في أول مقال للداعية السعودي الشيخ محمد العريفي بعد خروجه من سجن المباحث في الحائر بالرياض والصفقة التي تمت بينه وبين وزارة الداخلية، والتعهد المكتوب الذي وقعها بعدم التغريد على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” الذي بلغ عدد متابعيه 11مليونا، والتزام الصمت التام ، فلا كلام ولا حرف عن الانقلاب في مصر – تصريحا أو تلميحا- ولا عن سوريا وما يجري من نظام بشار أو ما يجري في العراق أو حتى ما يحدث جنوب المملكة من ابتلاع الحوثيين في اليمن.
الشيخ محمد العريفي أراد أن يغازل وزارة الداخلية بمقال بعد أحداث عرعر على الحدود الشمالية والعملية التي نفذها اربعة من عناصر “تنظيم الدولة الاسلامية” وأدت الى مقتل قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية واثنين من رجال الامن ومقتل المسلحين الأربعة، تحدث العريفي في مقاله عن تكفير المسلم الموحد بمجرد التخرّص والهوى والظنون الفاسدة والشبهات الكاسدة، من أعظم الظلم والبهتان، وأن التسرع في التكفـير خطره عظيم وضرره جسيم؛ لما يترتب عليه من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وأن سَفْك دماء المسلمين وهَتْك حرماتهم مِنْ أعظم المظالم في حق العباد، وفيما يلي مقال العريفي:
حول حادثة عرعر
د . محمد العريفي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فإن تكفير المسلم الموحد بمجرد التخرّص والهوى والظنون الفاسدة، والشبهات الكاسدة، من أعظم الظلم والبهتان، ولخطورة القول بكفر المسلم وما يتبعه من أحكام قال تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم مّن قبل فمنّ الله عليكم فتبيّنوا) (النساء: 94).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) متفق عليه.
وكَثُر في الكتاب والسنة النَّهي عن الفساد في الأرض وذم المفسدين، والأمر بجهادهم وإنزال أغلظ العقوبات بهم، والإخبار بأنَّ الله سبحانه لا يحب المفسدين، ولا يصلح عملَهم، وما ذلك إلاَّ لعظم جرمهم وشؤم فِتْنتهم، والفتنة بهم وإفسادهم للدّنيا والدين، وعظم تعدِّيهم وانتهاكهم لحدود الله وحرمات المسلمين، وصدهم عن الدين؛ قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهمْ لاَ تفْسِدوا فِي الْأَرْضِ قَالوا إِنَّمَا نَحْن مصْلِحونَ * أَلاَ إِنَّهمْ هم الْمفْسِدونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعرون) [ البقرة: 11 – 12].
والتسرع في التكفـير خطره عظيم، وضرره جسيم؛ لما يترتب عليه من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، وكل هذه الأعمال وأمثالها لا شك أنها محرمة شرعاً بإجماع المسلمين، لما في ذلك مِن هَتْكٍ لِحرمـة الأنفس المعصومة، والأموال، والأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنـين المطمئنـين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوّهِم ورَوَاحهم، وهَتكٍ للمصالح العامة التي لا غِنى للناس في حياتهم عنها.
وقد أمر الله بحفظ المسلمين في أموالهم وأعراضهم وأبدانهم، وحَرَّم انتهاكها، وشـدَّدَ في ذلك، وكان مِن آخر ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّــتَه فقال في خطبة حجة الـــوداع: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”، ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ألاَ هَل بَلَّغْت؟ اللهم فاشهد” متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه”، وتوعد الله سبحانه مَن قتل نفساً معصومةً بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حقّ المؤمن: “وَمَن يَقْتلْ مؤْمِناً مّتَعَمِّداً فَجَزَآؤه جَهَنَّـم خَالِــداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَلَعَـنَه وَأَعدَّ لَه عَذَاباً عَظِيماً” [ النساء: 93]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصِبْ دماً حراماً) رواه البخاري.
ومن عظم شأن الدماء وحرمتها أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها أول ما يقضَى يوم القيامة بين العباد قال رسول صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسَب به العبد الصلاة، وأول ما يقضَى بينَ الناسِ الدماء) وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة، وكل الذنوب يرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك، ومظالم العباد، ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد، فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ليس من عبد يلقَى اللهَ لا يشرك به شيئاً، ولم يتند بدم حرام إلاّ دخل من أي أبواب الجنة شاء) قوله: ولم يتند: أي لم يصب منه شيئاً أو لم ينل منه شيئاً، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أبغض الناس إلى الله ثلاث: ملْحِدٌ في الحَرَم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه). وعن جندب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (من سَمّعَ سَمّعَ الله به يوم القيامة، قال: ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة، فقالوا: أوصنا. فقال: إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاعَ أنْ لا يأكل إلاّ طيباً فليفعل، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة ملء كف منْ دم أهراقه فليفعل) رواه البخاري، وعن عبادة بن الصامت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).
هذه النصوص كلّها تجعلنا نعي كامل الوعي خطورة ما نراه يقع بين الفينة والأخرى، من جرأة على سفك الدماء، فلا تزال في الذهن حوادث فجعت بها المملكة، كان من آخرها الحادث الآثم الذي وقع في جديدة عرعر، وهو بلا شك أمر يدعونا لرصّ الصّف والانتباه والتحذير من هذا الفكر الضالّ، أسال الله أن يحفظنا ويحفظ أمننا من كلّ سوء.
د.محمد بن عبد الرحمن العريفي
15/ 3/ 1436هـ الموافق 6/ 1/ 2015م