من النادر أن يقف فرد في وجه سلطة أيًا كانت تلك السلطة، ومن النادر أيضًا أن ينجو من يتحدى السلطة إلا بمعجزة أو كرامة إلهية.
فإذا كانت السلطة تملك كل أداوت العنف والقمع، والفرد أمامها بلا شوكة أو حزب أو مجتمع يقف مع المناضلين أو يحميهم من بطش السلطة، فالتحدي حينئذ ليس إلا عملية انتحارية، قد تقررت نتيجتها في الذهن قبل تحققها في الخارج.
النظام الأساس للحكم في المملكة العربية السعودية، يمنح الحاكم حق التفرد الكامل بالسلطات الثلاث، كما في المادة (44) من النظام، فالحاكم مرجع كل السلطات، وبيده التحكم في كافة شؤون الدولة.
وهو بحسب النظام: “مرجع السلطة القضائية، والحاكم على السلطة التشريعية، والمتحكم في السلطة التنفيذية ، وله أن يعين من شاء ويفصل من شاء، ومشيئته مطلقة، ولا رادّ لإرادته!”.
ليس لأحد أن يرفع دعوى -في محاكم ديوان المظالم التي تفصل في الدعاوى التي تكون الدولة طرفًا فيها- إذا كانت الدعوى ضد شخص الحاكم أو ضد قرارته، فالدعاوى التي تتعلق “بالقرارات السيادية ” -وهي الأوامر والمراسيم الملكية- مرفوضة شكلًا ومضمونًا، وهي بذلك تكتسب الحصانة التي تمنع الطعن في قرارات الملك مهما كان الطعن مستندًا لأدلة قاطعة.
وحتى لا تسقط هيبة بعض أجهزة الدولة الأمنية ذات الطابع السيادي كوزارة الداخلية، فقد أُدرجت الدعاوى ذات الطابع السياسي أو الحقوقي في مفهوم السيادة، ومُنعت المحاكم من النظر فيها، إلا فيما يتعلق بالتعويض عند القاضي المختص بنظر الدعوى.
بل توسع مفهوم السيادة ليشمل بعض الوزارات الدينية ذات الطابع السلطوي على موظفيها، كوزارة الشؤون الإسلامية وهيئة الأمر بالمعروف، وقد رفض ديوان المظالم قبول دعاوى الخطباء على وزير الشؤون الإسلامية صالح آل الشيخ، ورفض الديوان كذلك قبول التظلم ضد رئيس الهيئة عبداللطيف آل الشيخ، كما رفض الديوان قبول دعوى تماضر اليامي ضد وزارة الداخلية بعد مصادرة سيارتها.
والسؤال الهام الذي يتبادر لذهن كل قارئ: أين يتظلم الفرد الذي ترفض المحاكم دعواه بحجة السيادة؟
والجواب: أن كل من له مظلمة وفي طرفها الآخر الحاكم أو جهاز سيادي، فحقه في مظلمته مؤجل إلى يوم الفصل بين الخلائق، وأما في الدنيا فليس من اختصاص المحاكم النظر في القضايا السيادية، ولا توجد جهة مستقلة للتظلم إلا الجهة التي تخاصمها.
وهنا يتضح معنى السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. كما يتضح خطر التفرد التام بالسلطة والنفوذ والمال والمنصب، ويتجلى معنى المعارضة والمواجهة لمثل هذه السلطة، ويرتفع شأن من يواجه البنادق بصدر مفتوح.
هذه المقدمة السابقة هامة جدًا، وهي توضح للقارئ الكريم أمرين هامين:
أ- الثمن الباهظ الذي سيدفعه من يواجه كيانًا قد صمم على الاستئثار بكل السلطة وبكل العنف.
ب- أن المعارضة ولو بموقف واحد أو بمقال محدود لمجهول غير معروف في أوساط الناس سوف تمنح المعارض قوة معنوية هائلة في تلك البيئة التي استقرت فيها السلطة لجهة واحدة، وبسببها يتحول الناشط والكاتب إلى بطل وطني في نظر كل المقهورين والمحرومين والمسحوقين وعند الطبقات الوسطى، وهذه القيمة تمنح المتحدي أثرًا بالغًا في المجتمع، ويحسب لوزنه وكلمته فيما بعد ميزان جديد يضعه في خانة الموجه والمرشد.
