في سابقة من نوعها، على مستوى الإعلام العمومي، وصفت كل من القناة الأولى والقناة الثانية عند تطرقهما للأحداث التي طبعت السنة الفارطة، نظام عبد الفتاح السيسي بـ”النظام الانقلابي والعسكري”، وأن الأحداث التي واكبت وصول السيسي إلى الحكم كانت بمثابة أحداث غير ديمقراطية تخللتها ألوان من العنف والفوضى نجم عنها قتل المتظاهرين في ميداني “رابعة” و”النهضة” في ظل عزوف عن المشاركة الانتخابية، فيما وصف التلفزيون المغربي الرئيس المصري السابق محمد مرسي بـ”الرئيس المنتخب”.
هذه اللهجة التي تحدث بها التلفزيون المغربي الرسمي، استغربها الكثير من المتابعين والملاحظين للعلاقات المغربية المصرية بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، لاسيما وأن المغرب الرسمي قد هنأ عبد الفتاح السيسي بعد تبوئه مقعد الرئاسة المصرية بعد انتخابات ماي 2014.
الاستغراب والمفارقة مصطلحان لا تعترف بهما السياسة. فماذا حدث بالضبط؟ هل أن التلفزيون المغربي الرسمي اتخذ مبادرة إعلامية في الرد على التطاول الإعلامي المصري على الثقافة والسلطة والمجتمع بالمغرب؟ أم أن المغرب اختار أن يرد الصاع صاعين عبر قناة الإعلام للموقف المصري اتجاه المغرب؟ هل الأمر يتعلق بقصف إعلامي متبادل لحظي ومرحلي أم يتعلق الأمر بهدف استراتيجي بعيد المدى؟
موقف مرحلي
طارق الثلاثي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، اعتبر في اتصال هاتفي مع هسبريس، أن الموقف الإعلامي المغربي تجاه النظام المصري لا يعدو كونه “مرحليا ولحظيا” ولا يتعلق الأمر بموقف “استراتيجي في تحديد العلاقات المغربية المصرية”.
ولفت المحلل السياسي إلى أولى مؤشرات الصراع المرحلي بين مصر والمغرب برزت إبان أولى الزيارات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الجزائر.
وزاد الثلاثي في تصريحه لهسبريس أن هذا الموقف، والذي اختار المغرب أن يمرره عبر قناة الإعلام، “يأتي في سياق القصف الإعلامي المصري الذي طال المجتمع والسلطة والثقافة بالمغرب، بل ولم يسلم منه حتى شخص الملك أثناء زيارته الأخيرة إلى تركيا”.
غير أن الموقف الإعلامي المصري تجاه المغرب، يضيف الثلاثي مستدركا، “يكون غالبا حذرا، فالمصريون غالبا ما يعتذرون بحيث أنهم اعتذروا أربع مرات متتالية للحفاظ على شعرة معاوية من أجل المستقبل”.
أما المصطفى زهران، الإعلامي المصري المختص في الحركات السلفية، فاستغرب، في اتصال مع هسبريس، من تصعيد الإعلام الرسمي من لهجته في التعامل مع الملف المصري خاصة في ظل وجود الرئيس السيسي في وقت ثمة تحولات تشهدها مصر في الآونة الأخيرة تدفع نحو مصالحات وتوافقات بين مصر ودول تبنت حتى وقت قريب مواقف مماثلة وتحديدا قطر وتركيا والتى بالفعل أخذت تنحو في اتجاه مصالحة فعلية.
قصف إعلامي متبادل
ولفهم الموقف المغربي، أبدى الإعلامي المصري تفهمه للموقف المغربي انطلاقا من عوامل ساهمت في هذه اللهجة التصعيدية.
أولى هذه العوامل، حسب المصطفى زهران، تمثلت في مواقف بعض الإعلاميين المصريين خلال الفترة السابقة وبعض الفنانين والتى تضمنت سبا صريحا ونقدا لاذعا للمغرب ورموزه في السلطة وبشكل عام. والتى تأتى في خضم السجال القائم بين السلطة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين على اعتبار العدالة والتنمية المغربي امتدادا فكريا لها.
