طُويت صفحة عام 2014، وهي مليئة بالدماء ضد أبناء العشائر السنية في العراق، ممن ذبحوا علي يد تنظيم “داعش” المسلح، ومناصريه من الشيعة، بإعدامات جماعية، لقبيلة البو فهد والبو نمر، ومع بداية عام 2015، استمرت سلسلة إبادة السنة في العراق، وبعدما كان يلقى اللوم على القاعدة في قتل السُنة، أصبح الشيعة المتهمين الرئيسيين.
المصير المجهول بات يُخيم على كل عراقي سني، فهناك مئات من المخطوفين والمفقودين، لا يعرفون مصيرهم، وعشرات حكم عليهم بالإعدام بتهم الإرهاب، ومئات من رجال الدين يقتلون غدرا، فالتهجير وإبادة السنة شعار تُصر عليه المليشيات الشيعية ضد سنة العراق.
فالمحافظات والمناطق السنية تعيش ظروفا دموية ومعيشية واجتماعية قاسية، خصوصا سكان مناطق، غرب العراق والشمال الغربي والشرقي منه، في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وأجزاء من ديالى، وصولاً إلى البصرة، التي رويت بدماء أبنائها في الأيام الأخيرة.
قضاء الزبير
وقتل ثلاثة رجال دين سنة في هجوم نفذه مسلحون، في قضاء الزبير غرب مدينة البصرة في جنوب العراق.
وأعلن وزير الداخلية العراقي محمد سالم الغبان فتح تحقيق في الهجوم، متهما قوى “تخدم” مشروع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بتنفيذه، في حين اتهم حزب سياسي سني مجموعات شيعية مسلحة بالوقوف خلف الهجوم.
إبادة السنة
الناشط الحقوقي والخبير القانوني، مصطفي السعداوي، قال إن قتل السنة في العراق، متعمد من قبل الغرب والشيعة، وبعض مسئولي الحكومة العراقية ذوي الأصول الشيعية، مضيفاً أن العراق تعد من أكثر الدول التي يتعرض مواطنوها السنة للإبادة.
وأوضح السعداوي لـ”مصر العربية” أن هناك حملة منظمة لإبادة السنة، بدعوى “محاربة الإرهاب”، وهو ما أعلنت عنه منظمة العفو الدولية من قبل، وللأسف لم يتحرك أحد، قائلاً إن سنة العراق محاصرون بين داعش والقوات الأمريكية والشيعة العراقيين والإيرانيين.
وتابع بأن عمليات القتل والإبادة، تُسأل عنها الحكومة العراقية، وحزب الله والقوات الأمريكية الموجودة في العراق الآن، والتي أتت بدعوى تدريب العراقيين، لكنها في حقيقة الأمر جاءت لقتل السنة، ومساعدة الشيعة على قتلهم.
مجموعات شيعية
وتنامى نفوذ المجموعات الشيعية، في الأشهر الماضية، بعد انخراطها في القتال إلى جانب القوات الأمنية لاستعادة المناطق التي سيطر عليها “داعش” إثر هجومه في يونيو الماضي، ولجأت السلطات إلى هذه المجموعات بعد انهيار قطاعات من الجيش في وجه هجوم “الدولة الإسلامية”.
وقال رئيس اللجنة الأمنية في قضاء الزبير مهدي ريكان إن “مسلحين مجهولين يستقلون سيارة مدنية هاجموا بنيران أسلحتهم رجال دين كانوا يستقلون سيارة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم”.
وأشار إلى أن الهجوم “وقع عند مدخل الزبير عندما كان الضحايا، وهم خطباء وأئمة مساجد في القضاء، في طريق عودتهم من مدينة البصرة بعد حضور اجتماع في مقر الوقف السني” في المدينة الواقعة على مسافة 450 كم جنوب بغداد.
فصائل شيعية
وأكد مدير الوقف السني في البصرة الشيخ محمد بلاسم مقتل رجال الدين الثلاثة، وهم إمام مسجد الزبير يوسف محمد ياسين، وإمام مسجد البسام إبراهيم شاكر، وإمام مسجد زين العابدين أحمد موسى.
