برغم أن دول مجلس التعاون الخليجي أكدت في نهاية قمتها السنوية في الدوحة دعمها التام لمصر ولرئيسها عبد الفتاح السيسي، وأكد البيان الختامي «مساندة دول المجلس الكاملة ووقوفها التام مع مصر حكومة وشعبا في ما يحقق استقرارها وازدهارها وبرنامج الرئيس عبد الفتاح السسيي المتمثل بخارطة الطريق»، ما اعتبر مؤشرا علي بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين القاهرة والدوحة وتغير الموقف القطري من الإخوان وقناة الجزيرة، إلا أن كلمة أمير قطر -التي لم تذكر كلمة «مصر» مطلقا-، إضافة إلى ما حوته من تلميحات أخرى حملت المراقبين على القول بأن حدوث تحول دراماتيكي في العلاقات المصرية القطرية لا يزال أمراً مستبعداً.
فقد حرص الأمير القطري على التأكيد في كلمته أن العنف والاضطهاد قد يقودان البعض إلى العنف، حيث جاء في نص كلمته قوله: «علينا أن ننتبه إلى معادلة بسيطة تحولت إلى شبه بديهية تاريخية، وهى أن العنف والاضطهاد والقمع وسد آفاق الأمل يقود إلى العنف ..لا مجال أمامنا إلا مواجهة الإرهاب، ولكن لا بد أن تبذل جهود لتجنيب المجتمعات العربية آفة التطرف والإرهاب بالوقاية قبل العلاج، فالشباب الذين ينجذبون إليه لا يولدون متطرفين، ولا الإرهاب صفة تميز دينا بعينه أو حضارة بعينها، والوقاية تكون بمعالجة الأسباب المتمثلة بنقص المناعة، وبتقليل احتمالات انتشار العدوى، قبل استفحال المرض».
العبارة السابقة فسرها المراقبون علي أنها دليل علي فصل قطر بين دعمها لمجلس التعاون وبين موقفها من الشأن المصري، وأن المصالحة الفورية التي يتوقعها البعض بين القاهرة وقطر، والثمن الذي تفكر القاهرة فيه بتخلي قطر عن المعارضين المصريين الإخوان وغيرهم علي أراضيها، وتغيير سياسات قناة الجزيرة مباشر مصر التي لا تزال علي حالها في مهاجمة مصر لا يزال أمراً بعيداً.
وهذا الفصل بين علاقات قطر مع دول الخليج وعلاقتها بمصر، أشار له أمير قطر أيضا في كلمته عندما قال فى كلمته بافتتاح الدورة الـ 35 لقمة مجلس التعاون على مستوى القادة بقوله: «إزاء التحديات والمخاطر لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية»، وأضاف قائلاً: “تعلّمُنا التجاربُ الأخيرة ألا نسرع فى تحويل الخلاف فى الاجتهادات السياسية وفى تقدير الموقف السياسى، والتى قد تنشأ حتى بين القادة، إلى خلافات تمس قطاعات اجتماعية واقتصادية وإعلامية وغيرها».
إجمالاً، ووفقا لما يراه المحللون فإن عبارات البيان الختامي الذي أقره زعماء مجلس التعاون الخليجي والذي نص على «الدعم التام لمصر ولرئيسها عبد الفتاح السيسي وبما يحقق استقرارها وازدهارها»، لن يعني مصالحة سريعة أو استجابة قطرية لكل ما تطالب به مصر، لأان ذلك يعني تحولاً كبيراً في السياسة القطرية لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، وإن كان من المتوقع حدوث نوع من الشد والجذب بصدد بعض الملفات لعل أهمها ما يلي:
(أولا) : ملف تخلي قطر كليا عن دعم حركة الإخوان المسلمين سياسيا وماليا وإعلاميا، وإبعاد جميع قيادات الحركة من الصفين الأول والثاني الذين يقيمون في الدوحة حاليا، وربما تضطر الدوحة إلى الرضوخ وإبعاد عدد آخر –لن يكون كبيراً- كما حدث في المرة السابقة حين أبعدت الودة 7 من قيادات الإخوان ، ومن المستبعد أن تلجأ قطر إلى استبعاد جميع أعضاء جماعة الإخوان الفارين والمقيمين على أرضها كما يأمل النظام المصري.
(ثانيا) : ملف المطالبة بتغطية جذري في توجهات قنوات شبكة الجزيرة المتعددة فيما يخص الملف المصري وخاصة الجزيرة مباشر مصر، ووقف كل الهجمات الإعلامية ضد الرئيس السيسي وحكمه وسياساته، ومن الملاحظ إلى الآن أن سياسة القناة لم تشهد تغييرات مرصودة مما يؤشر أن الدوحة ربما لا تنوي إجراء تغييرات كبيرة حيال هذا الأمر.
خلاصة الأمر أن شواهد عودة قطر إلى الحضن الخليجي ونجاح الإمارات والسعودية فيما يبدو في الضغط على قطر لتقديم بعض التنازلات ربما لا يمس السياسة القطرية تجاه مصر بصورة جوهرية، فالدوحة تبدو حتى الآن ترغب في الفصل بين الملفات الخليجية المباشرة التي تبدي مرونة في التعامل معها وبين السياسة الخارجية وعلى رأسها العلاقة مع مصر ونظام السيسي، ومن لا يصدق فعليه العودة لكلمة تميم في افتتاح القمة والرسائل المعلنة والخفية التي حملتها.
الخليج الجديد