كتب مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية في القاهرة، باتريك كينغسلي، في مقاله الأخير، يقول: بعد أن أطاحت الثورات في مصر، ليبيا وتونس بثلاثة حكام مستبدين منذ ما يقرب من أربع سنوات، تميز العام 2014 بالعودة لمفهوم قيادة الرجل القوي.
في مصر، كما يرى الكاتب، كانت هذه العودة أكثر وضوحا، حيث انتخب قائد الجيش السابق، عبد الفتاح السيسي، رئيسا للبلاد في مايو استكمالا لمخطط استيلائه على السلطة الذي بدأ قبل 10 شهرا عندما أطاح بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، وكل هذا جرى في ظل حملة قمع متواصلة على جميع أطياف المعارضة وبدعم مكشوف من الأذرع الإعلامية للانقلاب.
ومع عدم وجود برلمان، سيطر السيسي على السلطة التنفيذية بشكل كامل، وقد استخدمها لاتخاذ قرارات إدارية مفاجئة -خفض الدعم على الوقود وتوسيع قناة السويس- وكذلك لتعزيز القبضة الأمنية.
وصار للجيش ولاية قضائية على مساحات شاسعة من الفضاء العام، بما في ذلك الطرق والجامعات، بعد صدور مرسوم رئاسي في خريف هذا العام. وعلى هذا، فالجماعات الحقوقية الآن ملزمة الآن بالموافقة على تحكم الدولة في تمويلها وأنشطتها أو مواجهة إغلاقها.
اعتقل حتى الآن على الأقل 16 ألف مصر خلال 18 شهرا الماضية بتهم مسيسة وحوكم المئات منهم في محاكمات جماعية، كما مُسحت التهم الموجة للدكتاتور المخلوع مبارك ورجاله في أعقاب الإطاحة به.
ورأى الكاتب أن ارتفاع موجة التسلط تحظى بتأييد بين فئات من الشعب تعبت من الثورة ومتخوفة من المد “الإسلامي المتشدد” الذي مزق دولا عربية أخرى. وقد تعهد 17 من رؤساء تحرير صحف تابعة للدولة وخاصة، بشكل جماعي، في نوفمبر الماضي بتجنب انتقاد السلطة.
ومثل هذه العقلية، وفقا للكاتب، تبدو مدفوعة، جزئيا، بوجود تهديد حقيقي من “المتطرفين” في صحراء سيناء، وبايعت مجموعة جهادية في سيناء، أنصار بيت المقدس، داعش في نوفمبر الماضي إثر مقتل 30 جنديا في هجوم محلي على الجيش المصري هو الأكبر من نوعه. ومثل هذه الهجمات تعزز عملية إعادة تأهيل السيسي على الساحة الدولية، حيث يعامل الزعماء الأجانب السيسي كما فعلوا مع مبارك: حليف أساسي في المعركة ضد التطرف في المنطقة.
وفي ليبيا، البلد المجاور، لم يحقق “الجنرال القوي” الآخر نجاحا كبيرا. فمنذ عام 2011، مكَنت سهولة الحصول على الأسلحة وضعف مؤسسات المجموعات الإسلامية المسلحة من البروز والتفوق. وفي مايو عام 2014، دخل الجنرال خليفة حفتر على خط الصراع.
وفي إشارة إلى طموحاته الرئاسية الطموحات الرئاسية، تعهد بتخليص ليبيا من المتطرفين الإسلاميين في محاولة شبيهة بحملة السيسي على الإسلاميين في مصر. جمع ميليشياته الخاصة، وشن حملة ضد الجهاديين في بنغازي، خصوصا، وكذلك على المجموعات الثورية الإسلامية والسياسيين في العاصمة طرابلس، وإن أقل حدة.
وتصاعدت وتيرة الحرب في يونيو الماضي بعد أن خلفت الانتخابات البرلمانية خسائر كبيرة للأحزاب الإسلامية في ليبيا، وحققت مكاسب للسياسيين المتحالفين مع حفتر، الذين تمكنوا من تشكيل الحكومة. وعلى هذا، ردت المجموعات الثورية الإسلامية وحلفاؤها في طرابلس مواجهتها بقوة على حلفاء حفتر. ورحلت الحكومة الجديدة إلى طبرق في شرق ليبيا، في حين سيطر خصومهم في طرابلس على العاصمة وشكلوا حكومة منافسة.
وبعد ستة أشهر، لا تزال ليبيا تُدار بحكومتين متنافستين، وحالة من الجمود بين الشرق والغرب. أُحبطت محاولات الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام بظهور حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية المتنافسة.
ففي حين وقف المعسكر المعادي للإسلاميين، مصر والإمارات، مع تمرد حفتر وتزويده بالسلاح وشن غارات جوية على خصومه، وفقا لمسؤولين أمريكيين، دعمت قطر وتركيا الثوار الإسلاميين ومجموعات أخرى في الغرب الليبي.