تحتل الكويت المرتبة الأولى خليجيا والثانية عالميا في معدلات الانفصال بين الزوجين والطلاق على مدى السنوات العشر الماضية.
آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل حول الزواج والطلاق كشفت عنها صحف كويتية اليوم عن الأشهر السبعة الأولى من عام 2014، تبين أن 8160 حالة زواج تمت بين المواطنين والمقيمين مقابل 4136 حالة طلاق، واللافت أن من بين حالات الانفصال بين الأزواج 722 حالة خلع زوجات عن أزواجهن، فيما كان عدد حالات الزواج الموثقة عن نفس الفترة من العام 2013 يبلغ 10262 حالة مقارنة بـ 4036 حالة طلاق، مما يعني استمرار وتيرة ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع، تكشف عنها الطلاق يفوق الزواج.
وحسب إحصائيات إدارة البحوث والاحصاء بوزارة العدل، فإن حالات الطلاق خلال السبعة أشهر الأولى من 2014 تمثل نحو 50.6% مقارنة باجمالي حالات الزواج، كما تظهر البيانات أن شهر يناير/كانون الثاني هو الأكثر تسجيلاً لحالات الزواج والطلاق في البلاد، حيث وثق خلاله 1452 حالة زواج، مقابل 513 حالة طلاق، فيما كان شهر يوليو/تموز الأقل تسجيلا للزواج بـ656 حالة و380 طلاقا.
وأشارت الإحصائيات إلى أن اجمالي حالات الطلاق التي تم توثيقها بلغت 4136 حالة ولا تعتبر جميعها من ضمن حالات الزواج التي سجلت في السبعة أشهر الأولى من العام الماضي، ومنها 1916 حالة طلاق بائن ورجعي و722 حالة طلاق بالخلع إضافة إلى 720 حالة إثبات طلاق بموجب حكم محكمة و778 حالة طلاق بموجب شهادة الشهود.
كما تم توثيق 517 حالة مراجعة زوجية منها 454 معاملة إثبات مراجعة بإقرار الزوجين و157 معاملة إشهاد مراجعة داخل الإدارة.
وأفادت الإحصائيات أن عدد المتقدمين للفحص الطبي قبل الزواج بلغ 7870 مواطنا ومواطنة، وجاءت نتيجة الفحص غير الآمن 27 حالة فقط، فيما بلغ عدد اجمالي معاملات الزواج والطلاق الرسمية للمقيمين بصورة غير قانونية 13410 معاملة.
طلاق صوري
وازاء هذا الواقع المخيف، الذي يظهر أن المشكلة متفاقمة وتنذر بمزيد من التفكك الاجتماعي، أكد علماء نفس واجتماع ورجال دين أن الطلاق بعد وقوعه، لا يدمر الأسرة وحدها ولا يمس شخصين فقط هما الزوج والزوجة، بل يدمر ويمس كل أفراد الأسرة، والأبناء، انْ وجدوا، هم أول الضحايا، فضلا عن أسرتي الزوجين وقطيعة الرحم المحتملة بينهما، وما يعقب ذلك من آثار اجتماعية وقانونية تمس الأبناء سواء كانوا في حضانة الأم أو حضانة الأب، ذلك أن الانحراف السلوكي للأنجال، يبقي أمرا واردا في ظل غياب القدوة في حياتهم.
وشددوا على أن المجتمع الكويتي يتسم بأنه مجتمع صغير يميزه الترابط الذي أصبح مهددا بالتفكك بسبب الطلاق وما يستتبعه من آثار قد ترسخ عند بعض الأبناء فكرة عدم احترام مفهوم الزواج عندما ينظرون إليه بعين والديهما وبتجربتهما مما يؤدي لتكرار المأساة.
كما لفتوا الى أن بعض حالات الطلاق في المجتمع تكون «صورية» بين الزوجين اللذين يتجهان للزواج عرفيا، من أجل الحصول على القرض الاسكاني وغيره من المزايا والخدمات التي تقدمها الدولة للمطلقات، أكدوا أنها من أبرز حالات الغش الذي حرمته الشريعة الاسلامية والأديان كافة، مشددين على أن الأبناء هم الأكثر تضررا من مثل هذه التصرفات، لاسيما الفتيات اللاتي يوصمن بالعار والفضيحة جراء ما فعله الوالدان، وأكدوا أن الطلاق الصوري يجعل الأبناء لصوصا في المستقبل، يستحلون أكل أموال الدولة والناس بلا وازع أو ضمير.
