عندما سأل الصحفي المصري المبعد من الإمارات، ضابط الجوازات عن سبب إبعاده المفاجئ من البلاد، وضياع سنة دراسية علي أبنائه المقيدين في مراحل التعليم المختلفة، أجابه الضابط بكل جدية «بإمكانك تقديم طلب استرحام لوزير الداخلية للنظر في أمرك ومد إقامتك بالبلاد لنهاية العام الدراسي»، فأعاد الصحافي السؤال للضابط: «وهل يستطيع وزير الداخلية إصدار قرار يخالف القانون؟».
رد الضابط : «وزير الداخلية؟ .. بل ضابط في أمن الدولة يمكنه فعل أي شيء».
هكذا باتت العلاقة بين الوافد والمواطن في دول مجلس التعاون، الوافدون بلا حقوق، والمواطنون أو المسؤولون هم فقط أصحاب الحقوق في ظل غياب تام لمنظمات حقوق الإنسان، وقصة الصحافي المصري المبعد فجأة من الإمارات تكررت مع الآلاف، وتضاعف أعداد المبعدين عقب الإنقلاب علي أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة المصريين في 25 يناير، فبلاغ بسيط من مخبر أو متعاون مع الأمن كفيل بترحيل مهندس أو طبيب أو حتى أستاذ جامعي أو اعتقاله ومحاكمته سرا والحكم عليه بالمؤبد.
ففي فبراير/شباط 2013، وبينما كان المهندس الشاب «ناجح حامد» يستعد لمغادرة مكتبة بعد يوم عمل شاق فوجئ بمجموعة أمنية تخطفه من أمام العقار الذي يوجد به مكتبه، وقبل أن يصرخ الشاب ظنا منه أن عصابة اختطفته، قال له أحد أفراد الحملة «إصعد إلي السيارة بهدوء، وإلا قتلتك» بعد ساعتين وجد «ناجح» نفسه ملقي علي أرض زنزانة رطبة بملابسه الداخلية فقط، وفي الصباح خضع المسكين لاستجواب طويل امتد لأيام واجه خلالها أهوال التعذيب حتى كادت روحه تصعد لبارئها، وبعدها بأيام أخبره الضابط أن خطأ ما قد حدث حيث تشابه إسمه مع مطلوب أفغاني يهدد سلامة البلاد.
وبينما كانت سياط الجلاد الشقيق تمزق لحم المهندس المصري الشاب تذكر أنه علق يوما علي «تويتة» لـ «ضاحي خلفان» لم تعجب «الأشقاء» فكان جزاؤه الاعتقال لأسابيع قبل أن يتم ترحيله إلي القاهرة دون أن يتمكن من بيع أثاث بيته أو حتى وداع زملاء العمل.
وقصة «ناجح» تكررت كثيرا خلال شهور عام 2014 والتهمة «التعاطف مع الإخوان»، بل أن بعض الكفلاء من ضعاف النفوس استخدموا الحيلة لترحيل مكفولين لديهم هربا من دفع مستحقاتهم .
أما العامل المصري الجنوبي «أحمد» فقد سجن وكاد يدفع حياته ثمنا لوشاية من الكفيل الفلسطينى الذي اتهمه بالانتماء لتنظيم إرهابي يهدد سلامة البلاد فما كان من المسكين سوى التنازل عن دعوي أقامها ضد الكفيل بعد أن فقد أحد أصابعه أثناء العمل، وحكمت له محكمة أول درجة بتعويض مالي يبلغ 250 ألف درهم بعد أن بات معاقا حيث أثبتت التقارير الطبية التي حصل عليها من مستشفيات حكومية تهتك أوتار اليد اليمني، ما يعني إصابتها بشلل شبه تام.
لكن قصة مدرس التاريخ «أحمد عبده» الذي قضي 27 عاما في تعليم طلاب الإمارات تاريخ المنطقة، جديرة بالتسجيل في كتاب ظلم ذوى القربي، فقد استدعاه مدير المدرسة من الحصة الثانية وبينما كان «الأستاذ» يشرح لطلابه الذي أحبوه نتيجة إخلاصة، أخبره المدير بأن الوزارة أنهت عقده وعليه مغادرة البلاد خلال 3 أيام من تاريخه، ولأن الاستاذ «أحمد» لم يتوقع هذا المشهد يوما فقد انسحب الرجل دون أن يعقب، وفي الصباح أبلغت زوجة أحمد زملاءه بأن الأستاذ أصيب بجلطة، وعاد الرجل محمولا علي كرسي متحرك إلي وطنه بعد 27 عاما قضاها في خدمة «الأشقاء».
98% من المبعدين عرب وغالبيتهم مصريون
يقول ضابط كبير بشرطة الشارقة أن 98% ممن تم إبعادهم عن البلاد خلال العامين الماضيين من العرب، نسبة كبيرة منهم من المصريين الذين ثبت انتماءهم أو تعاطفهم مع جماعة «الإخوان المسلمين»، وتجلى ذلك بوضوح من نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس «محمد مرسي» وجماعة «الإخوان» في خمس استحقاقات نيابية ودستورية من أبناء الجالية المصرية في الإمارات، وهناك مبعدين من سوريا والعراق ولبنان السودان، ويضيف أن الإبعاد إجراء قانوني حيث ينهي العلاقة بين الكفيل والمكفول ومن حق الدولة إبعاد أي شخص غير مرغوب فيه، ولكن تحرص الدولة علي أن يحصل المبعد علي كامل حقوقه من الكفيل سواء كان مؤسسة خاصة أو حكومية طالما لم يصدر حكم قضائي بحرمان المبعد من حقوقه المتمثلة في مكافاة نهاية الخدمة وبدل الإجازات وغيرها من الحقوق التي ينص عليها العقد المبرم مع الكفيل.
ويضيف الضابط أن هناك تعليمات بسرعة إنهاء إجراءات إبعاد الوافد المخالف حيث تصدر الأوامر للكفيل بسرعة إنهاء علاقة المبعد بالمؤسسة، وإعطاءه كامل حقوقه وتذكرة السفر إذا كان العقد ينص علي منح المكفول تذكرة سفر إلي بلاده في نهاية الخدمة، ويعترف الضابط بوجود حالات إبعاد إنتقامية يبلغ عنها الكفيل ضد المكفول لكنها قليلة مقارنة بدول أخري لا تحفظ قوانينها للوافد نفس الحقوق التي يمنحها القانون الإماراتي.
ويري المواطن «حمد .ن» أن الأجواء في الإمارات الآن ليست كما كانت عليه في السابق بسبب الخوف من امتداد الثورة إلي منطقة الخليج، فـ«علي مدي 40 عاما عشناها مع وافدين عرب وأسيويين وأوربيين ومن كل دول العالم كان هناك تناغم حيث يحظي المقيمون بمعاملة حسنة هي الأفضل بين دول مجلس التعاون، ويحظي المواطنون باحترام كبير وخصوصا من إخواننا العرب فنحن أبناء دين واحد وقبلة واحدة وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا»، ويضيف «هناك الآن حالة من التوجس من جانب الأمن الذي يصنع المشاكل ولا يساهم في حلها، فقد عمل لدي خلال السنوات الماضية أخوة من مصر والسودان وسوريا ولم يحدث يوما أن شكاني أى منهم ولم أتقدم بشكوي ضد شقيق منهم».
الخليج الجديد