لقد أضر تراجع أسعار النفط بالمعادلات السياسية في جميع أنحاء العالم، وخاصة بالنسبة للحكومات التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتوفير الخدمات لسكانها، مثل روسيا وفنزويلا اللتين تضررتا بشكل خاص؛ إلا أن بعض الحكومات في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط مضطرة أيضًا لشد الحزام.
فقد مثّل انخفاض أسعار النفط من 115 دولارًا للبرميل إلى 60 دولارًا خلال أقل من ستة أشهر تحديًا من نوع خاص بالنسبة لسلطنة عمان. ومع احتمال استمرار انخفاض الأسعار على المدى القريب والمتوسط، فإن المسؤولين العمانيين يسعون جاهدين لايجاد مصادر بديلة للدخل غير صناعة النفط التي تشكل نسبة 83٪ من دخل سلطنة عمان.
وتأكد تأثر السلطنة بانخفاض أسعار النفط في وقت متأخر من العام الماضي، عندما خفضت ستاندرد آند بورز التصنيف السيادي لعمان من مستقر إلى سلبي.
تحديات الميزانية
أعلن وزير الشؤون المالية العماني، درويش البلوشي، في 31 ديسمبر الماضي، ميزانية عمان لنفقات خطة عام 2015، والتي بلغت 36.6 مليار دولار أمريكي، بزيادة 4.5٪ عن ميزانية العام الماضي. وحيث إنه من المتوقع أن ينخفض حجم الإيرادات بنسبة 1٪ هذا العام، فمن المتوقع أن يصل العجز في مسقط هو 6.49 مليار دولار، 21٪ من الإيرادات الحكومية وما يقرب من 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي الشهر الماضي، اقترحت اللجنة الاقتصادية والمالية لمجلس النواب في مجلس الشورى (الهيئة التشريعية في سلطنة عمان) فرض “ضريبة عادلة” على صادرات الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يتوقع أن يضخ 509 مليون دولار إلى خزينة الدولة. كما وافق مجلس الشورى على تشريع بفرض ضريبة بنسبة 2٪ على التحويلات المالية التي يرسلها 1.9 مليون من المغتربين العمانيين في الخارج، وهو ما من شأنه أن يضخ إيرادات بقيمة 161 مليون دولار. غير أن المسؤولين في مسقط يخشون من التداعيات السلبية المحتملة التي قد تؤدي إليها تلك الضريبة على مناخ الاستثمار الأجنبي في السلطنة، وقاموا برفض تلك الخطة قبل فترة وجيزة من إعلان البلوشي ميزانية هذا العام.
كما اقترح مجلس الشورى فرض ضريبة قيمتها 12٪ على إيرادات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وهو ما تقدر وكالة الأنباء العمانية أنه سوف يجلب 80.5 مليون دولار إلى خزينة الدولة. وفي الوقت نفسه، أعلنت اثنتان من شركات الأسمنت العمانية، وهي شركة أسمنت عمان وريسوت للأسمنت، في أوائل شهر ديسمبر الماضي، أن الوزارة ستضاعف سعر الغاز الطبيعي للشركات ابتداءً من هذا الشهر.
ويقوم مجلس الشورى أيضًا باستعراض جميع الضرائب المقررة. كما تنظر مسقط في مجموعة متنوعة من الطرق الأخرى لتغطية العجز، مثل السعي إلى توفير 1.4 تريليون دولار من القروض والمنح الدولية من الجهات المانحة خارج عمان، وصندوق الثروة السيادية، واستثمار 520 مليون دولار في السندات الإسلامية، واقتراض 1.04 مليار دولار من المقرضين في السوق المحلي البلاد.
يذكر أنه في العام الماضي، أوصى مجلس الشورى بخفض معدلات الإنفاق على البرامج الرئيسة، بما في ذلك تخفيض قيمته 5٪ من إنتاج النفط والغاز ومشاريع التنمية، والدفاع. بينما أعلنت وزارة المالية أن مستويات الإنفاق الحكومي في مجال التعليم والصحة والإسكان والتدريب ستبقى في نفس مستويات العام الماضي. وقال البلوشي إنه نظرًا لانخفاض أسعار النفط، كان من الضروري اتخاذ بعض التدابير المؤقتة للحفاظ على الاستقرار المالي. ولكن هذه التدابير لن تؤثر على عامة الناس، أو وظائفهم أو مستويات معيشتهم.
ويجب أن يفهم قرار الحكومة بتجنب اتخاذ تخفيضات مؤلمة في معدلات الإنفاق في سياق البيئة الحساسة في السلطنة؛ حيث يعزى استقرار سلطنة عمان إلى حد كبير إلى الإنفاق المحلي المرتفع للدولة، مما يجعل التخفيضات في الميزانية حلًا محفوفًا بالمخاطر السياسية.
البيئة السياسية الحساسة في سلطنة عمان
شكّلت قدرة سلطنة عمان على زيادة الإنفاق على الخدمات الحكومية في أوقات الاضطرابات شريان الحياة بالنسبة للمملكة في الماضي القريب.
