبو سيف وخالد محمود شحدة (وهو شرطي).
وأضاف عباس: “دحلان طرد من فتح وطرد من اللجنة المركزية وانتهى أمره وأنا قلت لكل الناس إنه طرد وانتهى.. لا وساطة ولا غيرها.. دحلان لن يعود إلى فتح وهو مطرود”، وهو ما اعتبره مراقبون رسالة للمشير السيسي حينها أغضبته على عباس، خاصةً وأن عضوًا في المجلس الثوري لحركة فتح قال: “إن عباس قال: الأمريكان لن يسمحوا للسيسي بحكم مصر”، ما زاد غضب السيسي على عباس.
حيث زعم عضو في المجلس الثوري لحركة فتح، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس شن هجومًا على عبد الفتاح السيسي واصفًا إياه بـ”ديكتاتور مصر الجديد في عصر ثورات الديمقراطية”، وقال: “إن الأمريكان لن يسمحوا للسيسي بحكم مصر كما يحلو له أو يتصور”.
وورد الكلام بحسب المصدر، خلال اجتماع عقده الرئيس عباس مع بعض أنصاره على هامش اجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح، الذي اختتم بمدينة رام الله في الضفة الغربية.
وأضاف عضو المجلس الثوري لحركة فتح، أن “الرئيس عباس قال لنا بأنه لم يرد أبدًا لقاء السيسي، وأن الأخير هو الذي طلب الاجتماع”، مؤكدًا أن: “السيسي طلب مني التوسط له لدى الإدارة الأمريكية لتخفيف الضغوط التي يمارسونها عليه”، لكن عباس، بحسب المصدر، “لم يفاتح الإدارة الأمريكية بطلب السيسي، لأنه يعلم جيدًا بأنها لن تسمح له بحكم مصر، كما يظن، لأنها ليست بحاجة إلى “عبد الناصر صغير في مصر”.
وما أغضب السيسي والإمارات أيضًا أن عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال إن عباس أكد أيضًا في هذا اللقاء، أنه “مقتنع بأن القاهرة وبعض دول الخليج العربي باعوا القدس في سبيل الحفاظ على عروشهم وحكمهم، من خلال التآمر مع إسرائيل، لكنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا لذلك”.
إغلاق معبر “بيت حانون”
وفي إطار ما يبدو أنه مشاركة فلسطينية في خطة الضغط على حماس، كشفت مصادر فلسطينية أن السلطة الفلسطينية طلبت الخميس الماضي (8|1)، من سلطات الاحتلال إغلاق معبر بيت حانون في وجه المسافرين الفلسطينيين وغالبيتهم من المرضى، وذلك بعد مغادرة موظفي السلطة العاملين من قطاع غزة بشكل مفاجئ.
وقد رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، طلب السلطة الفلسطينية لمواصلة إغلاق معبر بيت حانون “إيرز” شمال قطاع غزة، وواصلت فتحه في كلا الاتجاهين، خشية أن يؤثر هذا على اندلاع حرب جديدة بسبب الحصار مع المقاومة في غزة.
ويشار إلى أن للسلطة الفلسطينية نقطة في معبر بيت حانون تحمل اسم (5/5)، يعمل بها موظفون تابعون لهيئة الارتباط والتنسيق الفلسطيني في الضفة، وقد استنكرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة قيام الارتباط الفلسطيني بإغلاق معبر بيت حانون في وجه المسافرين والحالات الإنسانية بشكل مفاجئ.
“فتح” تشطب المقاومة من برنامجها السياسي
وقد تزامنت هذه التطورات مع تأكيد مصادر مطلعة في مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوكالة “قدس برس” اللندنية أن اللجنة التحضيرية لعقد المؤتمر السابع بحركة “فتح” قررت شطب المقاومة من برنامج الحركة، ما يؤشر لمستويات التنسيق الفلسطينية الإسرائيلية العالية والتي وصلت لاعتقال أي مقاوم ولو من حركة فتح في الضفة يحاول إحياء المقاومة.
وأوضحت المصادر، أن اللجنة التحضيرية التي شكلتها اللجنة المركزية لحركة “فتح” برئاسة محمود عباس وعضوية 14 قياديًا في الحركة قررت في جلستها المنعقدة بتاريخ 19 أكتوبر الماضي تعديل اللائحة الداخلية لحركة “فتح”، وتعديل برنامجها بشطب “المقاومة المسلحة” واستبدالها بـ “المقاومة الشعبية السلمية” بما يتوافق مع متطلبات المرحلة.
وأفادت المصادر أن أعضاء اللجنة من قطاع غزة تغيبوا عن هذا الاجتماع وهناك حالة من الغضب في الكوادر التنظيمية للحركة احتجاجًا على هذا الأمر.
هل يُعد السيسي دحلان لخلافة عباس؟
شكل صعود الرئيس السابق محمد مرسي، إلى سدة الحكم هاجسًا لدى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على اعتبار أنه سيقوي شوكة حركة “حماس” التي كانت تسيطر على قطاع غزة آنذاك ولهذا لزم الصمت طوال مرحلة رئاسة “مرسي” بينما توالت قيادات حماس على القصر الرئاسي في مصر ونشرت صورًا لهم وهم يصلون مع الرئيس مرسي.
ولهذا عندما وقع انقلاب 3 يوليو لم يتردد عباس في تهنئة السيسي لقيادته انقلابًا على مرسي، بل إن الرئيس عباس أعلن ذلك صراحة في مقابلة تلفزيونية لقناة مصرية، أنه سعيد بتولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم، وإيقافه تغول جماعة “الإخوان المسلمين” وتفردهم بالحكم.
