بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سكوت أصوات المدافع في قطاع غزة وحوله، تسير إعادة إعمار غزة بعد الحرب بخطى بطيئة جداً، وتعثرت الخطط لقيام مستقبل أكثر تفاءلاً، ويبدو أن حصول تصفية حسابات عملاقة أخرى مسألة وقتٍ لا غير. وقد أخبرني رئيس سابق رفيع المستوى في الاستخبارات الفلسطينية في مدينة رام الله: “سوف تتفجر الأوضاع. ولكن، لا أحد يعلم إذا كان هذا التفجر سيكون موجهاً نحو مصر أو إسرائيل أو السلطة الفلسطينية أو «حماس»”.
ويزداد اضطراب سكان قطاع غزة أكثر فأكثر فيما تزداد الأوضاع فيه سوءاً، بسبب استمرار المواجهة بين «حماس» و «فتح» بشأن المصالحة الفلسطينية. فذلك كان الاتفاق الذي أنهى القتال في أواخر آب/أغسطس – تحقيق المصالحة كشرط مسبق لإعادة الإعمار – وهو الاتفاق الذي وافقت عليه ظاهرياً جميع الأطراف المعنية – «حماس» وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأمم المتحدة.
وقد اقتضى الاتفاق بأن يتم استبدال سبع سنوات من سيطرة «حماس» على غزة بصورة تدريجية بالسلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها «فتح» وأن تتدفق إلى غزة مليارات الدولارات في صورة مساعدات من جهات مانحة، وأن يتحرر شعب غزة من حكم منظمة مصنّفة دولياً على أنها إرهابية (ومن الحاجة المستمرة لقيام حصار إسرائيلي ومصري على القطاع). أو تلك كانت الفكرة على الأقل.
لكنّ جميع هذه الخطط معلقة الآن فيما تنخرط «حماس» والسلطة الفلسطينية في لعبة “الدجاج السياسي” [وفقاً للمصدر باللغة الانكليزية] وتعني “المخاطر السياسية” أو “التنافس على القيام بنشاط قد يتسبب بضرر كبير جداً ما لم ينسحب أحد الفريقين”، حيث يحاول كل منهما مواجهة الآخر، وهو واقع أكدته لي محادثاتي طوال الشهر المنصرم مع ما يقارب من أربع وعشرين مسؤولاً إسرائيلياً وفلسطينياً (من حركتي «فتح» و «حماس» على حد سواء) ودبلوماسيين دوليين ومصادر غير حكومية مقرها في إسرائيل والضفة الغربية، حيث طلب بعضهم عدم الكشف عن هويته ليتمكن من التكلم بحرية أكبر.
وكان الإيمان بالقضاء والقدر الذي عكسه كلا جانبي الشقاق الفلسطيني من أكثر ما فاجأني في هذه المحادثات. فقد اعتبر أحد المتحدثين أن الوحدة الوطنية تُعتبر ضرورة للشعب الفلسطيني – ومع ذلك فإنّ الرفاهية الفعلية لأولئك الفلسطينيين الذين يسكنون في غزة اعتبرت على ما يبدو ثانويةً وجاءت بعد اعتبارات سياسة القوة.
لقد نظرت حركة «فتح» إلى اتفاق المصالحة الذي أبرمته مع خصومها الإسلاميين في نيسان/أبريل الماضي ومن ثم مجدداً في أيلول/سبتمبر على أنه استسلام من قبل «حماس» التي كان يضعف حكمها على غزة إثر القيود الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الحكومة الجديدة التي يقودها الجيش في مصر. ولم يتفاقم الوضع سوى بعد دخول الطرفين في حرب دامت حوالي الشهرين في الصيف الماضي والقمع المتجدد من القاهرة على أنفاق التهريب المتبقية التي تربط غزة بشبه جزيرة سيناء (وهي شريان حياة رئيسي للقطاع ولحركة «حماس»).
