قال التلفزيون الألماني دوتشيه فيله أن الحالة الحرجة لصحة الملك السعودي تجعل المملكة تدخل في مرحلة جديدة قد تغير هرم السلطة، وهذا قد يضع السلطة القادمة تحت ضغوط القيام بالإصلاحات.
نص التقرير
نظرا لتدهور الحالة الصحية للعاهل السعودي الملك عبد الله، هناك توقعات بدخول وشيك للسعودية إلى مرحلة جديدة قد تغير هرم السلطة، حيث سيكون خلف الملك عبد الله ملزما بالتعامل بذكاء حاد مع مختلف المواضيع.
في الجلسة التي عقدتها الحكومة يوم الاثنين الماضي (الخامس من يناير)، بادر ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى طمأنة المشاركين على صحة العاهل السعودي الملك عبد الله الذي أدخل إلى المستشفى الأسبوع الماضي بسبب التهاب رئوي، حسب ما ذكر الديوان السعودي. الحالة الصحية للملك الذي يبلغ التسعين من العمر مستقرة، كما يذكر رسميا، وقد يعني ذلك أنه سيبقى على هرم السلطة سواء شكليا أم فعليا. ولا يعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع في الوقت الذي تواجه فيه السعودية تحديات هائلة على المستويين الخارجي والداخلي.
بسبب التقهقر غير المسبوق لأسعار النفط، تراجعت مداخيل الدولة، ورغم ذلك فإن الرياض رفضت خفض حجم الإنفاق، وأعلنت في خطوة، أطاحت بجميع التوقعات، عن أكبر موازنة في تاريخها لعام 2015 بلغت 230 مليار دولار أمريكي، مقابل مستوى عجز يقُدر بنحو 39 مليار دولار. غير أن هذا العجز القياسي يبقى دون تأثيرات قوية على الاقتصاد السعودي بحكم مخزون النفط الهائل الذي تتوفر عليه البلاد.
خطوات استباقية
وفقا للمسؤولين السعوديين، فإن القسم الأكبر من الموازنة سيخصص للإنفاق الاجتماعي. فمنذ اندلاع ما يسمى بأحداث الربيع العربي عام 2011، عمدت الرياض إلى تخصيص مبالغ ضخمة لتمويل مشاريع مساعدة العاطلين عن العمل والمحتاجين، أملا في إخماد فتيلة احتجاجات شعبية محتملة. كما تمّ رفع أجور نحو مليوني موظف يعمل في الحكومة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبهذه المشاريع الضخمة تسعى السعودية إلى “شراء” استقرارها الداخلي. وبالفعل هناك عدد قليل من المواطنين الذين قد يدفعهم العوز الاقتصادي للخروج إلى الشارع.
منذ عام 2011 تمّ إحداث 60 ألف وظيفة في القطاع الأمني، ما يعني وجود حسابات قائمة حول إمكانية حدوث اعتداءات أو اضطرابات في البلاد وتحسبا لأي عمل إرهابي قد تكون الجماعات السنية المتطرفة خلفه. وترى هذه الجماعات أن عائلة آل سعود الحاكمة التي تتعاون يدا في يد مع الأمريكيين، اقتصاديا وعسكريا، قد ابتعدت عن مبادئ الإسلام، وهي الذريعة التي تقدمها هذه الجماعات في موقفها المناهض للنظام السعودي. وتزامنا مع الإعلان عن تحسن حالة الملك عبد الله، هاجم مقاتلون من تنظيم “الدولة الإسلامية” حرس الحدود على الحدود العراقية، وقتلوا ثلاثة منهم. وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الموافق لذكرى عاشوراء، قتل سبعة أشخاص من الشيعة وأصيب 12 آخرون في منطقة الدالوة بمحافظة الإحساء على يد سنة متطرفين. وأعربت الحكومة عن إدانتها الشديدة لهذا الاعتداء، وكان موقفا واضحا شديد اللهجة، وحذرت فيه من “إثارة نعرات طائفية”.
قبل أسبوعين من ذلك كانت محكمة سعودية قد أصدرت قرارا بإعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بعد إدانته بتهم “إشعال الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر وحمل السلاح في وجه رجال الأمن”، كما جاء في بيان نشرته عائلة النمر عقب النطق بالحكم. وقد قوبل الحكم بإدانة دولية، كما ازدادت المخاوف من تفشي الصراع بين السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية.
الصراع الإقليمي
وعلى المستوى الإقليمي، تواجه الرياض منافسة قوية على الزعامة من قبل طهران. وقد عززت إيران دورها الإقليمي في السنوات الأخيرة، خاصة وأنها دخلت في علاقات حوار مع الولايات المتحدة، حتى وإن لم ترق العلاقات الثنائية إلى مستوى التعاون الرسمي بعد. للولايات المتحدة وطهران هدف مشترك، وهو دحر تنظيم “الدولة الإسلامية”، غير أن الخلاف الجوهري يكمن في التعامل مع بشار الأسد في سوريا. فالرياض تعمل على إسقاطه منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، فيما تقوم إيران بدعم حليفها هناك بشكل مطلق. من جهة أخرى تقيم طهران علاقات قوية مع الحكومة العراقية وصناع القرار في بغداد، ولذلك فباستطاعتها لعب دور جوهري في الحرب على “الدولة الإسلامية” سواء في العراق أو سوريا.
وفي الوقت الذي تم فيه توجيه اتهامات للسعودية بدعم الحركات السنية المتشددة أو على الأقل بدعم الإرهاب إيديولوجيا، بقيت طهران الشيعية بعيدة عن مثل تلك الاتهامات، حتى وإن كانت تدعم “حزب الله” اللبناني الذي وضعه الاتحاد الأوروبي على قائمة الجماعات الإرهابية، والذي يحارب اليوم في صفوف بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة. وعلى عكس تنظيم “الدولة الإسلامية”، فلا يشكل “حزب الله” خطرا مباشرا على أمن الدول الغربية، كما يراهن الغرب أيضا على أن تؤثر طهران على “حزب الله”، وهو ما يصب في مصلحة الغرب أيضا.
شركاء الماضي وأولويات الحاضر
وهكذا غيّر الغرب من ترتيب أولوياته، فلم يعد بشار الأسد في قائمة التهديدات، بل الجهاديون في تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد كان لبشار الأسد دور في ظهور هذا التنظيم، حين فتح أبواب السجون أمام الجهاديين في بداية الثورة السورية. وكانت النتيجة توحيد قدراتهم المتطرفة تحت لواء التنظيم الجديد. كما إن التأثير القوي لإيران على الجماعات الشيعية في البحرين واليمن، يزيد من تقوية دور إيران في الأسرة الدولية. كل ذلك يتم بالطبع على حساب السعودية، التي تحضى بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة مقارنة بباقي الدول العربية. فالسعودية تواجه إذن فترات عصيبة. وإذا تغير حاكمها، فقد يكون خلف الملك ملزما بإبداء عبقرية ثاقبة في إدارة البلاد وذلك على أصعدة يثرة.