داهمت الأجهزة الأمنية العمانية مساء الأربعاء الماضي منزل الناشط الحقوقي «سعيد جداد» الكاتب بصحيفة “وطن” بفرقة من رجال الشرطة، في صلالة، واعتقلته بعد تفتيش المنزل، ثم اقتادته لجهة مجهولة.
يأتي ذلك بعد أن منعت السلطات العمانية «جداد» من السفر، وسحبت جواز سفره، في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واستفسرت عائلة «جداد» صباح أمس لدى مركز الشرطة في صلالة والقسم الخاص كذلك، اللذان أنكرا بدورهما وجود «سعيد جداد» لديهما، أو أي معرفة بمكان اعتقاله.
وهذا المقال الأخير الذي كتبه الزميل “جداد” قبل اعتقاله واخفائه:
استيقظ الربيع العربي فجأة في هونج كونج بعد الصدمة التى أطاحت به في مايو 2011م واعتصم الشباب في الميادين مطالبين باستقالة حاكم هونج كونج وإجراء إصلاحات ديمقراطية ، ورغم قمعية النظام الصيني وجبروته وتاريخه العنفي وعدم تسامحه مع حركات الاحتجاج الشعبية وسحقها بلا رحمة كما حدث للمحتجين في ساحة تيانانمن عام 1989م حينما ثار الشباب والمفكرون والعمال وطالبوا باسقاط الحكم الشوعي وقيام نظام ديمقراطي فتم سحقهم بالدبابات وإطلاق النار عليهم فسقط الألف بين قتيل وجريح امام بصر وسمع العالم
الا ان الحكومة الصينية هذه المرة وربما بحكم المتغيرات الدولية والوضع الخاص لهونغ كونج التى بقت تحت الاستعمار البريطاني ل99 عاما لم تبادر الى استخدام العنف وفضلت الحوار والاستماع الى المطالَب الطلابية والشعبية.
هذه الأيام تتدوال المواقع الإخبارية انخفاض حدة المواجهه بين الحكومة الصينية والمعتصمين وقبول الطرفين الجلوس الى طاولة المفاوضات للوصول الى حلول مقبولة تحقق ولو الحد الأدنى من المطالَب وتحفظ هيبة الدولة ويتم اخلاء الساحات ورفع الحصار عن المؤسسات الرسمية والسماح بعودة الموظفين الى أماكن عملهم.
يذكرني هذا ب 77 يوما من الاعتصام في محافظة ظفار اصر خلالها اصحاب الأصوات العالية في الاعتصام على رفض اى حوار او تفاوض مع الحكومة حول المطالَب المعروضة في صحيفة المطالَب التى انعقد عليها الاعتصام في مفارقة اظنها لم تحدث عبر التاريخ ان رفض المعتصمون التفاوض مع النظام للوصول الى حلول تحفظ هيبة الدولة وتحقق الممكن من المطالَب ،
فقد وقف الجميع حينها عاجزا امام رفض البعض تشكيل فريق للتفاوض مع السلطات والوصول الى نقاط اتفاق تحقق الكثير من مطالب الصحيفة وترجئ ما يصعب تنفيذة الى وقت آخر ، وتقر السلطات عمليا بحق التظاهر السلمي وتراعي صوت المواطن وتسعى لرضاه وتفتح صفحة جديدة من العلاقة المتوازنة بين المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية وينتهى الاعتصام بالتوافق . لكن ضيق الأفق وغياب البصيرة والحنكة ، وهيمنة الخطاب الفئوي والمناطقي وقصر النظر لم يترك مجالا للعقل ولا للحكمة لممارسة سياسة فن الممكن. فكانت النتيجة ضمور الاعتصام وفقدان الدعم الشعبي وفتور حماس المتابعين ومحاولة الكثيرين القفز من سفينة الاعتصام واستدراك ما يمكن استدراكه من المصالح والمنافع الشخصية
وحينما ادركت الجهات الرسمية بعد 77 يوما ان ساعة الصفر قد حانت وان فض الاعتصام لن يقيم عليه احد مأتما وعويلا ولن يجد نائحة علية او مستأجرة تم الانقضاض عليه في عملية اطلق عليها ( مخلب القط ) في دلالة لا تغيب ابعادها حتى عن عريض القفا ، وضربت السلطات حينها عدة عصافير بمخلب واحد ، اذ استعادة هيبة الدولة التى اريقت على الارصفة وتحت مخيمات الاعتصامات ، وأبرزت قدرتها القمعية على سحق كل من يتجرأ على رفع صوته بمطالب او احتجاج ، واعادت ترتيب اوراقها وأحكمت قوانينها وسدت الخلل في تشريعاتها حتى لا تبقى اى منفذ لتكرار المظاهرات والاعتصامات مرة اخرى ، وفعلت سياسة الوقاية الأمنية كخطوة استباقية لكل من تظهر عليه بوادر حراك في الاتجاه المعاكس ، وتأكيد المعالجة الأمنية كخطوة ثانية في مواجهة فعل حقيقي على الارض او حتى في العالم الافتراضي.
في الوقت الذي خرج فيه المتظاهرون والمعتصمون من تلك التجربة التى امتدت 77 يوما بخسائر فادحة على مستوى الفردي والجمعي والشعبي والسياسي والحقوقي وبانهيار وانكسار نفسي وقد أصبحت يد الحكومة هى العليا بِلا منازع وذهبت اغلب المطالَب ادراج الرياح ولم يتحقق منها الا النزر البسيط ، فيما تم التضييق على الحريات وحق التعبير ومكافحة إنشاء الصالونات الثقافية ، وأصبح اى تجمع يثير حساسية الأجهزة الأمنية
وبالمقارنة بين اعتصامات هونج كنج واعتصام ومظاهرات ظفار يدرك المتابع مقدار الخسائر الفادحة والفرص التى ضاعت من أيدي المعتصمين في ظفار والتى كان يمكن لو تم استغلالها بشكل أفضل وبحكمة وحنكة ان تحقق نتائج عظيمة وتاريخية لطفار ، خاصة في الاسبوعين الاولين والحكومة لا زالت تحت تأثير الصدمة واخبار الربيع العربي التى تجتاح العالم ، ووزرائها يجوبون الاعتصامات جماعات وفرادا يستجدون الحوار والبحث عن مخرج وبأى ثمن، وفي تصوري انها كانت حينها وتحت ضغط انتصارات الربيع العربي والدعم الشعبي الهائل للمعتصمين كانت على استعداد لتقديم الكثير من التنازلات ربما تصل الى حد الموافقة على منح ظفار حكما ذاتيا في إطار فدرالي وفي أسوأ الأحوال رفع نصيب ظفار في الموازنة العامة واعادة المنطقة الوسطى الى حدود ظفار مجددا وتوسيع الحكم المحلي وبصلاحيات واسعة.
لا شك ان الاعتصام قد انتهى بخيبة أمل وبلا ثمن وان مخلب القِط قد تغلب علَى الاعتصام الذي تقزم حتى اصبح أضعف من مخلب الفأر ، ولكن التاريخ يعلمنا ان الشعوب اذا لم تتحقق مطالبها فلا بد ان تستيقظ ولو بعد حين. مهما تعثرت وسكنت وبان منها الخضوع والاستسلام.