وهكذا، مال اتفاق المصالحة الأولي بشدة لصالح «فتح»، وبالأخص لصالح حكومة “الوفاق الوطني” الجديدة التي تم تكليفها في حزيران/يونيو وتشمل وزراء أساسيين يُعتبَرون مطواعين لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وكما أخبرني مؤخراً عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» نبيل شعث: “تبكي «حماس» طلباً للمساعدة من شدة ضعفها؛ فهي تحتاج إلى الوحدة”.
هنا كان يُفترض تدخُّل حكومة “الوفاق الوطني”، بصفتها الوسيط الشرعي الوحيد لجهود إعادة الإعمار التي يبذلها المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد، قال مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة مقره في القدس وضالعاً بعمق بإنشاء إطار مرحلة ما بعد الحرب: “إنّ حكومة السلطة الفلسطينية هي الطريقة العملية الوحيدة لتغيير الديناميات في غزة. وذلك لن ينجح دون وجود السلطة الفلسطينية في غزة”.
لقد وافقت جميع الأطراف، بما فيها «حماس» على أنّه يتعين على السلطة الفلسطينية العودة إلى القطاع – لكي تتولى أولاً السيطرة على المعابر الحدودية والوزارات الحكومية هناك، بما في ذلك المراحل الأولى من ترشيد القطاع العام المتضخم (الذي يتضمن من الناحية النظرية موظفين حكوميين تابعين لكل من «حماس» و «فتح»). لكنّ السلطة الفلسطينية لم تفعل أياً من هذه الأمور طالما تقاوم «حماس» التنازل عن السلطة.
ووفقاً لمسؤول مالي رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، كان اتفاق تولّي الحكم في غزة “خطأً استراتيجياً”. وقال، كان من السابق لأوانه الإعلان عن هذه النوايا – ورفع آمال الناس وتوقعاتهم – قبل أن تتنازل «حماس» عن السلطة ليس فقط رمزياً، بل فعلياً أيضاً.
لقد كلّف عباس نفسه حركة «حماس» بالاستمرار بإدارة “حكومة ظل” في غزة، وقد أخبرني أحد المسؤولين رفيعي الشأن في “جهاز الأمن الوقائي” الفلسطيني يقيم في رام الله أنّهم “لن يكرروا نموذج «حزب الله» [اللبناني] في غزة”، والذي أبقت بموجبه إحدى الفصائل على ميليشيا هائلة خارج سيطرة الحكومة المركزية. وطرح هذا المسؤول السؤال التالي افتراضياً: “كيف تتوقع مني أن أذهب للعمل في قطاع غزة بينما تتقدم عليّ «كتائب القسام» [الجناح العسكري النخبة لحركة «حماس»] سواء من حيث السلطة أو الأسلحة؟”
وفي حديثنا أصر نبيل شعث على أنّ تردد السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بغزة كان قائماً على مثل هذه الاعتبارات العملية. وقال: “لا يريد عباس أن يصبح شرطياً على الحدود. نحن بحاجة إلى إعادة التوحد في ‘قلب’ غزة وليس في حدودها الخارجية فحسب”. ولكن، إذا وضعنا الجوانب العملية جانباً، فهؤلاء المسؤولون في رام الله بيّنوا عن خيانة بإظهارهم قدرٍاً من الغبطة تجاه أوضاع «حماس» المتردية، حيث “وجدوا أنفسهم محاصرين” كما قال أحدهم، “في مثلث غزة” و “غارقين” في أمطار الشتاء القادم.
وقد لخص رئيس الاستخبارات رفيع المستوى السابق الموضوع بصورة مجازية قائلاً: “ذهب عباس إلى المسجد ليصلي، لكنّه وجد باب المسجد مغلقاً”. أو بتعبير آخر، كان عباس عازماً كل العزم على أن يصلي، لكنّ الخطأ يقع على باب المسجد (أي حركة «حماس»).
لا داعي هنا للتذكير أنّ مسؤولي «حماس» ينظرون إلى الأمور بطريقة مختلفة. فقد سلّط أحد هؤلاء المسؤولين، محمد طوطح، الضوء في صورته الإستعارية الخاصة على الحاجة إلى نزول جميع الأطراف عن أشجارهم لوضع حد لهذه المواجهة. وتابع بالقول: “لكنّ «حماس» سبق أن نزلت عن شجرتها. ونحن على الأرض”.
