كشف تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت” أن مئات الكنائس قد أُغلقت أو مهددة بسبب خلوها من العضوية، مما يطرح سؤال ملحا: ماذا تفعل بمبانٍ غير مستخدمة؟
في مدينة أرنهام بهولندا، تحدث الكاتب عن كنيسة “سينت جوزيف” القديمة الفخمة التي تسع لألف مصلٍ، والتي هي بحاجة ماسة للإصلاح، حُولت قاعتها العامة المهجورة إلى ساحة لألعاب لوح التزلج.
هي واحدة من مئات الكنائس، أُغلقت أو أصبحت مهجورة، وهذا يثير إشكالية بالنسبة للمجتمعات وحتى الحكومات المحلية في جميع أنحاء أوروبا الغربية: ماذا تفعل بمبانٍ كانت مقدسة وأصبحت اليوم فارغة من ريف بريطانيا إلى الدنمارك؟
ويقول التقرير إن قاعة التزلج قد لا تدوم طويلا، فالكنيسة التي كانت فاخرة يوما ما، تبدو اليوم هرمة متضررة من تسرب المياه، وتحتاج إلى ترميم بشكل سريع، فيما ترسل بلدية المدينة فواتير الضرائب للمتزلجين، وتحاول الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي تملك البناية، بيعها بسعر لا يستطيع المتزلجون دفعه.
وتتكرر معاناة هذه الكنيسة، التي تحولت إلى قاعة للتزلج، في جميع أنحاء أوروبا، التي رعت المسيحية لمدة طويلة، لتصبح علمانية وبلا هوادة.
ويرى الكاتب أن إغلاق الكنائس يعكس الضعف السريع للدين في أوروبا، وهي ظاهرة مؤلمة لكل من المتدينين ومن يرون في الدين عامل توحيد عامل في مجتمع غير متجانس.
وتنقل الصحيفة عن الناشطة، “ليليان غروستواغرز”، التي كافحت من أجل إنقاذ الكنيسة في مدينتها الهولندية، قولها: “في هذه البلدات الصغيرة، هناك مقهى وكنيسة وعدد من البيوت، إن تخلينا عن الكنيسة فسيكون هناك تحول كبير في بلادنا”.
في حين، كما كتبت الصحيفة، فإن اتجاهات الأديان الأخرى في أوروبا لا تتطابق مع تلك التي آلت إليها المسيحية. فاليهودية الأرثوذكسية، وهي السائدة في أوروبا، حافظت على وضعها نسبيا، هذا في الوقت الذي نما فيه الإسلام في ظل تزايد الهجرة من الدول الإسلامية في أفريقيا والشرق الأوسط.
وقد ارتفع عدد المسلمين في أوروبا من نحو 4.1٪ من إجمالي عدد سكان أوروبا في عام 1990 إلى حوالي 6٪ في عام 2010، ومن المتوقع أن يصل إلى 8٪ أو 58 مليون شخص بحلول عام 2030، استنادا لمركز بيو للأبحاث في واشنطن.
بالنسبة للمسيحيين، يقول الكاتب، فإن إغلاق الكنيسة هو حدث محزن بالنسبة للسكان، حتى لدى بعض العلمانيين منهم، فهم يستاءون عندما يُهدم أحد معالم مدينتهم أو يهجر.
وعندما تُغلق، كما يقول الكاتب، فإنه غالبا ما ترغب البلدات في إعادة إحياء الشعور بالتلاحم المجتمعي بمحاولة استخدام هذه المباني لأنشطة اجتماعية. ولكن عادة ما تكون هذه الكنائس قديمة ويكلف ترميمها والحفاظ عليها أموالا باهظة، والحاجة محدودة للمكتبات أو قاعات الحفلات الموسيقية في المدينة، لذلك تؤول هذه المساحات والمباني، في نهاية المطاف، إلى المشاريع التجارية.
ويكشف التقرير أن 20 كنيسة تُغلق سنويا في انجلترا، تقريبا، وتعتبر 200 كنيسة تقريبا في الدنمارك غير قابلة للحياة أو غير مستغلة. فيما أغلقت الكاثوليكية في ألمانيا نحو 515 كنيسة في العقد الماضي.