خطورة السنوات الأولى
وأكدوا أن أخطر السنوات على استمرارية الحياة الزوجية هي السنوات الخمس الأولى، وغالبا ما يكون للأسرة في هذه المرحلة طفل أو أكثر مما يضفي قدراً من الصعوبة على مشكلة الطلاق في السنوات الخمس الأولى لحياة الزوجين، مشددين على أهمية عدم الاقدام على الزواج قبل الانتهاء من تحقيق قدر معقول من النضج الاجتماعي والاقتصادي، والبعد عن الزواج المتسرع أو زواج المصلحة، فلابد من وجود درجة من التقارب في العمر والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والثقافي لكلا الطرفين، والتأكد من السلامة النفسية والجسمية وحسن الخلق والطباع والسمعة الطيبة والتدين لدى الطرفين، والسماح للخطيب برؤية خطيبته قبل الزواج والتعرف عليها بشكل أفضل ودون خلل بالقيم لما فيه من أثر في تقوية رابطة الزواج ودوامها فيما بعد.
وبينوا أن على الزوجين مراعاة الكثير من الضوابط لكي تستمر الحياة مشتركة بينهما وسط جو من الهدوء والانسجام والود، ومن ذلك أن يعمدا الى حل المشكلات والمنازعات بينهما بالود والتفاهم والحوار والبعد عن العنف والقسوة، وتحديد الأدوار والمسؤوليات والتعاون المشترك بين الزوجين للحفاظ على رابطة الزواج، وعدم التلويح بالطلاق كحل للمشكلات الأسرية عندما تتعقد، واللجوء لأهل الخير طلباً للاصلاح والمصالحة، والتقارب والتفاهم في كل ما يتعلق بأمور الحياة الزوجية والاحترام المتبادل بين الزوجين، والقضاء على الملل والروتين في الحياة الزوجية وجعلها حياة تبعث الرضا والارتياح، أن لا يسمح كل من الزوجين بتدخل أحد في حياتهما سواء من الأهل أو الأصدقاء أو الأقارب، ولتفادي الخلافات الزوجية حول الأمور المالية، أكدوا ضرورة أن يتفق الزوجان على أمورهما المالية والميزانية المتعلقة بالأسرة ووسائل الإنفاق وعلى كيفية الإدخار وحماية الأسرة من الوقوع في الديون والأقساط.
تفعيل الدور التربوي في المدارس
ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الكويتي كانت حذرت منها دراسة أعدتها الباحثة في قطاع التخطيط واستشراف المستقبل في وزارة التخطيط «عذاري البريدي»، في عام 2007، بعنوان «قضية الطلاق في المجتمع الكويتي .. رصد وتحليل» ودعت الى تفعيل الدور التربوي للمعلمين والمعلمات في مختلف المراحل الدراسية لتوضيح أهمية الحياة الزوجية وقدسيتها.
وطالبت الباحثة بالتركيز في المناهج الدراسية على الحقوق والواجبات الزوجية, وتكثيف البرامج الاعلامية لاسيما في التلفزيون لنشر الوعي بين الأسرة وابتكار أنشطة تهدف الى المحافظة على الأسرة، مشددة على ضرورة تبني جهات رسمية في المجتمع فكرة تنظيم دورات أو برامج ارشادية خاصة بالحياة الزوجية، وزيادة أعداد مكاتب اصلاح ذات البين في مختلف مناطق الكويت.
وأعادت الباحثة أسباب الطلاق إلى عشرة أسباب هي عدم التقبل وانعدام المودة، وضعف الحوار، وتغير السلوك، والتساهل في الطلاق، وتدخل أهل الزوجة، والعنف، والعناد، وسرعة الغضب، وعدم الطاعة.
وأشارت الى أن الزوج والزوجة قد اتفقا على الترتيب الآتي في مقدمة الأسباب المؤدية الى الخلافات الزوجية التي يمكن أن تؤدي الى الطلاق: «انعدام القبول والمودة، ضعف الحوار، تغيير في السلوك والتصرفات» وهي تعتبر أسباب نفسية شخصية لكل من الزوج والزوجة، مشيرة الى أن ارتفاع معدلات الطلاق في الفترة الراهنة من تاريخ المجتمعات الحديثة، ليس مؤشرا على استقرار الحياة الزوجية في الماضي أو خلوها من المشاكل الأسرية، وإنما اختلاف الظروف الاجتماعية قديما عن ظروف العصر الحاضر بما تمنحه من أجواء الحرية الشخصية في اتخاذ القرار، وانتشار التعليم والاستقلالية الاقتصادية بالنسبة للمرأة، وكذلك التسهيلات التي طرأت على قوانين الأحوال الشخصية في غالبية المجتمعات الانسانية، إضافة الى التغير الشامل في نمط الحياة المعيشية التي تؤثر بشكل واضح ومباشر في شكل الأسرة ووظائفها وعلاقات أفرادها بعضهم البعض.
