بعد 4 سنوات من الموت والدمار والانفلات الأمني والأزمات الاقتصادية الخانقة، ينظر السوريون إلى أعياد الميلاد ورأس السنة بكثير من الحزن وكانت أغلب الاحتفالات، يغطى عليها لون الدم الذي انتشر في مختلف ربوع الأرض السورية بعد أن فقدوا الأمل في أن يكون العام الجديد المقبل أفضل من الأعوام الـ4 التي سبقته.
واقتصرت الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد على الصلوات في الكنائس وأماكن العبادة »نظرًا لما يمر به الوطن من أحداث وإكراما لشهداء سوريا الأبرار الذين رووا ثراها الطاهر بدمائهم الزكية»، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.
ومع ذلك فهناك من قرر أن يعيش طقوس العيد بالحد الأدنى «كي لا ينسى أطفالنا معنى الفرح»، بحسب تعبير فادي خ. الطالب الجامعي (20 عامًا) الذي ينشط ضمن جمعية شبابية تابعة لإحدى الكنائس في حي القصاع ذي الأغلبية المسيحية، ويقول فادي خ: «فقدنا الكثير من الأحباء خلال الأعوام الـ4 الماضية، وفقدنا أيضا الشعور بالفرح، وبات الاحتفال بالعيد من الذكريات، لكن ما ذنب الأطفال الذين وُلدوا قبيل أو أثناء الحرب؟»، ويشير إلى أن هذا السؤال راوده ورفاقه وقرروا أن يقوموا خلال العيد بارتداء ملابس بابا نويل والتجول في الشوارع، لتوزيع هدايا رمزية على الأطفال.
أما ر.ن. صاحبة محل هدايا بالقصاع، التي زينت واجهة محلها بألعاب العيد، فترى أن العيد يمر حزينا، والزينة التي وضعتها في محلها ليست ابتهاجا بالعيد بقدر ما هي وسيلة للترويج والبيع، لأن السوق تشهد ركودا كبيرا، وتقول: «أرباح المحل شهريا لا تغطي حتى أجرة المحل البالغة 400 دولار تقريبا».
وتتابع بقولها: «ننتهز المناسبات لكي نشجع الناس على الشراء، لكن ذلك يتم بصعوبة ويكاد يقتصر على الذين أثروا من الحرب، فالأب الذي كان يشتري هدايا لكل أبنائه بات يكتفي بشراء بعض الشوكولاتة، أو السكاكر، فاللعبة التي كان سعرها 200 ليرة سوريا، أي تقريبًا 4 دولارات قبل 4 سنوات، يتجاوز سعرها الألف ليرة الآن».
وسجلت الليرة السورية في الشهر الأخير من العام الحالي تراجعا أمام الدولار بعد أن شهدت استقرارا نسبيا خلال الشهور الماضية، ووصل سعر الدولار إلى 210 ليرات في دمشق، بينما وصل في مدن سورية أخرى إلى 218 ليرة، الأمر الذي انعكس على الأسعار بشكل كبير، ويقول عماد ج. من سكان جرمانة جنوب شرقي العاصمة إنه لم يتمكن من شراء ملابس العيد لأطفاله الـ4. واكتفت زوجته بحياكة كنزات صوف بالسنارة كي لا يحرموا أطفالهم بهجة الملابس الجديدة، أما الشجرة فقد تخلى منذ عدة سنوات عن تقليد شراء زينة جديدة، وقد قاموا بتزيين الشجرة القديمة وإضاءتها بالبطارية نظرا لانقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم.
ويقول: «منذ عامين لم نزين الشجرة، وقد زيناها هذا العام بالأضواء، فقط من أجل بث التفاؤل، لأن التفاؤل هو ما تحتاجه سوريا اليوم لتجاوز المحنة التي تعيشها».
وبينما تشعر الغالبية العظمى من السوريين، لا سيما المسيحيين، بالأسف من الحال التي وصلت إليها البلاد، يسعى البعض للتغلب على تلك المشاعر بالإصرار على اجتراح الابتهاج بالعيد وتقول ليليان.ع: «نريد أن نعيش العيد اليوم، لأننا لا نعرف إن كنا سنكون أحياء العيد المقبل، فالجميع يموت هنا».
