بعد مبادرة الصلح الأخيرة بين مصر وقطر برعاية سعودية، ترك أمير قطر تميم بن حمد آل ثان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحيدا في صراعه ضد رأس السلطة الحاكمة في مصر عبدالفتاح السيسي .. هكذا رأى الكاتب التركي بوراك بيكديل في مقال تحليلي نشره موقع معهد “جيت ستون انستيتيوت” الأمريكي للتحليلات السياسية تحت عنوان “كابوس أردوغان المصري”.
وإلى نص المقال:
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سعيدا بمساندة قطر، شريك تركيا الإقليمي، بشكل كامل له ضد قائد الانقلاب في مصر – على حد وصف الكاتب – لكن أردوغان لم يكن يعلم الخطوة المقبلة لأمير قطر على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، لاسيما بعد الاستقبال الحافل لتميم في أنقرة.
وبالعودة إلى عام 2011، كان كل شيء يشير لعلاقات جيدة بين مصر وتركيا، ففي خطاب خلال العام نفسه، قال أردوغان “إن محور الديمقراطية بين البلدين الكبيرين في منطقتنا مصر وتركيا يمتد من الشمال للجنوب من البحر الأسود حتى وادي النيل”.
وفي سبتمبر عام 2011، لاقى أردوغان (رئيس وزراء تركيا آنذاك) ترحيبا واستقبالا حافلين، وتدفق عشرات اﻵف من المصريين لمطار القاهرة لاستقباله وتزينت الشوارع بملصقات لصور أردوغان، وفي أوائل عام 2012 أصدرت مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية دراسة خلصت إلى أن تركيا هي الدولة الأكثر شعبية بالنسبة لسكان 7 دول عربية، بينها مصر.
لكن لم تدم حالة الحب بين تركيا ومصر طويلا، ففي أغسطس عام 2013، بعد قرابة شهر من قيام قائد الجيش والقوات المسلحة المصرية آنذاك عبدالفتاح السيسي بالإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، ظهر أردوغان على شاشات التليفزيون يقرأ خطابا أرسله له أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وهو محمد البلتاجي.
وكان الخطاب موجها لنجلة البلتاجي أسماء، الفتاة التي تبلغ من العمر 17 عاما، والتي قُتِلت خلال قيام قوات الأمن المصرية بفض اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وبكى أردوغان متأثرا خلال قراءته للخطاب، وأصبحت أسماء البلتاجي بعد ذلك رمزا للمسلمين الأتراك.
وهلل أنصار أردوغان ورفعوا شعار “رابعة”، في إشارة لتضامنهم مع الإخوان المسلمين، ومع أسماء بل ووصل الأمر لملاعب كرة القدم التركية، حيث كان بعض اللاعبين يحتفلون بعد تسجيل الأهداف برفع شعار “رابعة”.
وفي أعقاب عزل مرسي، وعندما ترشح السيسي ووصل إلى سدة الرئاسة، وصف أردوغان الانتخابات بأنها “لاغية وباطلة”، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل قال أردوغان أنه لا يرى السيسي “رئيسا لمصر”، وفي مناسبة أخرى، أكد أنه لن يعترف بنظام “الانقلاب” في مصر على حد زعمه، بل ووصف السيسي في يوليو الماضي ب “الطاغية غير الشرعي” و “صانع الانقلاب”.
في غضون ذلك، لم يكن نجم أردوغان لامعا في مصر أو حتى بلاده لم تكن الأكثر شعبية، والدليل على ذلك هي مطالبة المنظمات غير الحكومية المصرية العرب والمصريين بمقاطعة البضائع والمسلسلات التركية، بل وقامت مصر أيضا بإلغاء التأشيرات الحرة للمواطنين الأتراك واتفاق مرور الشاحنات التركية.
لكن البيان الذي أصدره مكتب تميم والذي أكد فيه أن أمن مصر مهم لأمن قطر وأن البلدين ترتبطان بعلاقات أخوية وعميقة، كان بمثابة “حمام بارد” لأردوغان وأنقرة، وجاء البيان بعد يوم واحد من لقاء السيسي في القاهرة مع المبعوث القطري، ما يشير إلى احتمال حدوث انفراجة في العلاقات بين البلدين، وفي أعقاب الاجتماع أصدر مكتب السيسي بيانا قال فيه إن مصر تتطلع لعصر جديد ينهي الخلافات الماضية.
وعلى عكس تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج الذي شدد على ضرورة إصلاح العلاقات مع مصر، لكنها ليست بالمهمة السهلة، فكلمات أردوغان عن السيسي ووصفه ب “قائد الانقلاب” و “الطاغية غير الشرعي” تجعل مسألة المصالحة غير ممكنة.
وبالعودة لتصريحات المتحدث باسم الخارجية التركية عن ربط تطبيع العلاقات بين البلدين بعودة مصر للمسار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب، يثبت أنه لا يوجد تطبيع مستقبلي بين أنقرة والقاهرة.