وكان قد أطلق سراح النائب من حركة «حماس»، طوطح – الذي أصله من القدس – من السجون الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر. غير أن معظم زملائه من «حماس» لم يحالفهم هذا القدر من الحظ. إذ كانت مكاتب «حماس» البرلمانية في رام الله، حيث التقيت بطوطح، شبه مهجورة – ويعود ذلك نتيجة حملة اعتقال إسرائيلية واسعة النطاق تمت في حزيران/يونيو في أعقاب اختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين من قبل خلية تابعة لـ «حماس» في الضفة الغربية. أما إولئك المسؤولين والنشطاء التابعون لـ «حماس» الذين لم يعتقلهم الجيش الإسرائيلي، فتنهي عليهم الآن قوات أمن السلطة الفلسطينية التي تقوم هي أيضاً بحملة قمع واسعة خاصة بها. وفي الأشهر الثلاث الماضية وحدها اعتقلت السلطة الفلسطينية حوالي 300 عضو تقريباً من «حماس» في الضفة الغربية.
وبالنسبة إلى «حماس»، يتعارض هذا السلوك مع كل من روحية اتفاق المصالحة ونصه – وهو الاتفاق الذي ينادي بإعادة إحلال “الحريات العامة” لنشاطات حركتي «حماس» و «فتح» في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على التوالي. ومع ذلك، لم تكن «حماس» بريئة هي أيضاً. فيُعتقد على نطاق واسع أن وزارة الداخلية في غزة، وهي جهاز تابع لحركة «حماس»، هي المسؤولة عن سلسلة من التفجيرات التي وقعت في الشهر الماضي واستهدفت منازل ومكاتب اثني عشر من أعضاء «فتح» في غزة. وفي حين لم يُصب أحد بجراح، وذلك عمداً على الأرجح، إلاّ أنّه قد تم بعث الرسالة [المطلوبة]. وبعد مرور بضعة أيام على التفجيرات، أخبرني مسؤول آخر رفيع المستوى من «حماس» في الضفة الغربية يعمل كوسيط بين جماعته والسلطة الفلسطينية: “الجو سامّ”.
إن وزارة الداخلية في غزة ليست مستثناة من ذلك. فبينما حلّت «حماس» رمزياً حكومتها في القطاع في الصيف الماضي، ما زال الموظفون التابعون لها يشغلون معظم المناصب على أرض الواقع وصولاً إلى مستويات نواب الوزراء. بالإضافة إلى ذلك، تشير مصادر في غزة إلى أنّ «حماس» لا تزال تفرض ضرائب على التجار المحليين وتدير نقاط تفتيش بالقرب من المعابر الحدودية الرسمية وتطالب بتراخيص مسبقة من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة على الأرض، من بين مطالب أخرى.
وبعبارة أخرى، لا تزال «حماس» تمارس سلطةً مؤسسية في القطاع، وإن كانت تتغنى خطابياً بسيطرة السلطة الفلسطينية بصورة شاملة. وفي هذا الصدد قال وسيط حركة «حماس»: “لا أحد يمنع حكومة [السلطة الفلسطينية] من العودة” إلى غزة. ولم يرفض أحد في غزة أمراً من الحكومة. هل حاولت [حكومة السلطة الفلسطينية] القيام بشيء ورفض لها؟ أعطوهم أوامر واختبروا ما سيحصل!”. وفي الواقع لم تكن السلطة الفلسطينية قد اختبرت الموظفين الحكوميين التابعين لـ «حماس» في غزة – غير أنه يرجح أنّ ذلك لا صلة له بالموضوع. وفي الوقت نفسه جادل الوسيط قائلاً إنّه لا يمكن حل أو استبدال وزارة الداخلية، شأنها شأن أجهزة الأمن الأخرى التابعة لـ «حماس» في غزة. وحذّر قائلاً: “سوف يصبح هناك فراغ. فالآن تتحكم «حماس» بزمام الأمور وليس هناك صواريخ [تُطلق على إسرائيل]. الحركة تصون الأمن… نحن بحاجة لمشاركتها في الحكم”.