فبعد أسابيع من تخلي الحكام في تونس ومصر عن السلطة تحت ضغط الرأي العام في شهري يناير وفبراير من عام 2011، انضمت سلطنة عمان إلى دول الربيع العربي؛ حيث خرج الشباب العماني في مظاهرات استمرت لعدة أيام في صحار ومسقط مطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية. إلا أنه بالمقارنة بسياق أحداث الربيع العربي الذي حدث في الدول العربية الأخرى، لاسيما في سوريا، فإن الاضطرابات في عمان كانت تعتبر الأدنى نسبيًا. ففي المجموع، قتل ستة متظاهرين مناهضين للحكومة خلال اشتباكات مع الشرطة وأضرمت النيران في أحد المحلات التجارية.
غير أنه، وفي تناقض صارخ مع ما فعلته الأنظمة العربية الأخرى، التي شنت حملات شرسة على المتظاهرين في الشوارع في أوائل عام 2011، كان رد فعل الحكومة العمانية هو تقديم التنازلات، وليس باستخدام القوة الغاشمة؛ حيث اعترفت الحكومة العمانية علنًا “بالحقوق القانونية للمواطنين” وإن كانت قد أدانت “التخريب”.
كما قامت الحكومة بزيادة حجم الإنفاق على البرامج الاجتماعية التي تهدف إلى معالجة المظالم الاقتصادية للمحتجين؛ حيث أمر السلطان قابوس بن سعيد الحكومة بخلق 50000 فرصة عمل، ودفع 386 دولارًا شهريًا لكل باحث عن فرصة عمل؛ لذا، وبينما كانت المظاهرات واسعة النطاق تجتاح الدول العربية الأخرى مطالبة بسقوط الحكام، أعلن المتظاهرون العمانيون المطالبون بالإصلاح التزامهم بالبيعة لقابوس، ودعمهم للنظام الملكي بينما اكتفوا بالمطالبة بالإصلاحات.
كما ساعد رد فعل الحكومة تجاه المظاهرات في صحار ومسقط على تهدئة الأوضاع أيضًا. فبعكس جميع دول الربيع العربي، حافظ قابوس على حكم مستقر وسلمي، كما حافظ على درجة من الشعبية لم يتمتع بها أي زعيم آخر في الشرق الأوسط خلال القرن الحادي والعشرين. فعلى الرغم من حركات التمرد والإرهاب والتدهور الاقتصادي، والتدخل العسكري الأجنبي والطائفية، والاضطرابات التي قتلت وشردت الملايين من العرب في السنوات الماضية، تميزت عمان بتناغم العلاقات بين القبائل المختلفة في السلطنة والأعراق والطوائف الدينية، وكذلك بوجود مستوى عال من الاستقرار والازدهار الذي مكن صناعة السياحة في سلطنة عمان من الازدهار.
إلا أنه على الرغم من حفاظه على الاستقرار، فإن النظام السياسي الملكي في عمان لم يكن يومًا نظامًا ديمقراطيًا، فقد تركزت السلطة بقوة في أيدي قابوس. ويستنتج المراقبون أنها كدولة ريعية، فقد نجحت الحكومة في قمع التطلعات الديمقراطية للمواطنين، في مقابل الحصول على منافع مادية في شكل الانفاق الحكومي السخي على البرامج الاجتماعية.
ولكن، التحدي الذي يواجه الحكومة العمانية اليوم هو الحفاظ على هذا الاتفاق غير المكتوب مع المواطنين برغم ما يفرضه انخفاض أسعار النفط من ضغوط ضريبية جديدة.
وقد رفع طول مدة إقامة الملك قابوس في ألمانيا، حيث يجري فحوصات طبية منذ 10 يوليو الماضي، ومظهره الواهن الذي ظهر به في 5 نوفمبر الماضي (حيث كان أول ظهور علني له منذ سفره إلى ميونيخ) درجة المخاوف بشأن مسألة خلافته في السلطنة. وهكذا، فبينما ينبغي على المسؤولين العمانيين مواجهة الصعوبات المتعلقة بالميزانية، يواجه النظام الملكي مستقبلًا سياسيًا غير مؤكد.
وتدرك جميع دول مجلس التعاون الخليجي أن اقتصادات هذه البلدان لا يمكنها أن تعتمد على النفط إلى الأبد. ومع ذلك، من المتوقع أن تنفد احتياطيات النفط الخام العمانية أسرع بكثير من جاراتها، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ لذا، فإن عمان تواجه ضغطًا أكبر في تطوير دور القطاعات غير النفطية في الاقتصاد. وسيتم اختبار مستقبل الاستقرار في السلطنة عبر تدابير الإصلاح الاقتصادي التي يتم اتخاذها لمواجهة الاضطرابات بينما تفتقد الحكومة شريان الحياة الذي كانت تعتمد عليه من قبل.
المونيتور- التقرير