لكن هذا الارتياح من جانب عباس تجاه السيسي لم يدم طويلًا وبدت العلاقة باردة بين الاثنين، بعدما ظهر في المشهد محمد دحلان، الخصم اللدود للرئيس عباس، وظهرت علاقاته القوية بالسيسي، وبات زائرًا شبه مقيم بالقاهرة، بعيدًا عن أضواء الإعلام.
وقد تردد في أروقة السياسيين أن دحلان ساهم في التخطيط لإطاحة الرئيس مرسي، باعتباره مستشار الإمارات التي تحتضن دحلان منذ أن أطاحه عباس من قيادة الحركة، وقيل إن له دورًا فيما جرى في سيناء عبر قواته المنتشرة هناك منذ سيطرة حماس على غزة وطردهم منها.
وقد أصبح موقع دحلان لدى السيسي مثيرًا للتساؤلات، في ظل وجود علاقات متوترة بين تياري عباس ودحلان داخل حركة “فتح”، إضافة إلى وقوفهما في الموقع ذاته تجاه “حماس” و”الإخوان”، وهو الموقف نفسه الذي تدعمه الإمارات التي تحتضن الطرفين، ولكن مصادر فلسطينية قالت إن دحلان أكثر قربًا من عباس لمصر والإمارات باعتباره يدير الملفات الأمنية الحساسة التي يديرها الطرفان سواءً ضد الإخوان في مصر والمنطقة العربية أو في فلسطين.
وسبق أن كشف مسؤول فلسطيني لصحيفة “العربي الجديد”، أن عباس يرفض التصالح مع دحلان، وسبق أن عاتب عباس على رفضه التصالح معه، رغم كل العروض التي قدمت له، وأنه (السيسي) أبلغ أبو مازن أنّ تصالحه مع دحلان، سيفيد “فتح” كثيرًا، وسيمنع “حماس” من تحقيق أيّ إنجازات انتخابية، في حال جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية.
ولفت المسؤول إلى أنّ السيسي أبلغ عباس أنه من دون التصالح مع دحلان، فإنّ وضع حركة “فتح” سيبقى سيئًا، وستبقى الحركة منقسمة بين تيارين، وهو ما لا يريده للحركة، في هذه المرحلة الحساسة التي يجري فيها ضرب حركات الإسلام السياسي في المنطقة.
ولأن عباس لا يزال مصرًا على رفض التصالح مع دحلان، فقد ساءت علاقته بالسيسي والإمارات معًا، خصوصًا بسبب احتضانها القيادي المفصول من “فتح”، ويقال إن السبب في الخلافات عائد إلى تهجم دحلان على أبناء عباس، واتهامهم بالتربح من اسم والدهم ووظيفته، إضافة إلى اتهامات بالفساد والتلاعب بالأموال والتآمر مع إسرائيل والتسبب في اغتيال قيادات من “فتح”، وهي نفس الاتهامات التي يقولها عباس عن دحلان.
وقال هذا المسؤول الفلسطيني إن دحلان يُعد لأمر ما من مصر، وقد يكون إحلاله مكان عباس في قيادة “فتح” وفيما بعد لرئاسة السلطة الفلسطينية، وذلك بجهود مصرية واضحة، فدحلان يحظى بثقة قادة الانقلاب في مصر، إلى جانب حلوله ضيفًا دائمًا على قصر الرئاسة المصري.
ويدلل على هذا بالحفاوة به في القاهرة، لأنه منذ انقلاب الثالث من يوليو في مصر، بدأت وسائل الإعلام المصرية الخاصة والرسمية، تفرد مساحات كبيرة لدحلان، وفي إحدى المقابلات تهجم بألفاظ نابية على الرئيس الفلسطيني، وعقب احتجاج عباس وتدخل جهات في المخابرات المصرية، سُمح للناطق باسم “فتح” أحمد عساف بالخروج في البرنامج ذاته للرد على اتهامات دحلان.
لكنّ عساف، انسحب بعدما اشترطت القناة المملوكة لرجل أعمال مصري بارز، وجود ضيف آخر من المقربين من دحلان ليصبح لقاءً حواريًّا.
ومنذ انقلاب مصر، بات دحلان شبه مقيم في الأراضي المصرية، والتقى السيسي أكثر من مرة، حتى قبل أنّ يلتقي السيسي بعباس، وأبلغ الرئيس عباس أكثر من مرة المقربين منه، أنه يشعر بأن محاولات الدفع بدحلان إلى الواجهة صارت أمرًا واضحًا وخصوصًا من السيسي، لكن عباس يخشى الصدام بالسيسي المدعوم من السعودية والإمارات، اللتين تدعمان ميزانية السلطة الفلسطينية بالمال سنويًّا وتسدان أي عجز في موازنتها.
وسوف تكشف الأيام المقبلة أسرار هذه اللقاءات المتكررة بين السيسي ودحلان، وهل الهدف منها ترتيب أوضاع قطاع غزة فقط أم تولية دحلان السلطة مكان عباس، وقيادة التضييق على حماس بصورة أكثر فاعلية، أم أن الأمر أبعد مدى ويتضمن تنسيقًا مصريًا إماراتيًا حول مواجهة الإخوان في مصر وغزة والمنطقة العربية ودحلان هو الرابط بينهما؟
عادل القاضي – التقرير