وإذا بدا ذلك وكأنه تهديداً، فمن المرجح أّنّه كان متعمداً. فبالنسبة لـ «حماس»، لم يُثمر مسار المصالحة السياسي عن النتائج المتوخاة. وإذا نحّينا جانباً مسألة غزة وآلية إعادة الإعمار التي تقودها السلطة الفلسطينية، لم يتحقق أمل الجماعة الإجمالي المتمثل بـ “علاقة بين شركاء”، كما أعرب عن ذلك محمد طوطح. وقد دعا اتفاق المصالحة إلى إعادة اجتماع “المجلس التشريعي الفلسطيني” الذي تتمتع فيه «حماس» بأغلبية المقاعد – وهذا ما لم يحدث. إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب الصيف الماضي قد دعا إلى عقد جولة ثانية من المحادثات غير المباشرة بين «حماس» وإسرائيل في القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر – وهي خطوة علقت الحكومة المصرية تنفيذها إلى أجل غير مسمى بسبب حالة عدم الاستقرار في سيناء (تلك الحالة التي تلقي القاهرة باللوم على حصولها على المتشددين في غزة الذين تساعدهم «حماس»).
إن المكسب الوحيد الذي يمكن القول إنّ «حماس» قد انتزعته هو دفع جزء من الرواتب إلى الموظفين الحكوميين المدنيين التابعين لها (غير العاملين في شؤون الأمن)، وحتى ذلك تم على أساس مؤقت عبر مساعدة قطرية وشاحنات مدرعة من طراز “برينكس” نقلت المال مادياً من الأردن إلى غزة عن طريق إسرائيل. وقد أخبرني المسؤول الرفيع المستوى من الأمم المتحدة في القدس الذي ساعد على تسهيل عملية الدفع في تشرين الأول/أكتوبر، أنّه لم يكن لديه أي نيّة في أن يكرر مثل هذه العملية المعقدة في المستقبل – حيث صرّح بشكل قاطع: “كان ذلك حدثاً حصل لمرة واحدة”.
ولربما الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنّ إسرائيل، من بين جميع الأطراف المعنية، أظهرت أكبر قدر من المرونة تجاه استمرار «حماس» في حكم قطاع غزة. فبالإضافة إلى الإذعان لدفع الرواتب، بدأت إسرائيل بتخفيف القيود المفروضة على مواد البناء وغيرها من السلع التي تدخل الأراضي، وعلى منتجات معينة (السمك والخيار) وعلى الأشخاص الذين يخرجون منها. كما أعطت إسرائيل موافقتها على قيادة الأمم المتحدة لآلية تفتيش مفصلة لإعادة الإعمار، الأمر الذي كما ذُكر سابقاً، لم يبدأ بعد بشكل جدي نظراً لغياب السلطة الفلسطينية على الأرض. وقال المسؤول رفيع المستوى من الأمم المتحدة: “لا يمكنني القول إنّ إسرائيل هي السبب في عدم حصول أي تقدم [في إعادة الإعمار] في الوقت الراهن”، وهو شعور مشترك بين عدد من الدبلوماسيين الأجانب الآخرين الذين تحدثت إليهم في القدس.
وفي أعقاب خمسين يوماً من إطلاق الصواريخ من غزة، من الواضح أنّ إسرائيل تقدّر الحاجة إلى الاستقرار في قطاع غزة الساحلي ومنه أيضاً، وبالتالي يمكن فهم التحول الهام الذي أحدثته في سياستها. ويبقى السؤال الوحيد هو كيف يمكن تحقيق ذلك وسط انعدام الإرادة من السلطة الفلسطينية. وإذا استمر الوضع بالتقدم في مساره الحالي، حسبما أخبرتني ضابطة استخبارات إسرائيلية مخضرمة متخصصة في شؤون الفلسطينيين: “فالحرب التالية ستحصل لا محال، وما هي إلا مسألة وقت”، وأضافت: “تم تردع «حماس» في الوقت الحالي، ولكن، إذا لم يعد لديها ما تخسره، فمن ثم …”، وهكذا أنهت الجملة.
