اعتادت المسامع خلال الشهور الماضية عن تنظيم العشرات من دول الخليج وقفات احتجاج على سحب جنسياتهم واستبدالها بجنسية «جزر القمر» أو نفيهم أو طردهم إلى خارج دولهم أو سجنهم كما هو الحال في الإمارات والبحرين والكويت.
صحيفة «الحياة» اللندنية نقلت أزمة خليجية من زاوية أخرى تمثلت في وقفة لعشرات الأشخاص في بوجمبورا للمطالبة باسترداد الجنسية العُمانية أمام فندق «رويال» الذي تُقام فيه فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للحضارة والثقافة الإسلامية والدور العُماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية.
المشاركون رفعوا لافتات تُطالب بمنحهم الجنسية العمانية لأنهم ينحدرون من أصول عُمانية بعد وصول أجدادهم إلى شرق القارة الأفريقية في القرن التاسع عشر وعقدوا علاقات مصاهرة مع أبناء البلاد.
وشرح أحد المشاركين في الوقفة لـ«الحياة» طبيعة الحراك على رغم أن رجال الأمن كانوا يحاولون تفريقهم، وقال: «تتمثل بأن بوروندي ترفض منحنا الجنسية، خصوصاً أن الغالبية لا يحملون وثائق رسمية»، وطالب وسائل الإعلام بإيصال صوتهم إلى الحكومة العُمانية بعدما تقدموا بطلبات سابقة تم رفضها.
وحملت بعض النساء أطفالهن وزغردت إحداهن فرحاً برؤية عُمانيين حضروا للمشاركة في المؤتمر ورددن: «نحن عمانيات… نريد الذهاب إلى وطننا».
هذا الخبر من الناحية التاريخية والجيوسياسية لم يكن مفاجئا للذين يعتقدون أفريقيا عنصرا واحدا لا أجناس فيها، بينما حقيقتها السكانية متنوعة من الممالك العربية الإسلامية القديمة في السودان وفي دارفور وفي دولة جنوب السودان وفي تخوم غرب أفريقيا تشاد والنيجر ومالي نزولا إلى كينيا وزنجبار ويوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى ثم في موزمبيق وجنوب أفريقيا حيث يمكنك مشاهدة السكان والتجار العرب بنفس ملابسهم ولغتهم التي قدموا بها قبل مئات السنين إلى بلاد أفريقيا مسقط رأس ونشوء أمهم النوبية هاجر بحسب مؤرخين.
لقد تحول هؤلاء العرب ثلاثة تحولات كبرى على مر العصور الماضية سطرتها مقالات وأبحاث علماء وأكادميين في علم الاجتماع السياسي لافتين إلى وقوع التحول الأول من حالة دخلاء ومهاجرين إلى سادة مستعمرين وحكام وأثرياء رافقوا تأسيس بعض الممالك العربية الإسلامية داخل أفريقيا (الاستعمار الاستيطاني العربي في أفريقيا)، بينما كان التحول الثاني واشج الاستعمار الأوروبي ثم الاستقلالات الأفريقية حيث تحول العربي إلى شخص ممتاز تجارة ومجتمعا، في حين جاء التحول الثالث مع ضغوط الاستعمار الجديد حيث انسحق أكثرهم بالضغوط الاقتصادية وذاب بعضهم بالتواشج السكاني، وبالتالي فلا غرابة إذن على حد قول أحد المعلقين أن يتمازج العرب مع الفرس أو مع الروم ومع البربر ولم يقلل الأفارقة عروبة العراق أو الشام أو المغرب؟
لقد شكلت زنجبار ومدن أخرى على ساحل الشرق الإفريقي، على سبيل المثال، امتداداً للإمبراطورية العُمانية أيام فترة حكم «سعيد بن سلطان» وعاد عدد كبير منهم إلى عمان بعد الانقلاب الدموي في بوروندي العام 1964 والمذبحة التي ذهب ضحيتها نحو 20 ألف عربي معظمهم من العُمانيين.
وقال «علي بن سيف الطوقي» إنه أقام في بوروندي طوال حياته ويملك جواز سفر عمانياً، لكنه لا يفكر في العودة إلى عُمان عكس إخوته، بينما يريد أولاده الاستقرار في السلطنة بعد إنهاء دراستهم.
وكشف للصحيفة عن ظروف فقر يعيشها عُمانيون لا يملكون جوازات سفر، وقال «إنهم ضائعون بين وطن يقيمون فيه من دون حقوق مواطنة وآخر ينتمون إليه لكنه لا يمنحهم جواز سفر» ، مضيفاً «أن 200 عماني لا يزالون يعيشون في بوروندي وهناك الآلاف في زنجبار ورواندا والكونغو يعملون في التجارة ويملكون المزارع».
وعلى رغم أنه يملك جواز سفر عمانياً أيضاً، إلا أن «فهيم الحارثي» يشعر بمعاناة مواطنيه المحرومين من هويتهم العمانية ، وقال «إن بعض الأجداد الذين استقروا هنا لم يعتنوا ببقاء وثائقهم الرسمية كما أن الأحداث السياسية في بلدان المهجر الإفريقي شتّتت الكثيرين».
وامتدح الرئيس البوروندي «بيير نكرونزيزا» خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر الحضور العُماني والعربي في بلاده، مشيراً إلى «أن الأحياء الإسلامية وفرت ملاذات آمنة في أوقات الصراعات».
وفتحت الحكومة العُمانية أبواب العودة لمواطنيها الذين عاشوا في أفريقيا، لكن المشكلة تمثلت بمن لا يملكون وثائق رسمية في ظل مخاوف من هجرة إفريقية معاكسة، فيما حمل العائدون معهم لغتهم السواحلية وثقافة إفريقية متعددة المستويات بقيت لكنتها على اللسان العربي، علماً أن غالبية الهجرات كانت من مناطق محددة في عُمان.
الصحيفة تنقل عن ديبلوماسي عُماني طلب عدم نشر اسمه لـ «الحياة» أن «هناك مآسي تعيشها عائلات عُمانية في ظل وفاة رب الأسرة»، مشيراً إلى رفع هذه المطالبات إلى الحكومة من دون أن تجد ردوداً.
وتلتقي الصحيفة مع بوروندي من أصل هندي يدعى «جمال قاسم»؛ إلى أول بيت عُماني بُني العام 1850، وقال إنه متزوج من عُمانية، وأشار إلى شابين قال إنهما عُمانيان… من دون جواز.
وقال «فؤاد العزري» بلكنة عربية انه درس في مصر لكنه لا يملك حتى بطاقة وأكثر من مرة تدخلت الأمم المتحدة لإعادته وآخرين إلى منازلهم بعدما تم طردهم إلى خارج الحدود البوروندية.
وأكد أنهم ليسوا متطرفين وتهمّهم سلامة عُمان ولا يضمرون الشر للسلطنة، ولا يريدون العودة إلا بطريقة سليمة.