أبرز أسباب تزايد الطلاق
قانونيون وباحثون اجتماعيون أكدوا أن الزواج المبكر من أبرز أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد، حيث يدعو بعضهم الشباب للزواج مبكرا لتفادي الفاحشة، لكن معظم حالات الزواج المبكر تنتهي بالطلاق المبكر بسبب عدم التفاهم بين الطرفين والضغوط الاقتصادية على الزوج حيث تزداد المطالب والالتزامات الزوجية، وقد لا يتحمل الزوج كل هذه الضغوط وينتهي الأمر بالطلاق.
وأضافوا أن من بين الأسباب ضعف التوعية المجتمعية للزوجين قبل الزواج، فالأهل في معظم الحالات حبا بولدهم أو ابنتهم يزوجونهما ويجعلون الأبناء يعتمدون على أهاليهم بعد الزواج، فالزوج لا يشعر بالمسؤولية تجاه زوجته فمادام الأهل يشترون لشبابهم السيارة وكل مستلزمات الترفيه، فلماذا لا يقدمون له زوجة هم يقترحونها له وبدون أن يكون الشاب مهيأ للزواج؟.
ولفتوا الى أن من ضمن أسباب تزايد حالات الطلاق في المجتمع الكويتي، عدم معرفة قيمة الزواج وعدم الاستعداد له، حيث يجب أن يقدم عليه الشخص وهو مستعد من جميع النواحي، فلا يقتصر الزواج على الناحية المادية والعمرية، بل هناك نواح أهم وأجدي لابد أن تراعى لأنها تطفو على السطح بعد الزواج وتؤدي إلى الطلاق، مشيرين إلى أن عدم الانسجام بين الزوجين سبب رئيسي للطلاق، وعدم الانسجام قد يكون مرده لأسباب عدة منها عدم تحمل الزوج لمسؤولياته أو عدم تقدير الزوجة لواجباتها، وهذا سبب كاف لأن تنشأ بسببه عشرات الأسباب المؤدية للطلاق، ولا يمكن تحديد سبب بعينه أنه هو الأكثر انتشارا.
التكافؤ وتحمل الأعباء
أكد علماء نفس واجتماع ورجال دين على المؤسسات الحكومية والوزارات مثل وزارة الأوقاف ووزارة الاعلام الدور الأكبر في توعية طرفي العلاقة الزوج والزوجة وأسرتيهما وحضهم على أهمية تقديس الحياة الزوجية، وأن الطلاق يجر مشكلات وخطرا حقيقيا على المجتمع بشكل عام وعلى الفرد بشكل خاص، داعين إلى غرس قيم تحمل المسؤولية والمشاركة في الحياة بين الزوجين والتسامح واللجوء إلى الحكماء من رجال الدين والمتخصصين في حل المشكلات الزوجية بدلا من اللجوء إلى عديمي الخبرة في هذا النوع من المشاكل كالأصحاب والأقران والزملاء، الذين قد يقدمون نصيحة أو استشارة خطأ تؤدي في النهاية الى الانفصال وإنهاء حياة انسانية حضنا الدين والشرع على احترامها وتقديسها.
وأشاروا الى أن معظم الدراسات تؤكد أن سبب الطلاق في الكويت يعود الى التطور في المجتمع نتيجة الانفتاح على الثقافات الأجنبية وكذلك اللجوء الى الزواج في سن مبكرة دون تحمل مسؤولية قيام أسرة، مطالبين بأن تكون هناك مناهج ارشادية للمقبلين على الزواج، ومشددين على ضرورة الابتعاد عن زواج المصلحة.
ودعوا الأسر إلى إعداد الابن أو الابنة لمرحلة الزواج وغرس قيم معينة بداخلهم مثل تحمل المسؤولية والأعباء المترتبة عن الزواج، كما أوضحوا أهمية أن يكون الزواج متكافئا اجتماعيا وسنيا بين الطرفين، فالزواج المبكر للشاب والشابة من الأمور الخطأ حيث لم يكتمل نضج الاثنين، مما يجعلهما عرضة للطلاق عند حدوث أي موقف بين الطرفين.
السياسة الكويتية