“علينا أن نفهم أن تنظيم الدولة بات دولة الآن”، هذا ما قاله الصحافي والسياسي الألماني يورغين تيدنهوفر الذي حصل على إذن لدخول المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أُعجب بالتنظيم وشعر بالرعب من حرص المقاتلين على الموت.
ففي الدولة يتم تجنيد الأطفال في عمر العاشرة ليكونوا جنودا فيها، وكانوا من قبل يحملون رؤوس الرهائن الغربية المقطوعة أما الآن فيحملون البنادق ويريدون أن يصبحوا شهداء. ونقل عنه كريستوفر غودوين قوله “أجد هذا مثيرا للحزن”.
وكانت رحلته إلى عرين الدولة في سوريا وشمال العراق الشهر الماضي ثمرة لسبعة أشهر من المفاوضات المعقدة التي استمرت سبعة أشهر وبدأت من خلال مراسلات على الفيسبوك.
ويرى متابعون أن رحلة “تودنهوفر” لأراضي الدولة هي جزء من مواقفه السياسية فقد كان نائبا عن يمين الوسط ومعارضا لغزو العراق وأفغانستان وكتب عددا من الكتب التي ترجمت للغة العربية وطالب فيها بمحاكمة الساسة البريطانيين والأمريكيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وفي مقابلة مع صحيفة “صنداي تايمز”، أكد الصحافي الألماني موقفه من الدولة الإسلامية، قائلا: “أنا ضد داعش وضد أيديولوجيتها ووحشيتها”. ولكنه مع ذلك يعتقد أن الغارات التي قامت بها دول التحالف الدولي بقيادة أمريكا والتي تزيد عن 1.000 غارة لم تكن بذات أثر. وتوقع مقاومة شديدة من مقاتلي التنظيم عندما تبدأ الولايات المتحدة بالتعاون مع القوات العراقية الحملة المنتظرة لاستعادة مدينة الموصل وهي أكبر مدينة خاضعة للتنظيم.
وقال: “هم راغبون في أن يرسل أوباما قوات برية”، و”حتى قوات المارينز أو القوات الخاصة لا يمكنها الصمود في حرب مدن وعصابات أمام هؤلاء المقاتلين”. وهم “يحملون أحزمة ناسفة وعندما يشعرون بالحصار يسحبون زناد الحزام ويفجرون أنفسهم ويأخذون معهم 30 جنديا، فهم مستعدون للموت وهو ما يجعلهم أقوياء”.
وأوضح “تودنهوفر” أن لم “يفهمه الغرب بشكل مناسب أن الدولة أنشأ دولة”. إذ “السيارات تحمل لوحة الدولة والشرطة يضعون شارتها على ملابسهم بل وهناك نظام خدمة اجتماعية للفقراء، فقد بنوا دولة في ستة أشهر فقط”.
وسافر تودنهوفر مع ولده، 31 عاما، حيث كان يحرسهم ليلا نهارا جهاديو ألمانيا، والذين رافقوهم أثناء تجوالهم في أراضي الدولة الإسلامية، وتحركوا بحرية بين سوريا والعراق، فقد محت الدولة الإسلامية الحدود بين العراق وسوريا.
وقضى الصحافي وابنه الليلة الأولى في شقة صغيرة في مدينة الرقة قبل سفرهما بالسيارة إلى مدينة الموصل. ورغم هروب نصف مليون من سكانها بعد سقوطها في يد تنظيم الدولة إلا أن هناك مليونا لا يزالون فيها. فقد أغلقت الدولة الكنائس ورفعت أعلامها عليها وتم فرض الزي الشرعي على النساء، وتقطع أيدي السارقين ويمنع التدخين، السجائر أو النارجيلة.
ومن بين من لقيهم “تودنهوفر” رجل سُجن بسبب خروجه مع امرأة محرمة عليه، وشاهد شاشة تبث صورا دعائية عن مقاتلي التنظيم. وحصل على انطباع أن السكان ليس لديهم علاقة مع التنظيم، وفي حالة طبقوا أوامره فإنه يتركهم لشأنهم.