ويستخدم مسؤولي «حماس» أنفسهم نفس لغة التهديد، حول عدم وجود أي شيء ليخسروه، وحيث أنّ “هناك خيارات يمكننا التفكير فيها” كما أخبرني طوطح، إذا لم تتوانَ الأطراف الأخرى المعنية بإطار عمل ما بعد الحرب. وماذا عن التزامات «حماس» وتنازلاتها؟
لم يكن لدى الشيخ محمود مصلح، وهو القائد رفيع المستوى من «حماس» في الضفة الغربية الذي تحدثت إليه، أي أوهام بشأن الهدف من الضغط الجديد على جماعته. فأشار قائلاً: “ما يسعون إليه هو إنهاء قوة «حماس» العسكرية في قطاع غزة. هذا هو العائق الرئيسي [الذي يقف في وجه المصالحة]”. وعندما استفسرت عما إذا كانت جماعته ستنظر في إلقاء سلاحها من أجل توفير رفاهية أكبر لشعب غزة، كان جوابه قاطعاً: “هذا مستحيل”.
وهكذا تستمر المواجهة بين حركتي «حماس» و «فتح» والتي تجري في معظمها كلامياً بين أبناء الشعب الفلسطيني (في ما خلا من الاعتقالات والقصف الغريب). وتشكل لعبة اللوم العلنية جداً حول الجهة المسؤولة عن غزة مجازفة محفوفة بالمخاطر وساخرة يلعبها كلا الطرفين. ومع ذلك، يبدو أنّ كلا الجانبين يخشيان الخيارات المحتملة الأخرى بصورة أكثر. فقد أخبرني وسيط «حماس» في لحظة نادرة من الإدراك الذاتي: “في النهاية، سوف يلقي الناس اللوم على [كلا الطرفين] وسوف يلحق ذلك الأذية بكل من «حماس» و «فتح». وسيضر ذلك إسرائيل لأنه سيكون هناك تصعيداً آخر”.
وفي هذا الصدد، فإنّ خيارات «حماس» محدودة من الناحية النظرية. وفي المرة الأخيرة لم تكن المصالحة الفلسطينية تسير على ما يرام، في حزيران/يونيو المنصرم، حيث استجابت «حماس» عبر اختطاف وقتل المراهقين الإسرائليين الثلاثة في الضفة الغربية وتصعيد ذلك ليصبح حرباً أوسع مع إسرائيل في غزة. لقد سبق أن أطلقت «حماس» رصاصة الخيار الثاني (حرفياً)، لكنّ ذلك لا يعني أنّها لن تحاول أن تصرف مجدداً الانتباه عن أوجه قصورها الخاصة من خلال القيام بأعمال عسكرية. وبالتالي، من المتوقع الآن أن يحصل “تفجُّر” من نوع ما، وذلك بعد بضعة أشهر فقط على انتهاء الحرب الأخيرة.
وبينما كنت أهمُّ بالانصراف من لقائي مع الشيخ مصلح الشهر الماضي، كان التلفزيون في مكاتب «حماس» في رام الله يعرض صوراً للهجوم الإرهابي الوحشي الذي حصل صباح ذلك اليوم على كنيس في القدس، الذي أودى بحياة خمسة إسرائيليين. ومع أنّ ذلك لم يكن عملية قامت بها «حماس»، غير أنّ الشيخ كان شديد التعبير عن آرائه في هذا الخصوص. فعلق قائلاً لأحد معارفه القدامى وهو يبتسم ابتسامةً عريضةً: “قلت لك إنّ انتفاضةً ستحصل”. وتذكرتُ عندئذٍ ما كان قد قاله قبل ذلك بلحظات، عندما ضغطتً عليه ليخبرني ما هي الخيارات المتاحة الملموسة لمنظمته المحاصرة اذا باءت جهود المصالحة بالفشل. فأجاب بهدوء: “الحل هو حلنا: المقاومة”.
نيري زيلبر هو باحث زائر في معهد واشنطن.