تزايد في الآونة الأخيرة ضيق أفق الأنظمة الخليجية من تناول سياسيين عرب بالنقد لمسئولين بها، خصوصا دولة الإمارات، وانتقل الغضب الخليجي الرسمي علي المعارضين من الداخل إلى الخارج، وانعكس في صورة محاكمات لعدد من السياسيين والنشطاء في الكويت والأردن والسعودية لمجرد تصريحهم بآراء تعبر عن انتقادات لبعض رموز الحكم في الإمارات وخاصة ولي العهد «محمد بن زايد».
ولوحظ أن وزارات الخارجية في دول الخليج هي التي بادرت بمطالبة محاكم بلادها بمحاكمة هؤلاء النشطاء داخل بلادهم، برغم أن هذا ليس من اختصاص وزراء الخارجية، حيث طالبت الخارجية الكويتية بمحاكمة اثنين من النشطاء هما البرلماني السابق «مبارك الدويلة» والسياسي القريب من الأسرة الحاكمة «صالح عثمان السعيد».
وبعد أن طال ضيق الأفق النشطاء في داخل الأنظمة الخليجية، ها هو يمتد ليطال رموز أخري خارجية منهم: «زكي بني أرشيد» نائب مراقب الإخوان المسلمين بالأردن، و«مبارك الدويلة» النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، بخلاف آخرين آخرهم «صالح عثمان السعيد»، ما أثار تساؤلات حول دلالات هذه الظاهرة المتزايدة يوما بعد يوم.
وتساءل نشطاء علي مواقع التواصل: «لماذا الإمارات على وجه التحديد تظن أن رموزهما مستهدفة من قبل نشطاء وقيادات سياسية عربية؟»، و«هل نحن أمام فيتو جديد يجرم تناول مسؤولي بعض الدول؟».
أخر ضحايا ضيق أفق الأنظمة الخليجية بالنقد هو الناشط الكويتي «صالح عثمان السعيد» الذي قضت محكمة الجنايات في الكويت بحبسه 4 سنوات مع النفاذ في قضية أمن دولة بعد اتهامه «بالقيام بأعمال عدائية ضد المملكة العربية السعودية ورموزها»، بناء على شكوى من وزارة الخارجية إلى المحكمة، برغم أن عائلة «السعيد» ترتبط بعلاقة قرابة بالأسرة الحاكمة في الكويت حيث تنتمي والدة أمير الكويت الشيخ «صباح الأحمد» لعائلة السعيد، وهي عمة «صالح السعيد».
وكان «صالح السعيد» قد ظهر على التلفزيون الرسمي السوري في حوار وجه فيه عدة اتهامات للملكة العربية السعودية ولبعض أمرائها وعلى رأسهم وزير الداخلية «محمد بن نايف» أثناء دفاعه «المستميت» عن النظام السوري وزعيمه «بشار الأسد» .
وقال «السعيد» في المقابلة التلفزيونية: «إن السعودية تعتدي على أراضي الكويت كما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين وطالبها بأن توافق على ترسيم حدودها مع الكويت»، كما برر «السعيد» المجازر التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، وزعم أن السعودية هي سبب ما يجري في سوريا متمنيا أن يموت في ساحة القتال مصطفا مع النظام السوري بحسب وصفه.
ودأب «السعيد» على التعرض للمملكة العربية السعودية وقطر من خلال تغريدات على حسابه الشخصي على تويتر، حيث حمل المملكة مسؤولية حادث الإحساء الذي خلف 7 قتلى و9 مصابين.
كما أثارت تصريحات «ناصر الدويلة» شقيق النائب الكويتي السابق مبارك الدويلة التي قدمت ضده عريضة اتهام قضائية بسبب تعرضه بالنقد لولي عهد الإمارات «محمد بن زايد» واتهامه بشن حملة علي الإخوان والإسلام السني في العالم العربي، والتي وصف فيها «ناصر الدويلة» ما جري في مصر في 3 يوليو 2013 أنه انقلاب عسكري سحق كل الحريات بالدولة، وأنه قائم على الدعم الكويتي والخليجي ، غضبا في مصر وطالبت وسائل إعلام كويتية لمحاكمته مثل شقيقه.
