لم تكن عبارة “شكرا إيران” التي رددها الناطق باسم جناح حركة حماس المسلح “أبو عبيدة”، والتي استبدلت بالعبارة الشهيرة التي يرددها بعض ساسة الحركة وهي “شكرا قطر” و”شكر تركيا”، مجرد حدث عاب بقدر ما أظهرت بشكل جلي الخلافات بين تيارات الحركة بعد الزيارة الأخيرة لوفد رفيع من حماس إلى العاصمة الإيرانية طهران، أساسها الخلاف بين تيار الحركة المقيم في قطر، الذي يتزعمه رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، والذي سبق وأن اتخذ قرار الخروج من سوريا بتوصية من رئيس وزراء الدوحة السابق، وبين تيار الحركة الذي كان يريد الحفاظ على قنوات اتصال بنظام دمشق القائم الحليف الأقوى لطهران، فذهب في هذا الخلاف أحد أبرز الكتاب المدافعين عن الحركة الإسلامية لاتهام النظام الإيراني بمحاولة تخريب حماس برشوة قيادات سياسية في حماس بالمال.
فإلى بداية الملف، فلم يكن هناك اجماع بين قيادات حماس السياسية على الخروج بهذه الطريقة من سوريا قبل سنوات، وتحديدا الخروج إلى قطر العدو الابرز لنظام سوريا، فهناك من رفض ضمانات رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم الذي أبلغ مشعل أن الخروج سيمثل نقطة أمان لحماس، إذ ان نظام الأسد سيسقط منذ ذلك الوقت بعد أشهر قليلة، وبعدها لا ينفع تعديل المواقف، إذ طالب أصحاب هذا التوجه بأن تبني الحركة موقفها تجاه سوريا ونظامها، كما فعلت حركة الجهاد وتنظيمات مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وهما تنظيمات عرضت عليها قطر الخروج من سوريا في ذلك الوقت.
اصحاب هذا التيار واجه في فترة سابقة اقصاء كبير خاصة في أخذ وجهات النظر، وأبرز وجوهه الدكتور محمود الزهار في غزة، والقائد الحالي لكتائب القسام في غزة مروان عيسى، وفي الخارج قيادة حماس في لبنان، إلا أن تمكن هذا التيار من الوصول بعد القطيعة التي احدثها الخروج من سوريا بشكل مفاجئ، من الوصول لطهران في زيارة كانت خلال فترة حكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، حين كانت تسهيلات كبيرة تقدم لقادة غزة بالسفر للخارج، هناك عمل الزهار ومروان عيسى على اعادة تطبيع العلاقات وطلب قائد الجناح العسكري سلاحا بعد أن كانت طهران قد أوقفت هذه العملية، لكنهم لم يكونوا بعد الاثنان قد ألزموا الوقف السياسي العام للحركة بالاقتراب من طهران، وإبداء فتوره في العلاقات مع قطر، كشرط وضع في ذلك الوقت.
وقد كلف ذلك الحركة بوقف إمداد طهران للجناح المسلح كتائب الشهيد عز الدين القسام، وهو أمر ظهر بشكل جلي في الحرب الأخيرة التي انتهت قبل حوالي الأربعة أشهر، إذ اعتمدت حماس على ضرب اسرائيل بصواريخ من تصنيعها المحلي، على خلاف الحروب والهجمات السابقة التي رمت فيها مدن اسرائيل بصواريخ ايرانية.
ومن بداية الملف إلى نهايته، فبين تلك الفترة التي واكبت الخروج من دمشق، إلى هذا الشهر، فشلت كل الوساطات في تنسيق زيارة لرئيس المكتب السياسي مشعل إلى طهران، وقبلت رغم ذلك طهران زيارة قيادات أخرى، في إشارة على غضبها من الرجل، وهو تواكب مع هجوم قبل أسبوع شنه الرئيس الاسد ضد مشعل.
فقبل أيام استقبلت طهران وفدا رفيعا من الحركة ضم قيادات حماس في لبنان التي ظلت على علاقة طيبة بحزب الله اللبناني، أحد أهم أذرع طهران في المنطقة، حيث يقيم هؤلاء بحماية الحزب في لبنان، وهو شريك رئيسي في ترتيب الزيارة.
عند ترتيب الزيارة كما نقلت صحيفة “رأي اليوم” أن مشعل أن أشرك أحد رجاله المقيمين في الدوحة وهو محمد نصر في الوفد ليكون على رأسه خشية، لرغبته بإرسال رسالة للإيرانيين أن كل الأمور تتم في الحركة عن طريقه.
على العموم فإن الزيارة وما تلاها أظهرت خلافا كبيرا بين أركان الحركة من السياسيين، بين ذات الفريقين، الاول الذي يريد البقاء على العلاقة مع قطر وتركيا، والفريق الأخر الذي يريد تطبيع العلاقات من جديد مع طهران، ورجالة من غزة ولبنان.
على العموم، لم يكن هذا كل شيء، لكن ما كان مهما بعد الزيارة أن يخرج المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة، ليقول “شكرا ايران” أمام عرض عسكري كبيرة للحركة تم خلاله استعراض سلاح حماس من صواريخ تضرب عمق إسرائيل، إلى اخرى مضادة للتحصينات، ومضادة للطائرات إلى طائرة استطلاع بحضور قادة الجناح السياسي على راسهم اسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي، وموسى أبو مرزوق ومحمود الزهار وخليل الحية.
كلمة أبو عبيدة هذه أخذت على أكثر من تفسير، فلم يكرر ما يقوله بعض الساسة حتى في غزة “شكرا قطر ” أو “شكرا تركيا” لما تقدمه الاولى من دعم مالي لغزة ممثل بعشرات المشاريع الضخمة للبنى التحتية، ودعم سياسي واستضافة قادة حماس، ولما للثانية بزعامة رجب طيب أردوغان من مواقف مساندة للحركة.
فأهل غزة اعتادوا على لافتات كبيرة توضع على الطرق الرئيسة مكتوب عليها “شكرا قطر شكرا تركيا”، ولم يكتب من قبل “شكرا ايران” من قبل حماس.
ففي السابق وتحديدا بعد الحرب قبل الاخيرة على غزة ألصقت حماس صورا على أحد أهم شوارع قطاع غزة لكل من أمير قطر السابق حمد بن خليفة، ورئيس وزراء تركيا الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، بجانب صور لمشعل وهنية.
هنا من فسر أن الجناح المسلح بقيادته الحالية تريد اعادة تطبيع العلاقة مع ايران، وهناك معلومات تقول أن طهران شرعت باستئناف مد حماس بالمال، وقد سبب توقف هذا الدعم بأزمة مالية خانقة تعيشها حماس حاليا.
حماس قبل أكثر من أسبوع كشفت عن زيارتها لطهران، وقام بها كل من محمد نصر وماهر عبيد وجمال عيسى وأسامة حمدان ودامت ليومين.
والتقى وفد حماس بقيادة ايرانية أبرزها رئيس مجلس الشورى على لاريجاني، ووصفت حماس الزيارة بالايجابية.
وبعدها قال ممثل حماس في طهران أنه لا يوجد أي مانع لزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى طهران، وأن الامر في طور الترتيبات، وتحديد موعد مناسب.
(رأي اليوم)