رغم أن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي عن جرائم التعذيب التي قامت بها المخابرات المركزية الأمريكية، والذى صدر في ستة آلاف صفحة لم يسمح بتداوله، إلا الملخص الذي ظهر في 500 صفحة أثار ضجة وانتقادات كبيرة، الجزء الأكبر منها توجه إلى الدول العربية والأوروبية التى كانت المخابرات الأمريكية تمارس فيها تعذيب المعتقلين.
أما ما خص أساليب استنطاقهم التي تجاوزت كل الحدود واتسمت بدرجة عالية من القسوة والانحطاط، فقد عرفتنا بما نعرفه في بعض الأقطار العربية التي نافست الأمريكيين وتفوقت عليهم في ذلك المضمار.
دور السعودية
صحيفة “هافينجتون بوست” اهتمت بالتقرير وأوردت دور الدول التي شاركت في جرائم التعذيب، وعلى رأسها السعودية ومصر والإمارات والأردن والمغرب والعراق، وأضافت أن السعودية قامت باحتجاز أفراد قبل وبعد تعرضهم للاعتقال السري في سجون تابعة لـ “سي آي أيه”، حيث اعتقلت السعودية في يونيو 2003، المواطن السعودي “علي عبدالرحمن الفقاسي الغامدي”، وذلك قبل اختفائه بعد إرساله إلى الولايات المتحدة ليقبع في سجون المخابرات المركزية الأمريكية، كما قامت الرياض أيضًا باعتقال المواطن السعودي “إبراهيم أبو معاذ الجداوي”، وسجن في المملكة وتم تسليمه إلى الأردن واحتجازه فترة هناك.
صحيفة “لو سوار” الفرنسية سلطت الضوء على قصة الشاب السعودي “زين العابدين محمد حسين” المعروف بـ “أبو زبيدة”، والذي تم اعتقاله على يد الاستخبارات الأمريكية بعد غارة جوية على باكستان، ورفضت المخابرات الأمريكية نقله لخليج جوانتانامو، وفقًا لما جاء في تقرير مجلس الشيوخ، لكن تم نقله بموافقة رئاسية لسجن سري خارج الولايات المتحدة عرف فيما بعد باسم “موقع الأخضر للاعتقال”.
وأوضحت الصحيفة أن الحجرة التي كان فيها أبو زبيدة ملونة بالأبيض ومضاءة 24 ساعة في اليوم، وكانوا يديرون موسيقى صاخبة دون توقف، وكان يرقد في غرفته بدون ملابس، وأضافت أن محققو “السي أي أي” استخدموا أسلوب الإيهام بالغرق مرارًا وتكرارًا بلغ نحو 83 مرة، وفي مرة من المرات ترك كليًا بدون أي استجابة وفمه يخرج منه الفقاقيع، وفقًا للتقرير.
وكشف التقرير عن قيام ضباط بالاستخبارات الأمريكية بضربه بصفة مستمرة، ووضعوه في صندوق مثل صندوق الموتى، ومع مرور الوقت، بحسب التقرير، اتضح أن المحققين أنفسهم شعروا بالرعب نتيجة الأساليب التي استخدموها معه، وأوضح تقرير مجلس الشيوخ أن بعض المحققين وصلوا لدرجة الاختناق والبكاء أحيانًا، وما زال “أبو زبيدة” البالغ من العمر الآن 43 عامًا، أسيرًا في معتقل جوانتانامو.
دور أوسع للإمارات
أما الإمارات فقد قامت بدور أكبر نسبيًا، وفق ما ذكرت صحيفة “لا ليبر” البلجيكية الناطقة باللغة الفرنسية، حيث قامت برصد واعتقال عدد من الأفراد الذين تعرضوا لعمليات تسليم واعتقالات سرية بأوامر من “سي آي أيه”، وتتضمن الباكستاني “قاري سيف الله أخطر” أمير حركة الأنصار، والذي نقل من الإمارات إلى باكستان في أغسطس 2004، كما تمكن وكلاء “سي آي أيه” في دبي من رصد المواطن السعودي “عبدالرحيم النشيري”، وقبضوا عليه في دبي في نوفمبر 2002، ونقل بعدها إلى معتقل سري تابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
إضافة إلى ذلك قامت الإمارات باعتقال المواطن اليمني “سند الكاظمي” في يناير 2003، وذلك قبل نقله في أغسطس 2003 إلى سجن “سي آي أيه”، وذكر الكاظمي أنه تم تعذيبه في معتقل منعزل لمدة ثمانية أشهر في أحد سجون الإمارات.
اليمن الذي كان سعيدًا
ضباط الأجهزة الأمنية اليمنية أيضًا تعاونوا مع المخابرات الأمريكية، بحسب التقرير الذي كشف عن أن الضباط اليمنيين كانوا يأخذون أوامر مباشرة وصريحة من الحكومة الأمريكية لاستمرار اعتقال (محمد الأسد، ومحمد فرج أحمد بشميله، وصلاح ناصر سليم علي قاري)، بعدما تم اعتقالهم من قبل ضباط أمريكيين، وتم الاعتداء عليهم في سجون سرية تابعة لـ “سي آي أيه” قبل إرسالهم سريًا إلى اليمن.
مصر.. مركز التعذيب
تقرير الكونجرس الأمريكي وصف مصر بأنها “الدولة التي استقبلت أكبر عدد من المعتقلين الذين أرسلتهم المخابرات الأمريكية”، حتى أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف في عهد حسني مبارك، اعترف في 2005، أن الولايات المتحدة منذ 2001، أرسلت نحو سبعين فردًا إلى مصر تحت دعوى “الحرب على الإرهاب”، كما رصد التقرير السجون المصرية التي استخدمت في احتجاز واستجواب وتعذيب المعتقلين، حيث تضمنت العمليات سجون طرة، واستقبال طرة، ومزرعة طرة، وسجن العقرب المشدد، وغيرها من السجون.
وفضلًا عن عمليات الاعتقال والتعذيب، فقد سمحت مصر باستخدام مطاراتها ومجالها الجوي لرحلات طيران مرتبطة ببرنامج الاستخبارات الأمريكية للاعتقال، من ضمنها مطارات القاهرة وشرم الشيخ.
قوانين الغاب
ما تم ذكره من انتهاكات هذه الدول العربية هو غيض من فيض، وهو ما سمح بالإعلان عنه حتى الآن، وبطبيعة الحال فإن كل هذه الجرائم كانت ترتكبها السلطات دون مراعاة لقانون أو احترام لمؤسسات القضاء والعدالة، ورغم ذلك كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حريصة على تقنين موقفها للتهرب من المسؤولية عن هذا التعذيب.
فقد ذكرت صحيفة “تايمز أوف اسرائيل” في نسختها الفرنسية، أن وكالة الاستخبارات الأمريكية استعانت بأحكام أصدرتها المحكمة العليا الإسرائيلية حظرت فيها استخدام التعذيب خلال الاستجواب، “باستثناء استخدام درجة معتدلة من الضغوط الجسدية” في بعض الحالات.
تقرير الكونجرس الأمريكي لا يلقي باللوم فقط على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولكنه يفتح بابًا واسعًا من التساؤلات حول الأدوار المشبوهة والعمليات القذرة التي تقوم بها بعض الدول العربية والخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، بحق مواطنيها خدمة للمصالح الأمريكية، وتساؤلات أخرى عن أسباب غياب دور المنظمات الحقوقبة والمجالس النيابة ومؤسسات القضاء عن هذه الانتهاكات، التي ترتكبها الأنظمة الحاكمة دون حسيب أو رقيب.
المصدر : صحف فرنسية