لم تعد الحروب في الوقت المعاصر حروبا عسكرية أو سياسية أو إعلامية فحسب، بل أضيف لها حرب المعلومات والأفكار التي تديرها وتروج لها مراكز أبحاث ودراسات تلقى دعماً سخياً من قبل الجهات المعنية.
وتجاوزت بعض مراكز الأبحاث المنهجية العلمية في طرح المعلومات ورسم المستقبل في ضوء معطيات صحيحة وموثوقة إلى محاولة تمهيد الطريق أمام الرأي العام وتسويق سياسات محددة للقبول بأي إجراءات تتخذها الحكومات.
إذا كان هذا يسري في الغرب بشكل احترافي فإن العدوى بدأت تنتقل إلى العالم العربي والخليجي بصفة خاصة.
وفي هذا الإطار يمكن فهم التسابق المحموم بين دولتي قطر والإمارات في تبني مزيد من مراكز الأبحاث والدراسات التي تختلف في توجهاتها وأطروحاتها.
ومع تزايد المراكز البحثية في هاتين الدولتين إلا أن مركز “المسبار” قد لفت أنظار الخليجيين بشكل أكبر، لا سيما المهتمين منهم بالشأن الفكري والسياسي، لجِدّة وجرأة ما يطرح مما لم تعتد عليه الساحة الخليجية.
“مركز المسبار للدراسات والبحوث” كما يعرف نفسه هو: “مركز مستقل متخصص في دراسة الحركات الإسلامية والظاهرة الثقافية عموما، ببعديها الفكري والاجتماعي السياسي. يبدي المركز اهتماماً خاصاً بالحركات الإسلامية المعاصرة، فكراً وممارسةً، رموزاً وأفكاراً، كما يهتم بدراسة الحركات ذات الطابع التاريخي متى ظل تأثيرها حاضرا في الواقع المعيش”. وسنحاول أن نقدم قراءة في سيرة المركز من خلال إنتاجه، ومنهجيته العلمية التي يعمل بها، ومن خلال القائمين عليه وتوجهاتهم، كما يمكن تقييم المركز من خلال بعض الكتاب والباحثين لا سيما الغربيين الذين يحرص المركز على استكتابهم ونشر أبحاثهم.
الناظر في عناوين وأبحاث المركز يجد أنها التفتت إلى جانب مهم تفتقر إليه المنطقة العربية والخليجية وهو رصد ومتابعة الظاهرة الإسلامية (حركات، مؤسسات، أفراد، تيارات،…)، وهذه نقطة تحسب للمركز خاصة وأن الظاهرة الإسلامية تلعب دوراً رئيساً في المتغيرات على الساحة السياسة والفكرية الثقافية.
غير أن إنتاجه ودراساته عن حركات الإسلام السياسي ومؤسساته المختلفة تتسم بشيء من السطحية وعدم العمق بالرغم من جاذبية عناوينها، بل تكاد تكون في كثير منها تقارير إعلامية مبنية على معلومات تم ترويجها في وسائل الإعلام السعودي أكثر منها معلومات استقصائية تمت من خلال طرق علمية سليمة، كما أنها تتخذ موقفا عدائيا من “الإسلاميين الحركيين” بكل أطيافهم، محاولة بذلك ترسيخ صورة ذهنية لدى القارئ أن الحركات الإسلامية إما متطرفة أو تصنع متطرفين، بدلاً من أن تقدم نظرة نقدية متوازنة تحاول استيعابهم كمكون رئيس من مكونات المجتمع.
يُظهر ذلك -أيضاً- تبني المركز إنتاج برنامج “صناعة الموت” والذي يبث على قناة العربية، وهو برنامج يهدف إلى تسليط الضوء على جماعات العنف السني بشكل أساسي وإرسال رسائل إعلامية للمشاهد الخليجي تربط بين الجماعات الإسلامية بكافة أطيافها والعنف والتطرف.
عناوين إصدارات المركز براقة وجذابة غير أن القارئ لمحتوياتها لا يلبث أن يجد كلاماً إنشائياً غير مدعم بالمصادر والأدلة كما هي طريقة مراكز الأبحاث العلمية، وتشير هيكلة المركز (هيئة تحرير، رئيس تحرير، نائب رئيس تحرير،…) إلى أن المركز يعتمد على الطريقة والمنهجية الإعلامية أكثر من اعتماده على المنهجية العلمية الرصينة.
وإذا نظرنا إلى القائمين على المركز وهيئته التحريرية وبعض الباحثين المشاركين فيه، فإننا نجد على رأس القائمة الإعلامي السعودي تركي الدخيل – رئيس ومالك المركز- وهو إعلامي له حضوره في المشهد الخليجي، كما عرف عنه أنه “صحوي” سابق، وهو المصطلح الذي تطلقه بعض وسائل الإعلام على المتدينين السعوديين الذين كان لهم نشاط ديني معين في فترة الثمانينات والتسعينات، ثم تحول الدخيل عن “صحويته” وسلك طريقاً أكثر انفتاحاً يسميه بعضهم “ليبرالياً”، غير أن كثيراً من كتاباته ينتقد بل يتخذ موقفاً عدائياً من الإسلاميين والظاهرة الإسلامية عموماً.
أما رئيس هيئة تحرير المركز منصور النقيدان فكان أيضاً “صحوياً متشدداً”، حيث قام بحرق أحد محلات الفيديو في مدينة بريدة بالمملكة العربية الأمر الذي تسبب بسجنه، ليقوم بعدها بمراجعات فكرية ذاتية أدت إلى تحوله عن الفكر الإسلامي، بل مهاجمته بدعوى نبذ التطرف والعنف.