هذا التعاطي الإعلامي المصري تجاه المغرب، حسب زهران، “شحن الإعلام الرسمي والخاص بالمغرب لرد الاعتبار الأدبي والأخلاقي الذي سقط فيه عدد من الإعلاميين المصريين على الرغم من اعتذاراتهم عقب ذلك ومواقف بعض أصحاب هذه القنوات الفضائية من منع مثل هذه التصريحات والتي كانت في معظمها لا تخضع لتأطير رسمي أو حكومي، وإنما أتت من باب النكاية في جماعة الإخوان بالداخل والخارج”.
وأما العامل الثاني المحدد لتصعيد اللهجة من قبل التلفزيون المغربي ضد النظام المصري، فيتحد، وفق زهران، في كون “الإعلام الرسمي المغربي وقف إلى جانب الشارع المغربي إزاء حالة السخط العارمة تجاه تصريحات متوالية من قبل بعض النخب المصرية والتي ليس لديها حضور إعلامي بالأساس في الداخل المصري مابين اتهام المغرب بالدعارة والشعوذة أو أن أصلهم يهود وكلام من هذا أبقى بظلاله بشكل كبير على كل الأفراد والجماعات في الداخل المغربي والتي سارعت نحو الاقتصاص من هؤلاء عبر تبنى خطا تصعيديا تجاه مصر .. ووقود هذا التصعيد هو الإعلام المصري بالأساس والذي يعانى من تقهقر وردة في كل المستويات”.
ضعف الدور المصري
كما سجل الإعلامي المصري ضعف الدور المصري الرسمي في التعامل مع نظيره المغربي نتيجة “الحساسية المفرطة من الجانب المصري تجاه العدالة والتنمية المغربي الإسلامي المشكل للحكومة وعدم التقارب معها عبر وضع آليات لتفعيل الحوار والمشاركات السياسية والاقتصادية وما ساهم في خلق جدار عازل بين مصر والمغرب كانت تداعياته ماثلة الآن بقوة ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في حجم التحولات التي تشهدها كل من مصر والمغرب ومحاولة فهم موقف كل طرف تجاه الآخر …وتفكيكه مع العلم أن السياسة لا تعرف مشهدا واحدا مع خضوعها للبراجماتية المتقلبة وهو ما حدث بالفعل في علاقة مصر بتركيا”.
تصعيد غير متوقع
أما عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فقد اعتبر أن الموقف الإعلامي الرسمي المغربي تجاه الرئيس المصري يعبر عن أحد أمرين: إما أن هناك تحول في الموقف الرسمي المغربي تجاه نظام عبد الفتاح السيسي أو أنها مبادرة إعلامية من طرف القائمين على الإعلام العمومي كرد فعل على ما لقيه المغرب من انتقادات ومن افتراءات التي تعمد الإعلام المصري الموجه على تحريرها عبر قنواته العمومية والخاصة.
واستطرد البلعمشي كون اللهجة التي تعاملت بها القناة الأولى والثانية في سياق إبرازها لأهم أحداث 2014 “تحتاج إلى توضيح خصوصا أن المغرب الرسمي تعامل مع نظام عبد الفتاح السيسي بشكل طبيعي ووضعية العلاقات الثنائية طبيعية هي أيضا، بل إن المغرب بادر إلى تهنئة الرئيس المصري الجديد، غير أنه وإلى حدود الآن لم تتبد بشكل جلي التحولات الراديكالية في التعامل مع مصر”.
وخلص المحلل السياسي إلى طرح تساؤل حول طبيعة هذه اللهجة إذا ما كانت تأتي بناء على توجيه جديد في السياسة الخارجية من وجهة نظر إعلامية تجاه مصر أم هي وجهة نظر إعلامية تحتاج إلى الوقوف عندها واعتبارها تحولا في الخط التحريري في القنوات العمومية.
هسبريس ـ نورالدين لشهب