كشفت سلسلة الحوارات التي جرت بين الداعين لما سمي «ملتقي الملحدين الأول في مكة»، عن أن نسبة كبيرة منهم من المسيحيين خصوصاً العراقيين، وأن الحوارات بينهم والمحاضرات ألقيت عبر فيس بوك لا بالحضور المباشر، برغم الدعاية للملتقي الذي اعتبره الناشطون «كذبة كبيرة».
وتساءل ناشطون بعد سلسلة الرسائل التي جري تناقلها باللغة الإنجليزية علي مواقع التواصل الاجتماعي، عن قيام مجهولين بعقد ملتقى هو الأول من نوعه لـ«الملحدين» في مكة خلال الفترة من 25 إلى 28 ديسمبر الجاري، وأن 300 ملحداً سيجتمعون بسرية تامة هناك، وأنهم عادوا بالفعل لبلادهم داخل وخارج المملكة بعد انتهاء الملتقي، وسينشرون صوره وأخباره لاحقا.. وتساءلوا عن سر إصرار هؤلاء الملحدين علي إعلان عقد مؤتمره في عاصمة الإسلام «مكة».
كما تساءلوا عن سبب حرص صحف غربية ومعاهد دراسات علي بث كمية من الأنباء عما أسموه «تعاظم نسب الملحدين في السعودية»، ومنها معهد «جالوب»، وشبكة «سي إن إن الأمريكية»، التي نشرت تقريراً حول ما أسمته «العصر الذهبي للملحدين العرب»، حيث شكك النشطاء في حقيقة هذه الدعاوي أو حجم انتشرها، واعتبروا أنها «مشبوهة» و«كاذبة»، وتهدف إلى تشويه صور الإسلام وزعزعته في حاضنة الإسلام، وألمحوا إلى كونها مجرد دعوات «الكترونية» ومثل هذه المؤتمرات أيضا «تظاهرة الكترونية» لا حقيقية لها.
ماذا دار في أول مؤتمر للملحدين؟
بحسب رصد «الخليج الجديد» لحسابات بعض المغردين من الداعين والمروجين لمؤتمر الإلحاد بمكة، منهم «د. فاطمة الجهراء» و«محمد العبد الله» و«أساطير الأولين» و«بسام البغدادي»، فقد بدأ مؤتمر الإلحاد في مكة يوم 26 ديسمبر بعد وصول المشاركين، وتم الاتفاق علي «مرحلة الصمت الإعلامي» فور بدء المؤتمر الذي قالوا ضمنا أنه عقد في «إحدى الصالات».
وقالت منسقة المؤتمر «د.فاطمة الجهراء»، أن المؤتمر كان «شاقا»، ونوقشت فيه «الكثير من المواضيع الحساسة المطروحة على جدول العمل»، واختتمت فاعليات المؤتمر وأعلن أنه: «تم عودة آخر المشاركين من خارج #السعودية إلى وطنه بسلام وأمان وسيتم قريبا الإعلان عن نتائج #ملتقى_الملحدين_الأول_في_مكة».
ولوحظ أن هناك عدداً من المغردين والمشاركين من مسيحيي العراق، وشملت حسابات تحمل أسماء «يوسف الأشيقر» مسيحي، وله حساب علي فيس بوك منسوب لـ«الحزب الليبرالي العراقي»، إضافة إلى حسابات حملت أسماء «نيافة الشنب المقدس»، و«إليشيا وايت»، وغيرها.
وتبين – بحسب تغريدات أعضاء الملتقي الإلحادي الأول – أن الكلمة الافتتاحية تحدث فيها شخص يدعي «بسام البغدادي»، قالوا أنه تحدث للمؤتمر عبر «سكايب» ولم يحضر بشخصه، وفي كلمته أكد أن: «هناك ملحد في كل بيت في الشرق الأوسط» وفقاً لقوله، وأضاف: «نحن لا ندعو لشئ أكثر من العقلانية في الحياة وحق الناس في الاختيار»، و«نحن لا ندعو للعنف .. بل ندعو للحوار والسلام مع الجميع، ومن حق الجميع أن يفكر ويختار».
