غالبا ما تلفت المملكة العربية السعودية الأنظار بسبب ثرائها ونموها الاقتصادي، فهي تعد من أثرى الدول في العالم، وأكثرها قوة في مجال الطاقة، ولا سيما النفط، لكن ثمة جوانب سوداء في المملكة، يحرص حكامها على إخفائها، تتعلق بوضع حقوق الإنسان في المملكة. فما زالت السعودية دولة محافظة للغاية، متمسكة بالعقيدة السلفية، مما يولّد عدم مساواة النساء، واضطهاد النشطاء السياسيين ضد العائلة الملكية، والإبقاء على أحكام لا تليق بالعصر الراهن. فما هي “النقاط السوداء” في السعودية؟
ربما أبرز مجال لتخلف المملكة عن سائر الدول التي تعنى بحقوق المرأة، هو وضع المرأة السعودية. فالمرأة السعودية بحاجة إلى ولي أمر منذ الولادة بموجب القانون السعودي، فيكون الأب ولي أمرها ومن ثم تنتقل الولاية إلى الزوج، وفي حال أصبحت أرملة يصبح ابنها ولي أمرها، وهذا يعني أنها بحاجة إلى موافقة ولي أمرها لكي تدير شؤونها في المملكة، وكذلك لكي تسافر إلى خارج البلاد.
وشأن آخر أثار اهتماما عالميا هو أن المرأة السعودية ممنوعة من قيادة السيارة (ومنذ فترة وجيزة منعت من التصويت كذلك)، لكن هذا الشأن الأول شغل الإعلام الأجنبي لأن نساء سعوديات كثيرات دشّن حملات نضالية من أجل مساواة حقوقهن بالرجل، وآخر قتال في هذا المجال كان الحملة النسائية التي تمرّدت على قوانين القيادة الخاصة بالمرأة، فقد خرج بعض النساء للقيادة في المملكة رغم أنف الحكومة، إلا أن الوضع ما زال على ما هو.
وقد يتفاجأ من يظن أن وضع المرأة السعودية يختلف فيما إذا كانت امرأة عادية أو أميرة، فقد تداول الإعلام، قبل عام، قصة الأميرات الأسيرات في قصر المملكة في جدة. وتحدثت المواقع يومها عن أن 4 من بنات الملك عبد الله بن عبد العزيز، من زواج سابق له، محتجزات في القصر، خلافًا لرغبتهن. وألقت هذه القصة ضوءا جديدا على حياة الأميرات في المملكة وخاصة أنهن يعشن حياة رفاهية لكن في أسر محكم.
ملاحقة النشطاء ضد العائلة الحاكمة
تلاحق المملكة السعودية نشطاء حقوق الإنسان المستقلين بدون هوادة، حيث يقوم جهاز القضاء بإصدار قوانين غير عادلة بحق هؤلاء. وتلاحق السلطات النشطاء الذين ينتقدون الحكم في المملكة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر الإعلام غير الرسمي. ويتمتع الجهاز القضائي السعودي بحرية تامة لمحاكمة النشطاء المناوئين للتمييز والاضطهاد في المملكة، تحت مسوغات قانونية جديدة لم يسمع عنها السعوديون من قبل.
وأجد مثال على هذا الوضع، هو قصة الصحفي رائف بدوي، الذي شغّل موقع “الليبراليون السعوديون”، وكتب فيه بحرية مقالات حول الإسلام، لم تعجب الحكومة السعودية. وقد اعتُقل بدوي واتُهم بالكفر لأنه “ازدرى الإسلام في موقعه على الشبكة”، وفي شهر تموز 2013 صدر العقاب: 7 سنوات سجن و 600 جلدة.
واستئنافه للقضاء السعودي أدى إلى تصعيد عقوبته، وقررت أن عقابه سيكون 10 سنوات في السجن وألف جلدة، وإغلاق موقعه على الإنترنت.
أحكام الإعدام وقضاء متخلف
يتم إعدام مئات الأشخاص في السعودية سنويا حسبما يفيد الإعلام الأجنبي، إذ من الصعب معرفة الأرقام الدقيقة لأن الكثير من هذه الأحكام تنفذ سرا خشية من أن تلفت أنظار الغرب لما يجري في السعودية من الناحية القانونية. وتقول مصادر إعلامية إن أرقام الأشخاص المعدمين تصل إلى الآلاف في حال جمعت الأرقام من جميع محافظات السعودية.
ويقول مطّلعون على الشأن السعودي أن القضاء السعودي الخاضع للأحكام الشرعية السلفية يقوم على التمييز والإقصاء. ويصف هؤلاء الجهاز القضائي السعودي بأنه جهاز متخلف ويقوم على التمييز. فيجب على القضاة السعوديين أن يتبنوا التفسير السلفي للقرآن، المعتمد من الحكومة. ويضيفون أن القضاء السعودي فقد اتصاله بالعصر، فهو يميّز السود (عبيد)، والنساء (نصف إنسان) وأقليات إسلامية غير سنية (كفار).
فقر وإهمال الجنوب
يعاني جنوب السعودية، الذي يحوي 27 بالمئة من سكان السعودية، من تفرقة عميقة، فمنذ تأسيس المملكة السعودية عام 1932 لم تعيّن الحكومة السعودية وزيرا واحدا من الجنوب. يجدر الذكر أن معظم سكان جنوب السعودية هم سنة يتبعون المنهج السلفي الذي تفرضه الحكومة.
كذلك، رغم الحديث عن دولة غنية بالنفط، كثيرون في المملكة يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، وتشير معطيات من سنة 2013، نشرها الإعلام الأجنبي، إلى أن نسب العاطلين عن العمل من الرجال تتجاوز ال40 بالمئة، ومن النساء تتجاوز ال80 بالمئة.
يجدر الذكر ان دول الغرب تصرف النظر عن حال حقوق الإنسان في المملكة. فمثال صارخ على هذا التعامل هو استمرار المملكة تنفيذ حكم الإعدام والتمييز الراسخ ضد النساء، بينما تلتزم الدول الغربية الصمت إزاء هذا مقابل تواصل العلاقات الاقتصادية. وقد عبّر عن هذا التصرف المزدوج مسؤولون أمريكيون كبار اعترفوا بأن المصالح الاقتصادية تغلب قيم الدفاع عن حقوق الإنسان حين يدور الحديث عن السعودية.
“المصدر”