في هذا التقرير لن أقوم باستعراض كامل عن تاريخ النضال السلمي ضد تفرد السلطة بالحكم كي لا يطول التقرير على القارئ الكريم، ولكني سوف أشير إلى بعض النضالات السياسية والحقوقية التي حقق فيها أو أُودع أصحابها السجون وحكم عليهم بعشرات السنين في السنوات العشر الأخيرة.
ففي يوم الأحد بتاريخ: 7/4/1426هــ الموافق لعام 2005م، حُكم على الدكتور عبدالله الحامد ود. متروك الفالح ود. علي الدميني بأحكام قاسية على خلفية إصدار بيانات إصلاحية حملت في طياتها مطالبات أساسية، منها: إقرار الحريات لكل المواطنين، وفصل السلطات الثلاث، واستقلال القضاء، والسماح بتكوين جمعيات مدنية، وكتابة دستور، وبرلمان منتخب.
لم تحتمل السلطة مطالبات تتعارض مع طبيعة النظام، فاعتقلت من أصدروا البيان وأصدرت ضدهم أحكامًا بالسجن تراوحت بين 6ـ9 سنوات.
أعقب البيان بسنوات قليلة اعتقال ستة عشر من الناشطين على رأسهم الطبيب د. سعود الهاشمي والمحامي سليمان الرشودي والشيخ موسى القرني. وقد أمضوا إلى الآن قرابة سبع سنوات، منذ فبراير من العام 2007م.
التحدي الذي قاموا به لم يكن سوى رغبة جادة في المشاركة السياسية لإدارة الشأن السياسي مع الإبقاء على جوهر الحكم وأشخاصه، والمطالبة بملكية دستورية، وكانت التهمة الرئيسة: إنشاء حزب سياسي، إضافة لنشاط الدكتور سعود الهاشمي في إنشاء اللجان الشعبية.
ورغم شرعية المطالب الدينية والواقعية والعالمية بل وشرعية المطالب حتى في أنظمة ديكتاتورية، إلا أن منظومة القضاء الفقهية التقليدية قضت بالحكم ثلاثين عامًا على د. سعود واعتباره خارجًا على الحاكم، وحكم على البقية بأحكام تراوحت بين 10ـ25 عامًا.
بعدها بسنوات وفي العام 2009م ظهرت على السطح أول جمعية حقوقية مدنية سياسية، وهي جمعية “حسم” وقد استندت في تكوينها إلى المادة (24) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي وقعته المملكة، وهي مادة صريحة تنص على حق المجتمع في تكوين الجمعيات والتجمعات.
تعتبر جمعية “حسم” من أهم وأجرأ التحديات التي قام بها الإصلاحيون على امتداد تاريخهم النضالي، واستمرت في العمل قرابة الثلاث سنوات، وأصدرت العديد من البيانات وفي بعض تلك البيانات طالبوا بنقض بيعة الأمير نايف وليًا للعهد! ثم انتهى بهم المطاف إلى الزج بثمانية من أعضائها في المعتقلات، وإصدار أحكام قضائية تراوحت بين 5ـ11، وشهدت قاعة المحاكمة التي حوكم فيها أهم رموزها، وهما: أ.د. عبدالله الحامد، ود. محمد القحطاني حضورًا كبيرًا من مختلف الأطياف الفكرية رجالًا ونساءً تأييدًا وتضامنًا، وقد مثل الحضور المكثف شكلًا آخر من صور التحدي لتقاليد السلطة القهرية.
لم تقف التحديات النوعية عند بيانات الناشطين الإصلاحيين، فالتطورات التقنية المتسارعة سهلت توجيه الرسائل المباشرة لأعلى هرم في السلطة، وتحميله مسؤولية الجرائم والفساد والانتهاكات، وقد تم ذلك من دون أن يُخفي المعارض السياسي اسمه، أو يتلاعب في صوته، أو يستر صورته، بل يظهر في المقطع بصورته واسمه الصريح، ثم تطور الأمر إلى إبراز الهوية الوطنية، كدليل على رغبة المتحدث في إظهار جدية مطلبه، وعدم اكتراثه بما ستؤول إليه الأمور.
ففي 28/11/2011م، طالب الشيخ د. يوسف الأحمد بإعادة النظر في جهاز المباحث والتفكير في حله، وذكّر الملك ووزير الداخلية بتقوى الله، وقال نصًا: كما وجد الملك وقتًا لحضور المباريات لماذا لا يجد وقتًا لزيارة السجون؟ وحمل الملك ووزير الداخلية المسؤولية كاملة عن كل ما يحدث من معاناة المعتقلين أو ذويهم، وقد تم اعتقاله، والحكم عليه بخمس سنوات.