وقال أيضا «بسام البغدادي» الذي نالت مشاركاته تفاعلاً كبيراً: «الفرق بين الملحد والمؤمن إن الإلحاد خيار عقلاني»، وقال في إشارة إلى الإسلام: «الفكرة التي فشل البشر في تطبيقها خلال ألاف السنين لن تصبح صحيحة فقط لأننا نعتقد و نتمنى أنها صحيحة…الفكرة الفاشلة ستبقى فاشلة» بحسب قوله.
وتابع: «نحتاج للعمل مع بعض لوقف هذا الجنون الدموي الذي ولد في رحم النصوص الدينية ولا يزال يرضع من تاريخها».
وأضاف أحدهم والذي يسمي نفسه «عراقي»: أن «الملحدين دخلوا مكة بالفكر التنويري.. ولم يدخلوا بالسيف»، وعقب من يسمي نفسه «نيافة الشنب المقدس» بقوله: «لقاؤنا اليوم في مكة هذا المكان بالذات ليس تحدي كما يحب أن يعتقد البعض بل هو اختيار يحمل رسالة واضحة لمن يفهمها».
ولوحظ أن أغلب الحديث من جانب الحضور – بحسب التغريدات التي نشرت علي حساباتهم – دار حول التشكيك في الدين الإسلامي، والهجوم عليه حتى أنهم كتبوا علي صفحة «أساطير الأولين» عبارة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام، تتضمن أنه «يوم 10 يناير عام 630 ميلادية دخل محمد وجيشه مكة محاربا فيها التنوع الثقافي والفكري والعقدي وفارضا الشرع الشمولي الواحد الأوحد».
وقد تضمنت الورقة التي نشرت عن مناقشات يوم 26 ديسمبر بعنوان: «المجتمع المدني والضرورات الملحة» 6 أفكار هي بحسب ما قالوا: «نشر الفكر التويري ورفع الوعي المجتمعي – ردم الهوة الحضارية تمهيدا للمرحلة الانتقالية – القطيعة مع المفاهيم القطعية خيار لابد منه – نقد المرجعية الفكرية العربية والخيارات البديلة – النسبية ومفهوم الاختيار عند المجتمع – تعزيز مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان.
وقبيل المؤتمر قالت «فاطمة الجهراء» إنه «تم تجهيز الأسماء لهذا المؤتمر خلال سنة كاملة لذلك للأسف لا نستطيع تغيير قائمة المدعوين الآن»، وقالت صاحبة حساب «حفصة المكاوية» ويعتقد أنها إحدى المنظمات إن «نخبة رائعة من العقلانيين وصلت للتو لمكة وفي استقبالهم الدكتورة فاطمة الجهراء وأنا أهلا وسهلا بجميع المشاركين».
ونشر عدد من المشاركين على الهاشتاق الخاص بمؤتمر الملحدين في مكة صورا لقصاصات ورق كتب عليها عبارات إلحادية ومنها «أنا فخور كوني ملحدا» وصورت إحداها داخل الحرم المكي قبالة الكعبة المشرفة.
هجوم علي المؤتمر
وقد شن العديد من رواد مواقع التواصل هجوما حادا علي صفحات منظمي المؤتمر، ولم تسلم حملتهم من تعليقات المتابعين بين مستنكر ومشجع ومتهكّم على الفعالية والمنظمين لها، حيث قال أحد المعلقين على الخبر«أول مرة أسمع عن شخص يدعي أن كلامه حق وبيقوله بالخفاء، ليش بالخفاء؟ إذا أنت واثق من كلامك وقوله قدام هالعالم».
وتعرض منظمو المؤتمر إلى هجوم من متابعي «تويتر» وقال بعضهم لهم: «تتحدون المسلمين وتعقدون المؤتمر في مكة وتريدون أن نحسن الظن بكم؟».
وقال آخر «تصفون أنفسكم بالعقلانيين وألفاظكم بذيئة ومليئة بالشتائم على الإسلام والمسلمين.. قمة التناقض أن تريدوا مسح الأديان فقط والعيش بإباحية»، وأضاف ثالث قائلا: «في مكة؟! بجاحة وغباء فاحش..تذكرت أبرهة والفيل».
