وطن – قال الكاتب الصحفي جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة (المصريون) إن الإمارات ومن خلال الإعلام المصري الذي تملكه أو تموله بدأت بتفخيخ المصالحة المصرية القطرية وتعطيلها.
وإليكم نص المقال:
التسوية أو المصالحة المصرية القطرية تتمثل مشكلتها الأساسية في أنها ليست بين طرفين فقط ، ومقطوعة الصلة بمحاور واستقطابات متعددة في المنطقة العربية ، وبالتالي فإنها تظل عملية معقدة وقد تحتاج وقتا أطول لكي نعرف الأبعاد التي يمكن أن تصل إليها ، أقول هذا بعد أن لاحظت أن اللوبي الإماراتي في القاهرة بدأ على الفور تحركات تدفع في اتجاه تفخيخ تلك المصالحة ورمي الأحجار في طريقها ، وهناك أقلام صحفية وشاشات لبعض الفضائيات معروف أنها ممولة بالكامل من أبو ظبي ، بعضها شريك بعقود قانونية والبعض الآخر بالاتفاقات “العرفية” والتمويل السخي بل الخرافي ، فعندما تجد تلك المنابر تحتج بقوة على المصالحة ، وبعضها يظهر ما يشبه التحدي للسيسي نفسه ، رغم أنهم يتقدمون بوصفهم رجاله وأنصاره ، فإن المسألة تحتاج إلى تأمل وتحليل ، أيضا هناك شخصيات سياسية مرشحة لأدوار مهمة في المرحلة المقبلة ، وعلاقاتها وثيقة باللوبي الإماراتي في القاهرة ، تبدي تشاؤما ملحوظا بالخطوة الجديدة ، والبعض وصفها بأنها غير كافية ، والبعض وصفها بأنها “فخ” وأن قطر لا يمكن الوثوق بها ، والبعض تحدث عن الدم الذي تورطت فيه قطر !!، وهو خطاب نمطي لأجواء العلاقات “المفخخة” بين العاصمتين ، والبعض توسع في ما اعتبره “شروط” القبول “بالتوبة” القطرية ، وجعل في صدارة ذلك تسليم المعارضين المصريين في الدوحة ، وأيضا رفع يد قطر عن دعم الثورة الليبية الممثلة الآن في حكومة طرابلس ورئاسة أركان الجيش وقوات فجر ليبيا المنضوية تحت لوائه حاليا ، والبعض توسع في الأمر أكثر لكي يدعو الدوحة إلى تفسير شراكتها العسكرية والاستراتيجية مع تركيا رغم الموقف العدائي الشديد الذي تقفه تركيا والطيب أردوغان من النظام المصري الجديد وعلى رأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي .
بدون شك ، فالمسألة شائكة ، والتحرك السعودي لم يأت من أجل ترطيب العلاقات بين الدوحة والقاهرة وتحسين الأجواء ، فهذه مسألة هامشية وليست بذات الخطر ، وكثيرا ما تقع بين دولتين عربيتين وتمتد سنوات بدون عواقب استثنائية ، ولكن التحرك السعودي يأتي في سياق إدراك شامل لخريطة عربية مفخخة من جميع أطرافها ، وأن هذه الخريطة لا تسمح بمثل هذه المشكلات “الفرعية” أن تستنزف الطاقة العربية أو تهدر إمكانياتها في هذا الخلاف ، السعودية ـ ومعها عواصم عربية ودولية كبرى ـ تدرك الآن أن الارتباك الخطير الموجود الآن في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا يمكن أن يكون مدمرا للمنطقة بكاملها إذا انفلت من السيطرة ، وأن جهدا جديدا لتسويات شاملة لا بد من العمل من أجله والبدء في خطواته ، وأن أي دولة لا يمكنها أن تقرر رؤيتها بشكل منفصل حتى لسياساتها الداخلية ، لأنها أصبحت متصلة بقوة بمحيطها الجغرافي والسياسي سلبا وإيجابا ، وبشكل مباشر ، والتحرك السعودي لم يكن وحده ، بل سبقه تحرك أردني مكثف ، استدعى أن يأتي الملك عبد الله إلى القاهرة لمقابلة السيسي في المطار أربع ساعات ويعود بعدها لعمان من المطار دون أن يدخل العاصمة ، ثم يقوم السيسي برد الزيارة بعدها بأسبوع واحد للقاء سريع في مطار عمان أيضا ، هذا يعني أن أمرا خطيرا وعاجلا يتم الترتيب له والتنسيق بشأنه ، وهو أكبر من المراسلة أو الحديث الهاتفي أو مقابلات الوزراء ، والجهود المكوكية التي قام بها أمير الكويت في الرياض وأبو ظبي والدوحة والمنامة قبل القمة الخليجية الأخيرة ، هناك رؤية أوسع لحجم الخطر ، وهناك قلق عربي حقيقي ، وأعتقد أن الجهود الحالية لتهدئة الخلاف المصري القطري تأتي في سياق التمهيد لوضع تصورات عربية شاملة للتعامل مع هذا الخطر واستباق مخاوف تفجير المنطقة بكاملها .
ويبقى التساؤل حاضرا دائما عن مدى التزام الجميع بذلك ، ومدى تجرد الجميع لذلك الإحساس بالخطر ، ومدى وضوح الرؤية داخل النظام السياسي لكل دولة والأجنحة الفاعلة فيه ، ومدى القدرة على الاستيعاب “العادل” والمقنع لأسباب الانقسام السياسي ، وأيضا المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأحداث على الأرض بالفعل في مناطق الالتهاب والمواجهات .