لاحق جنرالات مصر ودول الخليج الإخوان المسلمين، وأجبروهم على المنفى، وضغطوا على دولة قطر التي ظلت متعاطفة معهم لترحيل عدد من قادة الإخوان؛ ثمناً لإعادة السفراء إلى الدوحة.
وترى مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، أنه رغم أن عدداً من قادة الإخوان انتقلوا إلى دول غربية، إلا أن غالبية القيادات والمهنيين -أطباء وباحثين ومهندسين وإعلاميين- وجدوا في تركيا ملجأ لهم، حيث يعملون هناك أطباء ومدرسين، وانضم عدد منهم للقتال في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهي نتيجة لم تسع لها دول الخليج وجنرالات مصر، الذين لاحقوا وضيقوا على الإخوان في العالم العربي.
وتعلق المجلة في تقريرها على اجتماع زعماء مجلس التعاون الخليجي في قطر بالقول: “الكل كان يتبسم في العاصمة القطرية الدوحة، عندما التقى قادة مجلس التعاون الخليجي في 9 كانون الأول/ ديسمبر. وعلى غير العادة كان الاجتماع السنوي، الذي يعد نادياً يضم ست ملكيات نفطية، مليئاً بالسياسة، ولم يكن اجتماعاً احتفالياً، فقد نتجت عنه نهاية الخلافات العميقة بين قطر وجيرانها. وبشكل أدق، فقد أكد، وبسبب الضغط الكبير، تراجع قطر، الدولة الصغيرة والثرية جداً، عن سياستها الخارجية، التي اعتبرها جيرانها ليست مزعجة لهم فقط، بل تخريبية”.
وتشير المجلة إلى أن قطر، وخلال العقد الماضي، قدمت وبشكل مستمر دعماً سخياً وهادئاً للإخوان المسلمين، “وقدمت دعماً مالياً ودبلوماسياً لمنابر إعلامية ليس للجماعة الأم في مصر، ولكن لجماعات مرتبطة بها تحمل أفكارها، وفي أنحاء المنطقة العربية كلها. وهذا ما قاد قطر نحو أيديولوجية الإخوان المحافظة وليست الوسطية. واعتقدوا أنه يمكن استخدام أذرعة الإخوان الطويلة لتحقيق طموحاتهم، ولهذا قاموا بتبني النموذج الإسلامي الذي يعبر عنه الإخوان؛ كونهم الموجة السياسية المطلوبة لتأمين المستقبل العربي”.
ويجد التقرير أنه “في الواقع فاز الإخوان المسلمون ومن ينتمون لفكرهم، بعد الربيع العربي عام 2011، بالانتخابات في مصر وتونس، وأسهموا بدور قيادي في كل من اليمن وليبيا والثورة الدموية في سوريا، فيما تبنى الفرع الفلسطيني في غزة، حركة حماس، خيار السلاح منذ التسعينيات من القرن الماضي. وبدت تركيا التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بقيادة طيب رجب أردوغان نموذجاً اقتصادياً وديمقراطياً للحكم الإسلامي، حيث أدت دور الأخ الأكبر والدولة الحديثة الأضخم”.
وتقول المجلة إنه رغم هذا كله فقد “تداعى حلم الإخوان المسلمين بسرعة كبيرة، بدءاً من الانقلاب العسكري المدعوم شعبياً، الذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي في منتصف عام 2013، حيث عانى نموذج الإخوان عن الإسلام السياسي سلسلة من النكسات المؤلمة. وفي تونس توجه الناخبون التونسيون مرة أخرى نحو العلمانيين. وتترك خسارة قطر الواضحة، كونها راعية للإسلاميين، أردوغان داعماُ لهم، لكن أسلوبه الاستبدادي في الحكم لم يترك له سوى قلة من الأصدقاء”.
وتتساءل المجلة عن الطريقة التي حدث فيها كل هذا “كيف حدث هذا؟”.
وتعتقد المجلة أن الإخوان المسلمين هم الملامون بالدرجة الأولى، “فخطاب الجماعة الحاد المعادي للإمبريالية تحول بعد خروج القوى الاستعمارية إلى معارضة عامة ضد الأنظمة القمعية، التي اعتبرت أداة في يد القوى الغربية. ومع أن بعض فروع الحركة جنحت نحو العنف، إلا أن التيار الرئيسي تبنى سياسة صبورة لتحقيق التغيير من الداخل، وأصبح (الإسلام هو الحل) شعاره الغامض”.
