يواجه المثليون في سوريا، كما في العالم العربي والاسلامي رفضا من عائلاتهم ونبذا اجتماعيا، واحيانا السجن بحسب القانون الذي ينص على معاقبة العلاقات الجنسية “المخالفة للطبيعة”، لكنهم اليوم يستفيدون من انشغال السلطات عنهم بملاحقة الناشطين ومحاربة المقاتلين المعارضين.
فمنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في العام 2011، ومن ثم تحولها الى نزاع مسلح دام، بات المثليون في العاصمة السورية يشعرون بانخفاض حدة رقابة السلطات عليهم، رغم ان المنظمات الحقوقية ما زالت تسجل انتهاكات بحقهم.
لكن انحسار حدة التضييق عليهم منذ اشتعال الازمة السورية لم ينعكس ارتياحا في ظل تصاعد المد الاسلامي المتشدد في البلاد، ولا يبدو ان الامور ستتحسن في ظل نزاع مستمر منذ اربعة اعوام اودى بحياة 200 الف شخص، ورفع مستوى العنف في المجتمع السوري.
في احد مقاهي دمشق، يقول جاد، وهو شاب مثلي يرتاد المقهى مع اصدقائه، ان “الاجهزة الامنية اصبحت منذ بداية الحرب تغض طرفها عنا”، مضيفا “انها مشغولة بامور اخرى”.
وتنص المادة 520 من قانون الجنايات في سوريا على فرض عقوبة السجن حتى ثلاث سنوات على من يثبت عليه انه مثلي، لكن هذه العقوبة رغم قسوتها ليست اسوأ ما قد يواجه مثليي الجنس في هذا البلد ذي الغالبية المحافظة.
ويشير الكاتب نبيل فياض “ان السلطات قلما تتدخل ضد المثليين، لكن القانون هو سيف يمكنها ان تشهره عليهم في اي وقت”.
وينشط جاد في مجال حقوق المثليين، وهو انشأ لهذا الغرض صفحة على موقع فيسبوك باسم “مجموعة قوس قزح في سوريا” للتعارف بين المثليين.
ويقول “لم نعد نلفت انتباه الناس كما في السابق منذ اندلاع الحرب ولكن الحياة اصبحت اكثر خطرا بسبب انعدام الامن”.
غير ان عدم تقبل المثليين ليس امرا مستجدا في هذا المجتمع المحافظ ولا مرتبطا بالاضطرابات التي تشهدها البلاد.
ففي المقهى ذاته، تروي نهى (22 عاما) حياتها المزدوجة، وتقول “امام والدي هناك الدراسة والعمل، ثم بعد ذلك تأتي حياتي السرية” مضيفة بانها اسرت بذلك لاختها وابن عمها.
ويكشف محمد (22 عاما) انه يخفي ميله الجنسي منذ سن الخامسة عشرة، ويقول “الامر صعب للغاية”.
وقرر محمد مغادرة البلد الى اوروبا لدراسة تصمصم الازياء والتهرب من الضغوط العائلية والحرب، ويقول “يريد والدي مني ان اتزوج وتاسيس عائلة، هذا مستحيل بالنسبة لي، افضل الموت على ذلك”.
من جهة أخرى، يثير تنامي نفوذ الجهاديين في سوريا الرعب لدى المثليين، فالتنظيمات المتشددة التي تسيطر على مناطق واسعة ولا سيما في الشمال السوري، لا تتوانى عن جلد المثليين واحيانا قتلهم.
ويقول جاد (32 عاما) الذي يرتدي سوارا بالوان قوس قزح “بدات اشعر بالخوف، فانا لا اعلم ما يمكن ان يخبئه لي القدر (ان وقعت في قبضتهم)، من المؤكد ان الموت سيكون مصيري المحتم”.
وقبل اندلاع الحرب، اعتاد هذا الشاب الذي يعمل بائعا للالبسة النسائية في احد متاجر العاصمة، زيارة اصدقائه المثليين في الرقة (شمال) ودير الزور (شرق) اللتين تخضعان الان لسيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” المتطرف.
ويضيف جاد الذي يستبعد قطعيا الذهاب الى هناك الان “لم اعد اعلم عنهم شيئا، لقد اغلقوا صفحتهم على موقع فيسبوك..انا خائف عليهم.. ماذا حل بهم؟ هل مازالوا على قيد الحياة؟ هل هربوا من داعش (تنظيم الدولة الاسلامية)؟ انا لا ادري واشعر بالقلق”.
واعلن تنظيم “الدولة الاسلامية” مؤخرا ان عناصره رموا مثليا من سطح احد الابنية ثم قاموا برجمه حتى الموت. وسبق للتنظيم المتطرف ان قام في تشرين الثاني/نوفمبر برجم شابين اتهمهما بالمثلية.
ويروي محمد، وهو صديق لجاد، “معاناته” المتعلقة بكبت ميوله الجنسية التي يضاف اليها مشاكله الشخصية جراء الحرب ومخاوفه من فظاعة التنظيم المتشدد.
ويعيش هذا الشاب، الذي يحلم بان يعلن عن مثليته عندما يصبح “مصمما عالميا للازياء”، في ظل الخوف، ولاسيما بعد ان لقي ثلاثة اصدقاء له مصرعهم على يد تنظيم الدولة الاسلامية، منهم صديق له مجند في الجيش قام عناصر التنظيم بفصل رأسه عن جسمه في الشمال.
وتشعر نهى ايضا بالذعر من ننامي نفوذ الجماعات المتشددة في البلاد.
وتقول “انهم لا يعترفون بحقوق المراة فما بالكم بالمثلية؟”.
وتدير صديقتها لمى (28 عاما) التي ترتدي حجابا ابيض، صفحة على موقع فيسبوك باسم “نادي المثليات السوريات”، انشأتها في 29 حزيران/يونيو 2014 عند انطلاق اول تظاهرة افتراضية تحت شعار “الفخر العربي” عبر الانترنت، في استعادة الكترونية لتظاهرات “غاي برايد” التي ينظمها مثليون في عواصم اوروبية.
اما فراس (30 عاما) فهو لا يبني احلاما حول اعتراف طرفي النزاع في بلده بحقوق المثليين “فلا النظام ولا المعارضة يملكان الشجاعة للقيام بذلك”.
(AFP – Damascus)