واستنكر آخرون اختيار الحملة، إذا ما ثبت صحتها من الأساس، لمدينة مكة المكرمة على وجه الخصوص، بقول أحدهم: «ليش (لماذا) ما يلتقون في الفاتيكان؟ الدعاوي كلها حرب على الإسلام»، وقال أخر في نبرة ساخرة: «ياليت يكون الملتقى في مكان عام كحديقة أو ملاهي عشان نفرج الأطفال عليكم ونصوركم».
التجاهل أفضل
واعتبر جانب كبير من المعلقين أن الخطأ الأكبر هو تسليط الضوء على هذه الدعوت، باعتبار أن الحل الأمثل هو تجاهل تلك الدعوات المضادة للدين والتي لا تتحرج في إعلان الحرب على الإسلام في عاصمته.
وغرد سعوديون على هاشتاق #ملتقى_الملحدين_الاول_في_مكة، داعين لتجاهله مثل «عماد المديفر» الذي دعا في تغريدة به لتجاهل هذه الدعوات الكاذبة، وقال أن هذا الإعلان «يأتي لخلق بلبلة في الرأي العام والإساءة لـ #مكة شرفها الله وللسعوديين عامة».
وشككوا في الأرقام التي تعلنها صحف ومراكز إحصاء غربية مثل دراسة أعدها معهد «جالوب» الدولي في أبريل 2014، ذكرت أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9 % من مجموع عدد سكان المملكة، وقال أحدهم: «صحف تل أبيب تحتفي بهذه المعلومات تحت عنوان:موجة إلحاد تضرب السعودية»، وقال آخرون: «هذه النسبة لا يمكن التأكد من صحتها».
انتشار إلكتروني
وفي حوار سابق مع المنصّر المصري الشهير «زكريا بطرس» مالك ومدير قناة «الحياة»، مع أحد المواقع التبشيرية، حيث سأله المحاور: «كيف ندعم التنصير من وجهة نظرك في السعودية ودول الخليج؟»، فرد بطرس قائلاً: «الرب عامل حاجات (بمعني سخّر أشياء) ما كانت تخطر على البال، يعني أنا في يوم من الأيام تمنيت أن أذهب إلى السعودية كي أخدم (يقصد ينصّر)، فجهّزت جواز سفر وكتبت زكريا بطرس بدون ألقاب، وحاولت مراراً أن أسافر إلى السعودية كي أغزو المكان ولكن لم أتمكن من ذلك».
وأضاف: «فلما جاءت التكنولوجيا والانترنت وعملوا ”البال توك“ دخلنا السعودية، بل دخلنا إلى قلب (مكّة)، و(المدينة غير المنوّرة)، ولنا ناس في مكة، فهناك مسيحيون سعوديون، وقد جلست أحاور شيخاً أستاذاً في جامعة فيصل في مكّة لمدة يومين على الـ”بال توك”…إلخ».
نفس المحتوى تقريباً أكد عليه «ملحد سعودي»، الذي أكد في تدوينات له أنه «يجري نشر الإلحاد بين الشباب السعودية والخليجي عبر الانترنت بصورة أساسية»، وخصوصا مع ظهور مواقع التواصل فيس بوك وتويتر وغيره،إضافة إلى مواقع وغرف المحادثات، وزعم – بحسب حسابه علي فيس بوك – أن «هناك خلايا ملحدة نشطة من خارج وداخل السعودية تتحرك بهدوء وتسعى جاهدة لترويج فكر الإلحاد بين الشباب السعودي، وتركيزها بشكل أساس على مواقع التواصل الاجتماعي، ومقاهي الإنترنت، والفنادق الكبيرة، ومنهجها تكبير الأخطاء التي تحدث في المجتمع، وتقليل قيمة الدين ومن يتبعه».