أما نائب رئيس التحرير عمر البشير الترابي، القادم من مجلة الاتحاد الطلابية بجامعة الشارقة، فلم تعرف عنه كتابات علمية وبحثية كثيرة غير أن أبرز ما كتبه كبحث علمي كان ورقة بعنوان “الإسلام السياسي في الخليج.. خطاب الأزمات والثورات” ضمن كتاب “الإخوان المسلمون في الخليج” بالإضافة إلى مقالاته المتعددة حول انتقاد الإسلاميين في السودان وتجريمهم.
ممن يقوم على المركز أيضاً عبدالله بن بجاد العتيبي، وهو أحد مستشاري المركز وأحد الكتاب في إصداراته المختلفة، والعتيبي أيضاً من “زمرة” الصحويين السابقين كالدخيل والنقيدان والذين تبنوا آراءً متشددة ثم عدلوا عنها إلى النقيض، وكان قد رفض إكمال الدراسة الثانوية بحجة حرمتها. وهو لا يتورع عن مهاجمة كل ما هو إسلامي في مقالاته وأبحاثه.
هذه القائمة من المسؤولين عن المركز توحي بتوجهات المركز، وتوجيه أبحاثه وفق ما يجمعهم من معاداة الإسلاميين والظاهرة الإسلامية عموماً.
لا يعني هذا أن كل كتاب المركز والباحثين العاملين فيه يتبنون نفس الرؤية، بل هناك باحثون وإعلاميون عديدون يكتبون في إصدارات المركز ويساهمون في أنشطته المختلفة وهم على قدر كبير من العلمية والنزاهة، غير أنه كثيراً ما يتم دس أبحاث ومقالات موجهة في ثنايا أبحاثٍ ومقالات رصينة على طريقة دس السم في العسل.
يضاف إلى ذلك علاقة المركز ببعض الكتاب الغربيين مثل الأكاديمي والكاتب البريطاني لورينزو فيدينو ،والذي كشف موقع “ميدل إيست آي” عن علاقة وثيقة تجمع بين مركز المسبار وفيدينو، الذي صرح لصحيفة التيلغراف عن نتائج تحقيقات الحكومة البريطانية حول الاتهامات الموجهة للإخوان المسلمين في بريطانيا، وتبين فيما بعد أنه لم يكن عضواً في لجنة التحقيقات كما أشارت التليغراف، كما لم تكن له أي علاقة بتلك اللجنة.
فيدينو كتب عدة أبحاث للمركز من ضمنها، ”الإخوان المسلمون الجدد في الغرب”، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول جمع المركز لمعلومات عن الحركات والمنظمات والشخصيات الإسلامية وإعطاءها للحكومة البريطانية أو تسريبها للصحافة الغربية عموماً للضغط على حكوماتها.
كما ينسب إلى المركز إعداد ملف عن “دعاة الإصلاح” الإماراتيين قبل اعتقالهم اتهمت الحكومة الإماراتية على إثره “دعوة الإصلاح” وقامت باعتقال قادتها رغم نفيهم التهم الموجهة إليهم. وفي هذا الصدد يشير أستاذ الإعلام السياسي سابقاً في جامعة الملك سعود محمد الحضيف في تغريدات له على تويتر أن المركز يقوم بدور استخباراتي، ويضيف الحضيف “أن أغلب نشاط المسبار التجسسي ضد السعودية، شخصيات ومؤسسات ذات توجه سلفي باسم محاربة الوهابية”. ولعل هذا يعضد هذا كله بالإضافة إلى تقارير إعلامية تحدثت عن دور المركز في رفد مؤسسات أمريكية مثل الكونجرس والخارجية حول شخصيات ومؤسسات إسلامية وتصنيفها والأفكار التي تحملها، غير أن موقع “شؤون خليجية” لم يتسن له التأكد من تلك المعلومات.
من ضمن الشخصيات التي لها علاقة بالمركز ويعد ممثلاً له في أمريكا الكاتب “جوزيف براودي”، وهو باحث أمريكي يهودي عراقي الأصل، ويرى الناشط والمدون فؤاد الفرحان أن براودي كان في الرياض وكتب تقريراً عن تصنيف السعودية للإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، كما أن أحد مهام وأعمال براودي هو العمل كممثل لمركز المسبار في أمريكا، وهو صديق مقرب من تركي الدخيل وباقي فريق المسبار البحثي واستضيف في إضاءات، ويضيف الفرحان على حسابه في تويتر أن براودي يصف نفسه كصديق للعالم العربي، وهو يكتب في صحيفة الشرق الأوسط ومجلة المجلة كذلك، كما أنه ضد الربيع العربي تماماً”.
في المقابل يرى براودي أن تركي الدخيل هو “لاري كنج” العرب، كما يقوم براودي كذلك بتقديم دورات –هو و لورينزو فيدينو سابق الذكر- في مركز دربة للتدريب التابع لتركي الدخيل أيضاً. كما أن براودي مقرب من المناصرين الأمريكيين لليكود الإسرائيلي بحسب الفرحان.
كما لا يخفى على المتتبع لإصدارات المركز تبنيه وجهة النظر الإماراتية في ما يخص الحركات والمنظمات الإسلامية، وقد صرح رئيس المركز تركي الدخيل لقناة “صانعو القرار” بقربه من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد واستشارته له في بعض المواضيع. إضافة إلى الدعم المالي السخي الذي يتلقاه المركز من المسؤولين الإماراتيين. ينعكس ذلك في حرص المركز على توزيع نسخ فاخرة من إصداراته على نخب ومسؤولين وأمراء سعوديين وإماراتيين على وجه الخصوص.
هذه المعطيات وغيرها حول مركز المسبار تطرح تساؤلاً حول الدور الأساسي الذي يقوم به المركز، وما إذا كان يمثل العين البحثية للاستخبارات الإمارتية؟!
شؤون خليجية