وأخلت النيابة العامة الكويتية، مساء الأربعاء الماضي، سبيل النائب السابق «مبارك الدويلة»، بكفالة مالية قدرها 5 آلاف دينار(14.6 ألف دولار)، بعد أن خضع «الدويلة» للتحقيق في الشكوى المقدمة ضده من وزارة الخارجية، على خلفية اتهامه بـ«الإساءة» لدولة الإمارات العربية المتحدة، وولي عهد أبو ظبي، «محمد بن زايد».
وقال المحامي «ناصر الدويلة» الذي حضر التحقيق، مع شقيقه، في تصريح صحفي إن «الشكوى كانت بسبب مقابلة مبارك على قناة المجلس (تابعة للبرلمان الكويتي) سئل فيها من قبل المذيع عن سبب خلاف الإخوان المسلمين مع الإمارات».
وأضاف أن «التحقيق استمر 3 ساعات»، مبينا أن شقيقه «أنكر خلاله التهمة الموجهة إليه بالإساءة إلى دولة شقيقة، كما أنكر الإساءة للشيخ محمد بن زايد».
وكان «الدويلة» قد صرح إنه لا يدري لماذا يكره الشيخ «محمد بن زايد» الإخوان المسلمين، مؤكدا أنه فرض كرهه على الدولة الإماراتية ليصبح موقفا رسميا لها، ووصف القضية التي حوكم فيه قيادات جمعية الإصلاح الإماراتية بأنها قضية سياسية بالدرجة الأولى.
وجاءت اتهامات «الدويلة» في لقاء على «قناة المجلس» التي تصدر عن مجلس الأمة الكويتي وعبر مبنى رسمي للدولة تابع لوزارة الإعلام وعبر أجهزة بث خاصة بوزارة الإعلام الكويتية، ما أعتبر «إساءات في حق دولة الإمارات وفي حق الشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان ولي عهد أبوظبي»، واعتبرته صحيفة «الوطن» الكويتية «إشكالية» لكون وزارة الإعلام ومجلس الأمة الكويتي اشتركا في الإساءة لدولة شقيقة .
وفي أعقاب تصريحات «الدويلة»، انطلقت حملة هجوم مكثفة بحق النائب الكويتي، وأمير الكويت من جانب وسائل إعلام إماراتية، وصلت لحد السب والقذف في حق «الدويلة»، ما أضطره لإصدار بيان يوضح فيه موقفه.
ولوحظ إعلان مسئول في وزارة الخارجية الكويتية، استنكار بلاده واستيائها الشديدين لما جاء على لسان عضو مجلس الأمة السابق «مبارك الدويلة» حول عداء «محمد بن زايد» للإسلام السني، واصفا إياه بأنه «إساءة لدولة الإمارات العربية المتحدة وقياداتها»، ونقلت وكالة الأنباء الكويتية «كونا» عن المصدر قوله إن الوزارة باشرت في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد النائب السابق، ومخاطبة النائب العام لإجراء اللازم.
أما «مرزوق علي الغانم» رئيس مجلس الأمة الكويتي فقد أكد أن المجلس اتخذ كافة الإجراءات القانونية المتعلقة باللقاء التلفزيوني لـ«الدويلة»، مضيفا أن «الإساءة التي قيلت خلال برنامج تلفزيوني بحق الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة مرفوضة جملة وتفصيلا، مرفوضة مبدئيا في سياقها السياسي وفي كونها تجنيا وتجريحا لا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال».
عقوبة انتقاد «بن زايد»
لم يكن إصدار النائب العام الكويتي أمرا بضبط وإحضار عضو البرلمان الكويتي السابق «مبارك الدويلة» على خلفية اتهامه بالإساءة لولي عهد أبو ظبي الشيخ «محمد بن زايد»، هي الحادثة الأولي من نوعها المتعلقة بولي العهد الإماراتي، فقد سبقتها واقعة قيام الأردن بتحويل نائب مراقب الإخوان المسلمين في البلاد للمحاكمة بتهمة إهانة ولي عهد أبو ظبي «محمد بن زايد».
وتساءل النائب السابق في البرلمان الكويتي، «مبارك الدويلة»، عن سبب كره ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، للإسلام السني، ومحاربته بشدة في السنوات الأخيرة، لافتا إلى أنه «لا أحد من إخوان الكويت يعرف ما سر هذا الموقف العدائي الشخصاني ضد الإخوان».
وأضاف «الدويلة» – في رده علي سؤال من مذيع قناة المجلس الكويتية الرسمية الأربعاء 24 ديسمبر الجاري – أن: «بن زايد وحده هو من خلق هذه الروح من الكراهية والبغض تجاه الإخوان المسلمين، وكل ما هو سني»، بحسب قوله.