ولهذا شكك كثيرون في داخل وخارج المملكة في دعاوى عن عقد ملتقي يضم 300 شاب وفتاة من الملحدين في مكان واحد بمكة، وقالوا أنها مجرد دعوة مشبوهة وكاذبة، وأن أقصي ما يستطيع فعله هؤلاء الداعون لهذا المؤتمر، هو الالتقاء علي توتير وفيس بوك للتعبير عن آراءهم المثيرة للجدل في المملكة، مثلما فعل المنصرون الذين قاموا بتدشين ما أسموه «كنيسة مكة» علي الانترنت والفضاء الالكتروني لعدم قدرتهم علي هذا في أرض الواقع.
وقالوا أنه لا يمكن التيقن من حقيقة أن من يعلنون إلحادهم هم بالفعل من السعوديين أو المسلمين، إذ يسهل تقمص أي أسم وأي شخصية علي مواقع التواصل، وسبق أن كشفت تقارير إسرائيلية صحفية عن أن بعض الفتيات المحاورات للشباب العربي في مواقع الشات هن في الحقيقة «ضباط رجال» من المخابرات الإسرائيلية بهدف التجنيد أو جمع المعلومات، وأن هؤلاء الذين يروجون للإلحاد على مواقع التواصل الاجتماعي أغلبهم يستخدمون هويات مستعارة أيضا ولا يمكن التحقق من هويتهم ولا التحقق من أنها تعود بالفعل لسعوديين.
صحفي وهمي بجريدة الرياض
وأبرز مثال علي هذا، كما نوه مغرد سعودي، هو أن أحد الملحدين الداعين لمؤتمر مكة، ويسمي نفسه «محمد العبد الله» ادعي أنه صحفي بجريدة «الرياض» وعضو الجمعية العمومية لمؤسسة اليمامة الصحفية وعضو هيئة الصحفيين السعوديين، وذكر في حساب على «توتير» أن صحيفة «الرياض» كلفته بتغطية ما سماه «ملتقى الملحدين» الأول بمكة، واضعاً صورته في الحساب المذكور،والذي تبين أنه شخص وهمي لا وجود له.
وقد أصدرت جريدة «الرياض» بيانا أكدت فيه أنه لا يوجد محرر لديها بهذا الاسم ولا بالشخصية التي ظهرت صورته في حسابه على «توتير»، وقالت أيضاً أنه ليس عضواً في الجمعية العمومية لمؤسسة اليمامة الصحفية أو في هيئة الصحفيين السعوديين، واستغربت مثل هذا التصرف، واحتفظت بحقها القانوني في ملاحقة هذا الشخص حسب نظام مكافحة جرائم المعلوماتية بالسعودية.
ثم كشف نشطاء ومغردون أن الصورة التي وضعها حساب الملحد المزعوم «محمد العبد الله»، هي صورة مزيفة، وأنها تعود لشاب متوفي يدعي «حسن بن الشيخ أمني الوقفي»، ما ما جعل أحد المغردين يصف تصرفه أنه: «كذب وغباء وعفن .. لا عهد لهم ولا ذمة».
وقد اضطر «الملحدون» إلى إصدار بيان ينفون فيه صلتهم بهذا الصحفي ويؤكدون تزويره لصورته، ويتبرؤون منه، رغم تأكيدهم أنه اتصل بهم للحصول علي معلومات المؤتمر.
أيضا شكك نشطاء في الفتاة التي روجت للمؤتمر وتدعي «د. فاطمة الجهراء»، وفي عقد المؤتمر في مكة برغم حرصها علي نشر صور لورقة مكتوب عليها «عقلانيون» من سيارة وهي تسير في بعض مدن المملكة، كما هو الحال برفع ورقة مكتوب عليها «ملحد وأفتخر» من داخل الكعبة.
وأعلنت السعودية إنشاء مركز لمكافحة الإلحاد باسم مركز «يقين» عبر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتحت إشراف الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان.
وسيقوم مركز «يقين» بتحليل الخطاب الإلحادي المعاصر الموجه إلى الشباب، والتواصل مع المتأثرين بالنزعة ومحاورتهم لإقناعهم بالرجوع إلى الحق، وإنتاج الأفلام والمقاطع المرئية والصوتية التي تعالج الفكر، وإنشاء المواقع الشبكية المتخصصة في نقض الأطروحات الإلحادية .
الخليج الجديد