وليليان خطيبة شاب متطوع في جيش الدفاع الوطني وتخطط مع خطيبها لحضور حفلة رأس السنة في «الاب تاون»، الذي افتتح العام الحالي، في مشروع دمر، غرب العاصمة. – بحسب مانشره الشرق الأوسط-.
وتتراوح أسعار حفلات الميلاد ورأس السنة في سوريا هذا العام بين الـ10 آلاف (50 – 100 دولار) والـ20 ألف ليرة، ويحيي الحفلات مطربون محليون، بينما يغيب نجوم الغناء السوري، بعد أن غادر غالبيتهم البلاد، حيث يحيون حفلاتهم في الخارج، لا سيما لبنان والإمارات والأردن والمغرب.
وتجهد حكومة النظام السوري في تشجيع الاحتفالات بالعيد تحت يافطة «تشجيع السياحة»، للإيحاء بأن النظام لا يزال قويا، وقد جرى الاحتفال بإضاءة شجرة الميلاد في فندق «داما روز» المستثمر من قبل رجال أعمال مقربين من النظام بالشراكة مع وزارة السياحة، بحضور وزير السياحة بشر يازجي، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، والسفير البابوي في دمشق المطران ماريو زيناري والمطران لوقا الخوري النائب البطريركي العام لطائفة الروم الأرثوذكس، وعدد من رجال الدين المسيحي. وتم خلال الحفل «توقيع أطول رسالة وفاء للوطن».
واعتبر وزير السياحة بشر يازجي إضاءة الشجرة تأكيد على «تمسك السوريين بالسلام والمحبة فيما بينهم ونشر رسالة السلام».
وبعد يومين، أقامت وزارة السياحة معرضا للمأكولات الشرقية بمشاركة عدد من الفنادق والمطاعم الدمشقية بفندق «(داماروز) ضمن إطار الترويج للمطبخ السوري ودوره السياحي»، بحسب تعبير وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
وقال وزير السياحة بشر يازجي: «المعرض سيقدم المأكولات للأسر المحتاجة وأسر الشهداء وفق جدول زمني تم إعداده مسبقا، وهو نوع من التشاركية بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص الذي أسهم بتطوير أصناف الأطعمة السورية».
ومن جانبها، بينت مي الصلح مديرة سياحة دمشق أن «المعرض سيقدم سلالا غذائية لأسر جرحى وشهداء الجيش العربي السوري، إضافة إلى الأسر المقيمة في مراكز الإقامة المؤقتة». أما في حمص، فوحدها شجرة الميلاد تكسر بقماشها الأخضر وزينتها الحمراء رتابة اللون الرمادي الطاغي على الواجهات المدمرة للأبنية المحيطة بها في حي الحميدية في حمص، الذي يحتفل للمرة الأولى منذ 3 سنوات بعيد الميلاد، بعد عودة بعض سكانه إليه.
ويقدم قادة الدول، وكبار السياسيين في العالم، في نهاية كل عام رسائل وخطابات يتحدثون فيها عن أهم إنجازاتهم خلال السنة المنصرمة، ومن الملفت للانتباه أن هؤلاء القادة، والسياسيين، الذين يزعمون أنهم أصدقاء سوريا وشعبها، وخاصة قادة الدول الكبرى في الشرق والغرب، يجمعون على أنهم حققوا خلال عام 2013 إنجازات كبيرة وهامة على صعيد السياسة الدولية، ولا سيما في المسألة السورية.
وإذا تمعنا في اللوحة السورية بإمعان نجد النزيف الدموي مستمراً فيها منذ حوالي ثلاث سنوات، وقد كلفها ما يربو عن مائة وخمسين ألف شهيداً، وأكثر من نصف مليون جريحاً ومصاباً، وعشرات آلاف المعتقلين والمخطوفين، وحوالي ثمانية ملايين نازحاً ومهجراً داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن الدمار الكبير في المساكن، والمستشفيات، والمعامل والمزارع، والبنية التحتية التي تتجاوز قيمتها مائة مليار دولار.