لم يصدق مازن العبدان أن موظف التنسيق في مدينة الملك فهد الطبية، هو من يتحدث معه لتحديد موعد دخول والدته إلى المستشفى للعلاج من مشاكل عديدة في القلب، ببساطة لأن الاتصال ورده بعد أربعة أشهر من وفاة والدته التي كانت تنتظر هذا الموعد منذ أكثر من سنة.
يقول العبدان لـ”العربي الجديد”:”لم أعرف بماذا أرد على الموظف، لكن الحسرة اعتصرت قلبي، عندما قلت له: “تأخرتم كثيرا، والدتي توفيت منذ أربعة أشهر ولم تعد بحاجة لسريركم”.
مشكلة آل العبدان متكررة، إذ يعاني منها الكثير من المرضى السعوديين الذين لا يجدون أسرة يُعالجون فيها، وبرغم كثرة المشاريع الضخمة التي تعلن عنها وزارة الصحة بشكل مستمر ما تزال السعة السريرية للمستشفيات ضعيفة، ولم تنجح 60 مليار ريال في ميزانية وزارة الصحة السعودية السنوية في حل المشكلة. الظروف ذاتها تعرض لها وليد المزيد، منذ أكثر من عام إذ ينتظر موعدا لإجراء عملية خطيرة في القلب.
يقول وليد “الطبيب أخبرنا أنه لا بد من إجراء العملية بأسرع وقت، لأنني معرض لجلطة دموية ولكن التأخير ليس منا”، يتابع :”منذ أكثر من عام أنتظر الموعد في مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض، لكن لا يوجد سرير حتى الآن، ما زلت في الانتظار”، يخشى المزيد أن يكون مصيره كوالدة العبدان، “لكن ما باليد حيلة” كما يقول، بينما تبدو على وجهه علامات فقدان الأمل.
مدن طبية إعلامية
في السعودية يتساءل كثيرون، ماذا عن الأخبار التي تتحدث عنها وزارة الصحة في كل فترة عن بناء مدن طبية ومستشفيات عملاقة في كل مكان؟ يصف المختص في الشؤون الصحية السعودية الدكتور محمد الخازم استشاري العلاج الطبيعي إعلانات الوزارة عن المستشفيات الجديدة بالدعاية الإعلامية، ويشدد أن تقرير وزارة الصحة الرسمي يتناقض مع تلك الإعلانات، قائلا لـ”العربي الجديد”: “الحقيقة أن أعداد الأسرّة في تناقص وليس في ازدياد”.
ويضيف:”الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة هي للتسويق الإعلامي لا أكثر، ما يقدم على أرض الواقع يختلف تماما عن ذلك، التقرير الرسمي للوزارة يختلف عما يقوله مسؤولو الوزارة إعلاميا، التقرير الرسمي من عام 2006 وحتى توقف صدوره عام 2011 يقول إن معدل نمو الأسرة لا يتجاوز 600 سرير سنويا.
يشدد الخازم على أن “استلام مستشفى لا يعني أن المشفى وأسرّته يعملان بالكامل، هناك فرق بين أسرة ومبان وتشغيل هذه الأسرة والمباني، لا يوجد إثبات لما تقوله الوزارة، وهذه المستشفيات لا تعمل بالكامل”. ولفت الدكتور الخازم إلى أن الواقع الصحي في السعودية ما بين عامي 2006 وحتى عام 2011 يقول إن عدد الأسرّة تناقص ولم يزد.
ويضيف: “أنا أتحدث عن تقارير رسمية ولا علاقة لي بالتصاريح الإعلامية، ويتابع بتفصيل أكثر: “الأداء الصحي ما زال متواضعا، الأرقام هي ما يقول ذلك، لأن عدد الأسرّة تناقص في جدة من 2650 سريرا إلى 2410 أسرّة وفي عسير من 2000 سرير إلى 1950 وفي جازان من 1796 سريرا إلى 1765 وفي القريّات من 350 سريرا إلى 340 فقط، هذا ما تؤكده آخر تقارير وزارة الصحة الرسمية على موقعها الرسمي، وهي تقارير توقف إصدارها منذ عام 2011 ولا نعرف السبب”.
وذكر الخازم المؤلف المشارك في كتاب المشهد الصحي في السعودية أن الوضع الصحي في السعودية لم يتحسن، مستشهدا على صحة ادّعائه بأن مدينة الملك عبد الله الطبية التي أعلن عن افتتاحها سابقا، تقول إدارتها أنها لا تملك أرضاً كافية، وأيضا ما حدث في مستشفى الشميسي التي تم تغيير اسمها فقط، فيما لم يتغير أي شي آخر فيه، ويضيف:”لم يتحسن الوضع الصحي في السعودية ولا حتى بشكل طفيف، وعلينا ألا ننخدع بما يكتبونه في الإعلام، والمشاريع التي يحكون عنها تعاني من مشاكل في التنفيذ، وهيئة مكافحة الفساد قالت ذلك وأكدت أن هناك تعثرا في إنجاز المشاريع الطبية”.
