الخطبة التي تقصد أن يلقيها الرجل الثاني في تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن الشيخ زكي بني ارشيد داخل قاعة المحكمة في جلستها الأولى توضح بدون شك أن الرجل يرفض أولا «الإعتذار» عن الإساءة المفترضة لدولة الإمارات ويستعد ثانيا لموجة «تسييس» قد تنتهي بطول فترة إقامته في السجن. جماعة الإخوان وبوضوح من جانبها أبقت على المساحة التي تدفع باتجاه اعتبار قضية ارشيد «مطلبية – سياسية – وليست قضية شارع ورأي عام، هذا التكتيك حتى هذه اللحظة ورغم التواصل مع الحكومة مباشرة بالخصوص لم يثمر أيا من مظاهر الاسترخاء في قضية نائب المراقب العام السجين.
الشيخ بني ارشيد توعد من يحاكمونه كلهم بالتلاقي «عند الله» في عبارة دينية الطابع. وسجل في الجلسة الأولى للمحكمة العسكرية عدم اعترافه بالمحكمة نفسها وأهليتها في محاكمته أصلا على أساس ان مخالفته القانونية مقيدة في إطار قانون المطبوعات والنشر بالتالي ينبغي ان تكون محاكمته مدنية.
الجلسة الأولى لمحاكمة ارشيد عقدت صباح الخميس والتهمة الأساسية القيام بأعمال من شأنها «تعكير صلات المملكة وصفو علاقتها بدولة أجنبية خلافا لأحكام المادة 3/ب و7/ج من قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006 وتعديلاته».
وبعد ان تلا رئيس الهيئة لائحة الاتهام على المتهم، قدم رئيس هيئة الدفاع المحامي صالح العرموطي للمحكمة وللمدعي العام بينات وإفادات دفاعية، طالب المحكمة بتضمينها بملف القضية، كما طالب بالإفراج عن المتهم. الإدعاء رد على العرموطي بتقديم بينات وإفادات وطالب المحكمة بالسير بإجراءات المحاكمة، وقررت المحكمة رفع الجلسة إلى يوم الاثنين المقبل للبت بالبينات والإفادات الدفاعية المقدمة.
حيثيات التهمة وفقا لوثيقة الإدعاء تقول إن المشتكي عليه أقدم يوم 17 من الشهر الماضي على نشر مقال على صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» والمتاحة لعامة الناس، تضمن «عبارات مسيئة لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تربطها بالمملكة علاقات أخوة ومصالح مشتركة كثيرة، وجرى إثر ذلك تداول هذا المقال من قبل العديد من المواقع الإلكترونية، وكان من شأن ما تضمنه المقال تعكير صفو العلاقات الثنائية بين البلدين».
أوساط مقربة من المحامي العرموطي الذي يتولى هيئة الدفاع عن بني ارشيد تتحدث عن عدم وجود بينة لتأكيد التهمة قانونيا من حيث المبدأ على أساس ان تهمة «تعكير صفو» تحتاج وبالنص القانوني لدليل ملموس على «حصول ضرر» من أي نوع عاد فعلاعلى مصالح الدولة أو على أي مواطن أردني جراء مقالة بني ارشيد.
قد يكون تقديم هذا الدليل أمرا في غاية الصعوبة من حيث عبء الإثبات في تقدير العرموطي ورفاقه في الهيئة القانونية والحاجة لإثبات التهمة تبدو ملحة لتقديم أدلة تقنع قانونيا بأن المحاكمة ليست في السياق السياسي بل الجنائي المباشر.
اتجاه بني ارشيد بعد نصيحة هيئة الدفاع عنه للتشكيك بصلاحية محكمة أمن الدولة في قضيته حصل وهو يعرف أن محكمته في الأصل منطلقة من اعتبارات سياسية فالمعطيات داخل أجهزة الدولة أشارت مبكرا إلى أن السلطة لم تكن ترغب في سجن بني ارشيد وأن أوامر صدرت بالبحث عن بدائل لمحاكمته وأن قصة الاعتقال أصلا ارتبطت من حيث التوقيت بزيارة كان يقوم بها الملك عبدالله الثاني لأبوظبي تجنبا للإحراج وحفاظاعلى مصالح ربع مليون أردني يعملون في الإمارات تحدث عنهم سفير أبوظبي.
بكل الأحوال يرى المراقبون ان مسألة الشيخ ارشيد ذهبت نحو الاتجاه السياسي والقانوني دون رغبة في «التصعيد أكثر» من الجانبين الرسمي والإخواني.
على نحو أو آخر يظهر أن جماعة الإخوان قررت التعاطي بهدوء قدر الإمكان مع أزمة سجن الشيخ ارشيد لكنها أزمة تخدم الرجل في النهاية بالانتخابات الداخلية وستقفز به إلى سدة موقع المراقب العام في حال إقرار مبدأ الانتخابات المبكرة لهيئات التنظيم في الربيع المقبل.
المسؤول الإعلامي للإخوان الشيخ مراد العضايلة يصر على اعتبار توقيف بني ارشيد سياسيا بامتياز ويتحدث ل «القدس العربي» عن تمادي السلطة التنفيذية في التعسف واستعمالات مغرضة لقانون قمعي أقر مؤخرا بذريعة منع الإرهاب .
بسام البدارين
“القدس العربي”