من جهته اتهم الحزب الإسلامي العراقي، أحد أبرز الأحزاب السنية الذي ينتمي إليه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، فصائل شيعية مسلحة لم يسمها، بالوقوف خلف الهجوم.
وقال في بيان له: “يبدو أن مجرمي الميليشيات أغاظتهم مشاعر المحبة للنبي، وأثارهم هذا التمسك الطيب بهوية المدينة ‘البصرة’ الأصيلة والتي تواجه مخططاً خبيثاً لمحوها”.
وتعد البصرة من أهم المدن العراقية، وتضم خليطاً من السنة والشيعة، وبقيت المدينة إلى حد كبير في منأى عن أعمال العنف التي تضرب مناطق واسعة في البلاد منذ أعوام طويلة.
إعدامات جماعية
الخبير العسكري العراقي أحمد الشريفي، قال إن إعدام السنة في العراق، يأتي في إطار استهداف كل من يقف ضد التنظيم المسلح، “داعش” مضيفا أن العشائر العراقية كان لها دور كبير ووطني في تاريخ العراق، ضد الاحتلال الأمريكي.
وأوضح: أن العشائر العربية تتعرض لإبادة جماعية، قائلا إن الإعدامات الجماعية تطاردهم بسبب مواقفهم لمواجهة التنظيم المسلح.
بدوره، قال مصطفى كامل، الباحث والصحفي العراقي، إن التهجير الطائفي ليس ردة فعل آنية أو تصرفات معزولة عن سياقها التاريخي، بل يتعلق الأمر بمخطط جرى الإعداد له منذ ما قبل احتلال العراق في 2003، وينفذ الآن، ضد السنة بشكل مستمر وممنهج وفق آليات محددة.
وأضاف: أنه “يجري الانتقام من أماكن محددة في العراق لها أهميتها في سياق الصراع العربي الفارسي سواء قبل الإسلام أو بعده”.
ولفت: إلى أنه في السنوات الماضية كانت المليشيات الطائفية في العراق تختفي خلف الأجهزة الأمنية والقوات العسكرية، أما الآن وبحجة وجود تنظيم الدولة الإسلامية أصبحت هذه المليشيات في المقدمة وتقود المعركة.
عنف طائفي
أما أحمد السعيد، القيادي في الحراك الشعبي العراقي، فقد وصف ما يجري من قتل السنة، بالإبادة الطائفية العلنية بإشراف حكومي ورسمي، مشيرا إلى أن المليشيات بأسمائها ووجوهها تظهر على الشاشات وتبين أسلوبها في التفجير، ويقودها نواب وحكوميون شيعة تحت غطاء ودعم إيراني.
ورأى أن العراق لا يشهد اليوم مكافحة الإرهاب، بل توظيف الإرهاب ضد أهل السنة من خلال استحضار “التاريخ المغولي والصفوي”، وخلص إلى القول “إننا نشهد بداية للخلافة الإيرانية بمصطلح الإمامة”.
بدورها، كشفت منظمة العفو الدولية، في الأشهر الأخيرة، أن هناك أكثر من 50 ميليشيا شيعية مقاتلة إلى جانب القوات الحكومية في عدة مناطق من ديالى ومحافظات أخرى، قامت بقتل أكثر من 250 شخصا واعتقلت عددا من المدنيين، وجميعهم من أهل السنة، مبينةً أن الحكومة العراقية توافق على جرائم حرب وتغذي حلقة خطيرة للعنف الطائفي.
وقالت المنظمة في بيان لها إن: ”ميليشيات شيعية إلى جانب القوات الحكومية بـ “ارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين سنة”، كما اتهمت خصوصاً الحكومة العراقية بـ “دعم وتسليح مقاتلين شيعة يخطفون ويقتلون مدنيين سنة”.
وأعلنت المنظمة أنها تملك أدلة تتعلق بـ” ميليشيات شيعية ارتكبت عشرات عمليات القتل بحق سنة في العراق وإعدامات عشوائية”، مضيفة أن مجموعات شيعية مسلحة تقوم أيضا بـ“عمليات خطف سنة تفرض على عائلاتهم دفع عشرات آلاف الدولارات لإطلاق سراحهم”.