يشدد الدكتور الخازم على أن الأمر أكبر من قضية فردية، لأنها مشكلة في أساس النظام بأكمله الذي يحتاج حسب وصفه، لحزم وضبط والتخلص من المركزية، ويقول :”إذا كان كل مسؤول يجلس في مكتبه ويصدر تعاميم، الطبيعي أن كلاً منهم يبرئ نفسه من أي تقصير على الورق، وهذا مايحدث الآن، لهذا لا يمكنهم معاقبة وكيل وزارة أو مدير المختبرات أو حتى الوزير لأن كل شيء على الورق سليم، بينما التطبيق ضعيف جدا، الوزارة مطالبة بإعادة النظر في آليات التطبيق لديها”.
التركيز على المباني أكثر من الخدمات
كشفت وزارة الصحة السعودية في الموقع الإلكتروني لها قبل أشهر أنها قامت في الفترة الأخيرة بتشغيل 15 مستشفى، وأضافت 3450 سريرا في كافة المناطق كما تنوي افتتاح مجموعة من المستشفيات والأبراج الطبية تضيف 8160 سريراً للطاقة الاستيعابية الحالية، بالإضافة إلى حزمة من المراكز المتخصصة والمرافق الصحية تشمل ثلاثة مراكز لجراحة وأمراض القلب، وثلاثة مراكز لعلاج الأورام، وكذلك تنفيذ المدينتين الطبيتين في المنطقتين الحدوديتين الشمالية (من العراق إلى الأدرن) والجنوبية (عسير)، وقريبا سيتم ترسية عطاء مقاولات مدينتين طبيتين في مكة المكرمة والمنطقة الشرقية.
لكن الدكتور ماجد المحسن الدكتور في العلوم الاجتماعية يؤكد لـ”العربي الجديد” أن الوزارة تركز على المباني أكثر من الخدمة ذاتها، ويقول: “للأسف تحرص الوزارة في كثير من أخبارها على التركيز على ماذا ستنشئ من مبانٍ حتى ولو كانت هذه المباني فارغة”، ويتابع: “مازلنا نحتاج لأكثر بكثير من المشاريع المعلنة فالوضع الصحي ما زال متأخرا، خاصة في المناطق غير الرئيسية، من غير المعقول أن يضطر المريض في كل موعد أن يسافر 300 كلم ويتكلف مصاريف سفر وسكن لكي يحصل فقط على العلاج”.
يشدد المحسن على أن الوزارة تغفل مثل بعض الوزارات التي تركز على إنشاء المشاريع، قراءة فكر المواطن ومدى قبوله هذه المشاريع، قائلا “نأمل أن يغير الوزير الجديد من هذه الفكرة المتأصلة لديهم”.
خلل في الإدارة يفاقم المشكلة
لا يقتصر الأمر على مجرد نقص في الإمكانات، “لأن الخلل الإداري في كثير من المستشفيات السعودية يحد من الاستفادة مما هو موجود أصلا” كما كشف لـ”العربي الجديد” أحد الأطباء العاملين في مشفى البرج الطبي في الدمام (طلب عدم نشر اسمه كي لا يتعرض للمشاكل).
يقول الطبيب (س.ل) “الكثير من الضعف الإداري يزيد من المشاكل التي يعاني منها المرضى”، ويتابع: “لا يقتصر الأمر على نقص الأسرة فقط، ولكن في كثير من الحالات يكون هناك مجال من أجل خدمة المرضى ولكن الخلل الإداري يمنع ذلك”، ويتابع:”مثلا في مشفى البرج الطبي في الدمام لدينا عيادات متكاملة للأسنان وبأحدث الأجهزة، لكن العيادات مغلقة ولا يتم تشغيلها، كان المشفى يريد وضع يافطة قسم أسنان في المكان فقط، كما أن العيادات العاملة فعلا، لا تعمل طوال الوقت ويغادر الأطباء مبكرا”.
ويشدد الدكتور (س.ل) على أن القيادات الإدارية في المنطقة الشرقية تفتقد للقدرة الإدارية التي يمكن أن تدعم عملهم، لا توجد لهم أية بصمة تحفظ حق المريض، والأجهزة موجودة، ولكن لا يتم تشغيلها، مثلا أجهزة الرنين المغناطيسي متوفرة، لكن المرضى يعطون مواعيد لعام قادم، بينما لو تعرّف أحد من العاملين في القسم تدخل فورا لأجراء الفحص”.