وحول قضية معتقلي الإمارات، قال إن «القصة هي أن 65 شخصا قدموا معروفا يطالبون بإصلاحات سياسية دستورية تشريعية»، و«غانم النجار (نائب كويتي) دافع عن بعض أعضاء هذه الخلية، وهم معروفون ومشهورون بسلامة مسيرتهم وولائهم لبلادهم».
وعن تمويل الكويت للإخوان، قال الدويلة: «لم تموّل الكويت جماعة الإخوان المسلمين أبدا، وكل القصة أن أحد إخوان الكويت أرسل نقودا لصديقة زوجته، التي اعتقل زوجها في الإمارات».
وتعتقل الإمارات 61 من أعضاء دعوة الإصلاح، ويقضون أحكاما تتراوح بين 7 سنوات و15 في سجن الرزين، وذلك بعد إدانتهم في محاكمة جماعية لمجموعة من 94 ناشطا، بما في ذلك ناشطين في حقوق الإنسان، ومحامين، وقضاة، وأساتذة جامعات، وقيادات طلابية، واعتقل معظمهم بين مارس وديسمبر 2012، خلال حملة واسعة النطاق ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات في الإمارات، وفق ناشطين في حقوق الإنسان.
وقد رد مبارك الدويلة علي حملة الهجوم العنيفة ضد في بيان أصدره قال فيه: «تابعت باستغراب شديد حملة تحريض من (مجموعة الإمارات) بفرعيها الكويتي والإماراتي، بزعم أنني تعرضت للشيخ محمد بن زايد واتهامي بالإساءة إليه، وكل ذلك عندما أجبت على سؤال في مقابلة تلفزيونية عن سبب عدائه للإخوان وللتيار الإسلامي السني.
واستغرابي جاء من طبيعة هذه الهجمة التي اتسمت بالعنف والخروج عن المألوف في تقييم الخصم، حيث أن حديثي لم يتجاوز التساؤل والاستغراب من موقف الشيخ من التيار الإسلامي السني، رغم أنني شخصيا لم أتكلم عنه إلا بعد سؤال من مقدم البرنامج عن رأيي في موقف حكومة الإمارات العدائي من الإخوان».
وقال: «إن كنت قد سمحت لنفسي بتفهم منطلقات دفاع (مجموعة الإمارات) عن شيخهم ، إلا أن الذي لا يمكن أن أتفهمه هو حماس هذه المجموعة (فرع الكويت) للهجوم على شخصي بسبب إجابة على تساؤل إعلامي متداول».
دلالات اعتقال «بني أرشيد»
وافتتحت حملة التنكيل بمعارضي الخارج لأنظمة الخليج بقيادي أردني كبير هو «زكي بني أرشيد» نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي قال في نوفمبر الماضي إن: «حكومة الإمارات هي الراعي الأول للإرهاب وتفتقد لشرعية البقاء أو الاستمرار وتنصب نفسها وصياً حصرياً لمصادرة إرادة الشعوب وتشكل اختراقاً لهوية الأمة وتدميراً لمصالحها وتمارس أبشع أنواع المراهقة السياسية والمقامرة الفرعونية في كازينو الأجندة الصهيونية».
حيث قامت الأجهزة الأمنية الأردنية باعتقاله على خلفية هذه التصريحات، وقال «أدهم أبو سلمية»، الباحث والناشط السياسي الفلسطيني على صفحته على فيسبوك أن اعتقال الأردن لنائب جماعة الإخوان المسلمين «زكي بن أرشيد» يحمل دلالات خطيرة زمانيًا ومكانيًا، كما أن الاعتقال وهو الثالث لقيادي في الجماعة بالآونة الأخيرة يعني أن الأردن دخل مرحلة جديدة في العلاقة مع الإسلاميين عنوانها «الصدام» وليس الاستيعاب كما كان في السابق.
واعتبر البعض أن اعتقال القيادي الاخواني في الأردن دلالة علي انضمام الأردن للدول الإقليمية التي تعادي الإخوان وتحاربهم، وله علاقة برغبة نظام الأردن في حرف الأنظار عن الأحداث المشتعلة في القدس وخلط الأوراق والأولويات، وشغل الرأي العام لحين انتهاء الاحتلال من فرض قبضته الأمنية على القدس
الخليج الجديد