أنغوس ماكدوال – رويترز – تحاول عائلة آل سعود المالكة في السعودية ضبط علاقتها مع المدرسة الوهابية المتشددة من الإسلام السني في البلاد، حيث إن هذه العائلة بدأت، وعلى نحو متزايد، ترى تعاليم بعض رجال الدين المحافظين جدًا بمثابة تهديد للأمن الداخلي.
وقد أدى تطرف المسلمين في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم إلى هجمات محلية، وإلى إشراك المواطنين السعوديين في الحركات الجهادية في العراق وسوريا، في حين أضرت الممارسات الدينية المتطرفة بالجهود لتعزيز التوظيف.
وعلى مدى العقد الماضي، لم تضع عائلة آل سعود فقط تدابير للسيطرة على رجال الدين وخطبهم، ولكن بدأت أيضًا بتفضيل رجال الدين الأكثر حداثةً للمناصب العليا في الدولة.
وبدأ الحكام السعوديون كذلك بإصلاح المجالات التي كانت ذات مرة حكرًا على رجال الدين، مثل التعليم والقانون، وتعزيز عناصر الهوية الوطنية التي ليس لها مكون ديني.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن المملكة العربية السعودية لا تزال واحدة من أكثر الدول المحافظة دينيًا على وجه الأرض، وإن العائلة المالكة لا تقوم بمنع رجال الدين أو بمنع التخندق وراء المفاهيم الأساسية للوهابية. إنها، وبدلًا من ذلك، تحاول تعزيز قراءة أفضل لتعاليم الوهابية؛ ليست قريبة من معتقدات المتشددين الإسلاميين مثل عناصر “الدولة الإسلامية”، وفي الوقت نفسه، تلبي متطلبات الاقتصاد الحديث على نحو أفضل.
وقال ستيفان لاكروا، مؤلف كتاب “صحوة الإسلام”، وهو كتاب عن السياسة الدينية في المملكة العربية السعودية: “إنهم يدفعون في اتجاه وهابية أكثر وطنية. وهابية أكثر حداثة في توقعاتها. وهابية أفضل لصورة المملكة في الخارج، وأكثر ملائمة اقتصاديًا”.
ونهج المملكة العربية السعودية من حيث المذهب الديني هو أمر مهم نظرًا لموقع المملكة الرمزي باعتبارها مهد الإسلام. كما أن صادرات السعودية النفطية تسمح لها بتمويل النشاط التبشيري للوهابية في الخارج.
المحافظون جدًا
وكان رجال الدين الوهابيين على مقربة من أسرة آل سعود منذ منتصف القرن الـ18، وقدموا لها الشرعية الإسلامية في مقابل السيطرة على أجزاء من الدولة، وعلى البنية التحتية الدينية من المساجد والجامعات. وقال محسن العواجي، وهو ناشط إسلامي بارز: “تستند شرعية العائلة المالكة في الغالب على الإسلام”. وأضاف: “من الناحية السياسية، الدين يعطيهم شرعية قوية”.
والمذهب الوهابي التقليدي هو محافظ جدًا؛ حيث يعتبر التشيع هرطقة، ويجادل ضد التفاعل مع غير المسلمين، ويعارض الاختلاط بين الجنسين، ويفرض صيغة صارمة من الشريعة الإسلامية تحث على استئناف الممارسات الإسلامية المبكرة.
وساهمت سيطرة رجال الدين على التعليم في انتشار التطرف الإسلامي بين الشباب السعودي، وهو ما تعتقد العائلة المالكة بأنه أدى إلى مشاكل أمنية داخلية، وأنتج خريجين لديهم فهم قليل في موضوعات مثل الرياضيات، واللغات الأجنبية.
وقد ندد كبار رجال الدين (بضغط من الملك عبد الله) بالمذاهب الإسلامية المتشددة، مثل تلك التي يتبناها تنظيم القاعدة أو “الدولة الإسلامية”، لكنهم لا يزالون غير متسامحين في مواعظهم. إنهم يقفون كعائق في وجه الجهود الرامية إلى إصلاح الاقتصاد من خلال الوقوف ضد عمل المرأة، وعرقلة التغييرات في المناهج الدراسية، ومنع الإصلاح القانوني.
ولكن، الحكومة الآن تفحص رجال الدين في مساجد المملكة التي يبلغ عددها 70 ألفًا، لإقالة العديد من الذين ينشرون التطرف منهم. وقال محمد الزلفى، وهو عضو ليبرالي سابق في مجلس الشورى الذي يقدم المشورة للحكومة: “منذ عام 2005، عندما تولى الملك عبد الله الحكم، جلب أفكارًا جديدة للمستقبل”.
الوطنية
وفي الوقت نفسه، يجري تعزيز المزيد من رجال الدين أصحاب الفكر الحديث، وتم فتح المجلس الديني الأعلى ليشمل علماء من الفروع الرئيسة الأخرى للفقه السني، فضلًا عن المذهب الحنبلي الذي يتبعه الوهابيون.
ويهيمن على هذا المجلس المحافظون الأكبر سنًا، مثل صالح الفوزان، وصالح اللحيدان، الذي دعا ذات مرة إلى إعدام أصحاب وسائل الإعلام المسلمين الذين ينشرون “الفساد”.
وفي المقابل، يستشهد الليبراليون بكل من محمد العيسى، وزير العدل، وعبد اللطيف آل الشيخ، رئيس هيئة الأمر بالمعروف، باعتبارهما من رجال الدين الوهابيين الأكثر اعتدالًا، والذين يريد الإصلاحيون في العائلة المالكة الترويج لهم.
وأما رجل الدين الأصغر سنًا والليبرالي نسبيًا، أحمد الغامدي، وهو قائد الشرطة الدينية السابق في مكة المكرمة، فقد ندد به كبار السن من الوهابيين المحافظين هذا الأسبوع لظهوره على شاشات التلفزيون مع زوجته دون أن تغطي وجهها.
وخلال كل هذا، عززت الحكومة خلق رؤية بديلة، وهي الهوية السعودية التي تحافظ على الوهابية باعتبارها محورًا مركزيًا، ولكنها تسمح أيضًا لموضوعات علمانية، مثل القومية، والتراث الثقافي الذي سبق الإسلام، بالتألق.
وقامت الحكومة بالإكثار من احتفالات اليوم الوطني، التي هوجمت سابقًا من قبل رجال الدين باعتبارها تقويضًا للشعور الديني. كما عملت على تعزيز المواقع التراثية، مثل المعابد الصخرية النبطية، التي كان ينظر إليها من قبل كموقع محرج بالنسبة لأرض الإسلام.
ولكن، وكما يقول لاكروا، فإنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الأسرة الحاكمة بأكملها تدعم الجهود المبذولة للحد من نفوذ الوهابية. وأضاف الكاتب: “هناك الكثير من الناس في العائلة المالكة ممن قد يرون هذه الجهود عملًا انتحاريًا”.