ويعترف الدكتور (س.ل) بنقص أسرة المرضى، لكنه يوعز ذلك للخلل الإداري، ويكشف: “كثير من غرف المرضى تحولت إلى مكاتب للموظفين”.
أيضا، لا يوجد هناك تناسب بين عدد الأسرة المخصصة للمستشفيات مع عدد سكان المدن، على سبيل المثال المنطقة الشرقية التي يسكنها قرابة عشرة ملايين نسمة لا يتوفر فيها سوى 18 مستشفى فقط، بل إن مستشفى “عنك” الذي يخدم منطقة يسكنها قرابة مليون شخص لا يتوفر فيه سوى خمسين سريرا فقط، ويضيف الدكتور (س.ل): “هناك نقص في الموارد وأيضا ضعف في استغلال المتوفر منها”.
خمسة برامج لحل مشكلة نقص الأسرة
يؤكد المتحدث الرسمي في وزارة الصحة السعودية الدكتور خالد مرغلاني أن الوزارة تحاول إيجاد حلول حقيقية للمشكلة من خلال خمسة بدائل أولها: “التوسع في المدن الطبية، والتوسع في المراكز الصحية، والزيارات المنزلية، وتحويل العلاج إلى القطاع الخاص، وجراحات اليوم الواحد”.
وبحسب تقرير رسمي للوزارة فإنها قد بدأت فعليا في تفعيل برنامج الطب المنزلي، بدعوة 2823 طبيباً استشارياً ضمن برنامج الطبيب الزائر، الذي يهدف إلى وصول مختلف التخصصات الطبية المتخصصة والنادرة إلى كافة المناطق.
ومن ضمن البرامج الجديدة التي أطلقتها الوزارة هذا العام، برنامج: “شراء الخدمة من القطاع الخاص، وفيه يتم تحويل أي مريض لا يتوفر له سرير في مستشفيات الوزارة إلى القطاع الخاص”، خاصة العناية المركزة للكبار والصغار وحديثي الولادة والطوارئ، إذ بلغ إجمالي ما تم صرفه العام الماضي 718 مليون ريال (191 مليون دولار أميركي). وأيضا برنامج شراء خدمات الغسيل الكلوي من القطاع الخاصة وبتكلفة بلغت مليارا و900 مليون ريال (500 مليون ريال سعودي) اعتباراً من هذا العام.
بعد خمس سنوات، الاقتراب من المعدل الأوروبي
بحسب الوزارة، فإن الميزانية الحالية تضمنت اعتماد 36 مشروعا جديدا، ويؤكد نائب وزير الصحة السعودي لشؤون التخطيط والتطوير الدكتور محمد خشيم في بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن وزارة الصحة تقترب من المعدل الأوروبي في عدد الأسرة مقارنة بعدد السكان والبالغ 3.4 سرير لكل ألف من السكان بتدشينها 45 مشفى خلال العامين المقبلين وإنجاز 140 مشفى خلال خمسة الأعوام القادمة.
وكشف الدكتور خشيم أن أعداد الأسرة في وزارة الصحة سيشهد ارتفاعا ملحوظاً خلال السنوات الخمس المقبلة حيث كان عددها في عام 2010 نحو 32.222 سرير في 224 مستشفى، بينما سيزاد عدد الأسرة التابعة لوزارة الصحة نحو 38970 سريرا بعد إضافة 7658 سريرا جديدا في 48 مستشفى و2537 سرير إحلال في 24 مستشفى.
وأضاف: “خلال السنوات الخمس المقبلة وحتى عام 2020 ستشهد مناطق السعودية إضافة كبيرة في عدد الأسرّة ليصبح إجمالي عدد الأسرة 73678 سريرا في 357 مستشفى بعد استكمال هذه المشاريع وتشغيلها، وذلك بعد إضافة 22330 سريرا في المستشفيات الجديدة ونحو 6168 سريرا في مستشفيات الإحلال ليصبح المجموع 28498 سريرا بالإضافة إلى أسرة المدن الطبية وهي 6200 سرير”.
إلى أن يتحقق ذلك، يعيش المرضى بين نارين، بين عدم توفر أسرة في المستشفيات الحكومية وبين كثرة الأخطاء الطبية القاتلة في المستشفيات الخاصة، فيما يأمل السعوديون أن يكون الوزير الجديد الدكتور محمد آل هيازع منقذاً لهم.
خالد السايع
العربي الجديد