ويبين التقرير أن “هذا الأسلوب آتى أكله بعد الربيع العربي، ولكن الإخوان أخطأوا في مناطق مثل تونس ومصر في قراءة فوزهم الانتخابي، حيث اعتبروا الفوز مصادقة على مشروعهم الإسلامي، خاصة أن الانتخابات عكست بشكل مساو ضعف القوى السياسية الأخرى بعد عقود من الديكتاتورية”.
وتذكر المجلة أنه “من هنا قام الإخوان بالمبالغة في دورهم وبالطريقة نفسها همشوا القطاعات الداعمة لهم، وفي أمكنة أخرى تعرض نموذج الإخوان المعتدل لتراجع أمام تفسير أكثر تشدداً تبنته جماعات تطالب بتطبيق سريع ليس تدريجياً للشريعة، أو ترفض الديمقراطية باعتبارها انحرافاً عن تعاليم الله. فقد أثبت الجهاديون المدججون بالسلاح أنهم أكثر جاذبية بين المجتمعات السنية المحرومة والجريحة في كل من العراق وسوريا. فالإخوان المسلمون الذين نظر إليهم بداية الثورة السورية عام 2011 عنصراً مؤثرا ومهماً، لم يعد لهم سوى تأثير قليل عليها”.
ويلفت التقرير إلى أن “هناك أعداء أقوياء للإخوان، فمع أن العديد من الحكومات الغربية نظرت إليهم باعتبارهم الوجه المتسامح للإسلام السياسي، الذي يمكن أن يمتص النزعات الراديكالية الجانحة للإرهاب، إلا أن بعض الدول العربية تعاملت معهم على أنهم تهديد قاتل، وهذا هو اعتقاد (الدولة العميقة) في مصر، التي قتلت منذ الانقلاب المئات من الإخوان المسلمين، وسجنت الآلاف منهم، ووضعت كل الجماعة في قفص الاتهام. وقامت مصر بالضغط على حماس، وخنقت المعابر الشرعية وغير الشرعية إلى غزة”.
ويتابع التقرير أنه “بطريقة هادئة قامت دول الخليج الثرية بالتحرك والقضاء على الإخوان المسلمين. ويقول مسؤول خليجي بشكل صريح عن الإخوان (إنها جماعة فاشية)، مضيفاً (كانوا البوابة وأداة التجنيد لأنواع التطرف كلها). وبدافع من العداء انضمت كل من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مصر، وقامتا بحظر الجماعة وتصنيفها جماعة إرهابية، ولم تكتف دول الخليج بإغراق مصر بالأموال في مرحلة ما بعد الانقلاب، بل مارست الضغوط على قطر، وهددتها بالمقاطعة من خلال سحب السفراء، وقامت هذه الدول في مناطق مثل ليبيا وسوريا بدعم الجماعات المعارضة للإخوان، حتى إن الإمارات العربية قامت بغارات لم تعلن مسؤوليتها عنها ضد مواقع تابعة للإسلاميين في ليبيا”.
وتؤكد المجلة أن “هذه الضغوط نجحت، واضطرت قطر لترحيل عدد من قادة الإخوان المسلمين البارزين بهدوء، ومنعت التغطية الإعلامية المؤيدة لهم. وفي الأردن، التي يعد الإخوان من أقوى أحزاب المعارضة فيها، اعتقل عدد من أعضاء الحركة بينهم نائب المراقب العام للجماعة واتهم بتوجيه الإهانة لدولة عربية وتعكير صفو العلاقات معها. وفي نكسة غير مرتبطة بما يجري في مصر والأردن تعرض الإخوان المسلمون لنكسة في اليمن، عندما قام حزب شيعي بالسيطرة على العاصمة صنعاء، وقام بحملة من التحرشات والمضايقات ضد حزب الإصلاح المرتبط بالإخوان”.
وتخلص المجلة إلى أنه من هنا، لم يجد الإخوان مكاناً لهم في الدول العربية فرحلوا لتركيا. والسؤال هل نجحت سياسة القمع ضدهم؟