ووصف الحياة في الدولة بأنها تشبه العيش في ظل نظام ديكتاتوري “وهي عادية أكثر مما توقعت”. وفي أثناء رحلاتهم في أراضي الدولة وتنقلهم بين الموصل والرقة ودير الزور كان سائق السيارة يخرج رأسه من النافذة ليرى إن كانت هناك طائرة من دون طيار تحوم فوقهم. ولم يسافرا في قوافل ولكن بشاحنة تفصل سيارتهم عن سيارة المقاتلين.
وعندما عادا إلى الرقة وجدا أن الشقة التي نزلا فيها أول وصولهما قد دمرت بسبب غارات النظام السوري ومع ذلك أقاما فيها رغم تحطم النوافذ والأبواب. وبسبب تعرضهم اليومي للغارات، يتوزع المقاتلون في الموصل على شقق في كل أنحاء المدينة بشكل يعقد مهمة استهدافهم.
وسمح للألماني وابنه بالتحرك بحرية في الموصل، ولكنَ المقاتلين صادروا الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر في اللحظة التي دخلا فيها أراضي الدولة.
ورافقهما الجهاديون الألمان إلى كل مكان. وكانوا ينامون معهم في نفس الغرفة. وكان “تودنهوفر” يعرف أن من تحدث إليهم لم يقولوا الحقيقة، لأن التنظيم كان يراقب الأحاديث: “لقد تم التحكم بنا وفرضت علينا الرقابة”، ومن ثم “فحصوا الصور التي التقطها ابني وحذفوا منها تسع صور لأسباب أمنية ولأنها قد تؤثر على عائلات الجهاديين”.
وبعد تحدثه مع عدد كبير من المقاتلين، جاء عدد منهم من الدول الغربية قال “تودنهوفر” إن ما أدهشه بل أخافه هو حماس المقاتلين “لم أر شيئا مثل هذا من قبل”، “لقد قابلت طالبان والقاعدة والتقيت المجاهدين في أفغانستان عندما كانوا يقاتلون الاتحاد السوفييتي السابق ولكنني لم أشاهد حماسا مثل هذا”.
ومقارنة مع هؤلاء”تبدو القاعدة كرصاص فارغ”. واستمر في شهادته: “لديهم إيمان قوي بأنهم جزء من حركة تاريخية دينية، وهذا الاعتقاد يجعلهم أقوياء، ويعتقدون أنهم جزء من حركة تطهير ديني يقتل فيها مئات الملايين من الناس”.
وقضي “تودنهوفر” اليومين الأخيرين من رحلته في مركز للتسجيل قرب الحدود التركية. ولاحظ وصول 50 متطوعا كل يوم معظمهم قادمون من أوروبا والبعض من أمريكا.
وزعم أن من بينهم مقاتل بريطاني شاب هو ابن مصرفي بريطاني ثري. مشيرا إلى أن “هؤلاء ليسوا من الفاشلين”، بل ممن “أكملوا امتحاناتهم في مجال القانون ولكنهم فضلوا الموت في الدولة الإسلامية بدلا من العمل كمحامين”. والتقى الصحافي مقاتلا أشقر ضخم الجثة جاء من السويد أخبره أنه “يقضى أجمل أيامه في الموصل”.
ولكن علاقة “تودنهوفر” مع الرجال الذين يرافقونه أصبحت صعبة بعد أن واجههم وانتقد أيديولوجيتهم القاسية “أردت نقاش القتل والتطهير الديني، وسألتهم إن كانوا يعتقدون أن ما يفعلونه هو إرادة الله، ولكنهم لم يرتاحوا لما قلت، وحدث خلاف كبير بينا وفي نهاية الرحلة توقفوا عن تناول الطعام معنا”.
ويعتقد “تودنهوفر” أن السنة المعتدلين هم الأقدر على هزيمة الدولة الإسلامية واعتبر الحملة الجوية ضدها خطأ “قنابلنا لا تؤثر، فهم برنامج يفرخ الإرهاب، وكلما قتلوا شخصا بريئا خرج عشرة لأخذ الثأر”.