ويبدو أن هذا الاتجاه في هولندا أكثر تقدما، حيث يقدر قادة الروم الكاثوليك في البلاد أن ثلثي كنائسها البالغ عددها 1600 ستكون خارج الخدمة خلال عقد من الزمان، ومن المتوقع إغلاق 700 من كنائس البروتستانتية في هولندا خلال السنوات الأربع القادمة..
وفي هذا السياق، ينقل الكاتب عن الناشطة “ليليان غروستواغرز”، قولها: “العدد ضخم جدا..الجميع سيكون في مواجهة المباني الفارغة الكبيرة في أحيائهم”.
ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة تفادت موجة مماثلة من إغلاق الكنيسة في الوقت الراهن، لأن المسيحيين الأمريكية لا يزالون أكثر تدينا من الأوروبيين. ولكن الباحثون في الشؤون الدينية يقولون إن تراجع أعداد الكنائس الأمريكية يشير إلى أن البلاد يمكن أن تواجه المشكلة نفسها في السنوات المقبلة.
والكثير من الكنائس الأوروبية كانت تمثل مركزا مؤثرا في مجتمعاتها المحلية لقرون، وغالبا ما تعلق السكان بها عاطفيا وقاوموا مقترحات تحويلها إلى محلات أو مكاتب، إلا أن السلطات المحلية تجد نفسها مضطرة لتحويل استخدامها، لعدم وجود الغطاء المالي الكافي لترميم تلك الكنائس والحفاظ عليها.
ومع مكافحة المجتمعات المحلية لإعادة تجديد كنائسها القديمة، فإن بعض الحلول بخصوص تحويل الكنائس المهجورة تبدو أقل احتراما. ففي هولندا، تحولت كنيسة سابقة إلى “سوبر ماركت” وأخرى إلى محل لبيع الزهور وثالثة لبيع الكتب والرابعة إلى قاعة للألعاب رياضية. وفي أرنهام يهولندا، تحولت يعود بناؤها إلى العام 1889، إلى متجر لبيع الملابس النسائية الفاخرة.
وفي برستول بإنجلترا، كما يضيف التقرير، تحولت كنيسة سنت بولز إلى مدرسة لتعليم السيرك، وفي أدنبرة في إسكتلندا تحولت كنيسة إلى حانة، يقول صاحبها إنه لم يستمع إلى أي شكوى بخصوص تحويل الكنيسة إلى حانة، وقال لو تركنا هذه الكنائس ولم نحوّل استخدامها لبقيت فارغة ومهملة.
كما إن العديد من الكنائس، وبخاصة الصغيرة منها، تحولت إلى منازل، حتى إنه ظهر هناك قطاع خاص في سوق العقار متخصص ببيع الكنائس.
وقد صبحت الكنائس غير المستخدمة الآن مشكلة كبيرة، حتى إنها أثارت السلطات الحكومية. ففي هولندا، وبالتنسيق مع الجماعات الدينية والمدنية، اعتمدوا “أجندة” وطنية للحفاظ على المباني. وفي المحافظة الهولندية “فريزلاند”، حيث أُغلقت أو جرى تحويل 250 كنيسة من أصل 720، شُكلت لجنة خاصة للبحث عن حلول لها.
“كل كنيسة يثير مصيرها نقاشا”، كما يقول ألبرت رينسترا، وهو خبير في الكنيسة بوكالة التراث الثقافي الهولندي، وأضاف: “عندما تكون فارغة، ماذا نفعل بها؟”، حيث لا توجد الأموال اللازمة لتحويلها إلى استخدامات موجهة للمجتمع.
وينقل الكاتب عن الأب “بول كلمنت”، ويبلغ من العمر 74 عاما، قوله “إنه لأمر محزن جدا بالنسبة لي”، بخصوص ما تعانيه الكنائس، فعندما انضم إلى الدير عام 1958، كان يؤوي 380 راهبا، واليوم لا يتعدون 39 راهبا، أصغرهم يبلغ من العمر 70 عاما.
وفي الولايات المتحدة، تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 5000 كنيسة أُنشئا في الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى 2010. غير أن بعض العلماء يتوقعون أن مستقبل أميركا خلال الثلاثين سنة القادمة سيكون مشابها لما عليه وضح أوروبا حاليا.