في العام 2012م، قام وجدي غزاوي بتقديم سبع حلقات أسماها “فضفضة” نالت إعجاب الكثير من المشاهدين، ووجه من خلال مقاطعه رسائل لاذعة جدًا للدولة ولرؤوس الحكم والمشيخة السلطوية، وتم القبض عليه والحكم عليه بـ12 سنة، بعد أن تم استدراجه لدخول المملكة ووعده بالأمان.
وفي العام 2013م، تحدث قرابة 25 شابًا في 25 مقطعًا على اليوتيوب وجميعهم في مقتبل أعمارهم.
وجهوا رسائل مباشرة للسلطة، واستنكروا ضياع الثروة، وذهابها للجيوب الخاصة، وحملوا الملك والدولة مسؤولية الفساد، وعبروا بشكل صريح ومباشر عن مطالب شعبية معيشية وبعضها مطالب بإصلاحات سياسية.
برز التحدي الجديد في مقاطع الشباب في اللامبالاة بكشف الهوية الوطنية التي تعني عدم الاكتراث ببطش السلطة.
وقد حظيت المقاطع بنسب مشاهدات مرتفعة جدًا، وتناقلت المواقع والقروبات والقنوات مقاطع الشباب وهم في ذروة تحديهم ولسان حالهم: اقض ما أنت قاض، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا، وقد تم اعتقالهم والتكتم على أخبارهم.
التصفية التي تمت بالاعتقال لم تكن لأجل المطالبات، فهي مطالبات مسبوقة بغيرهم، ولكن الجديد في المقاطع تحدي قوة السلطة نفسها، وتحميل رأس الدولة مسؤولية الفساد، وإعلان الصمود أمام جبروت السلطة، والاستعداد للتضحية لأجل التغيير للأفضل.
وفي العام 2013م، تكتلت مجموعة من النساء في حملة 26 أكتوبر التي تطالب بحق المرأة في قيادة السيارة، وقمن بتحديات كان من أبرزها: تحميل السلطة مسؤولية المنع من القيادة، بدلًا من مواجهة الخطاب الديني، ثم برز التحدي بشكل أكبر في الاستمرارية والصمود أمام بيانات الداخلية التي تحذر من تجاوز التعليمات.
وقد تجاهلت الحملة الانتكاسات والانسحابات التي حدثت في داخلها وتخلي بعض أعضائها الذين اعتبروا التحدي الذي تقوم به الحملة ضغطًا وليًا لذراع السلطة يؤدي للمزيد من تعنت الدولة.
لم تكترث الحملة بالحملات المتوالية من التيار “الليبرو جامي” الموالي للقمع واستبداد السلطة أو التيار المحافظ الذي يصطف مع السلطة في منع القيادة أو في المطالبات الحقوقية الخاصة بتحرر المرأة من قيود الدولة والعادات.
وفي الأسبوع الماضي، قامت الحملة وعبر حسابها في “تويتر” بالإعلان عن حدث جديد واستثنائي، يشكل تحديًا نوعيًا ومفاجئًا، وفي غاية الشجاعة والصمود.
التحدي النوعي الجديد قامت به سيدتان من عضوات الحملة هما: لجين الهذلول وبمساندة مباشرة من ميساء العمودي، وتواصل مع الحملة.
استطاعت لجين أن تلفت نظر الداخل والخارج لقضية القيادة، والتغريد على حسابها طوال مدة انتظارها، والمجازفة في مواجهة مباشرة مع تعليمات الداخلية، وقد حاولت الدخول بسيارتها من الإمارات إلى السعودية، وتم إيقافها على الحدود، واعتقالها بعد أربع وعشرين ساعة من الانتظار مع ميساء العمودي.
وقد نجحت لجين وميساء في إيصال رسالة الحملة: فالحدود والقوانين لا تلغي حق المطالبة بالقيادة، والحقوق لا تنتزع بالصبر على تعليمات جائرة، واستجداء الدولة قد أثبت فشله الذريع خلال ثلاثين سنة أو تزيد.
التحديات النوعية لم تقف عند بيانات الإصلاحيين أو مقاطع اليوتيوب أو الحملات أو بعض الهشتاقات القوية التي لم نتحدث عنها، فهنالك تحد جديد يضاف لما سبق، وهو وإن كان الأقل كلفة في مواجهة السلطة؛ إلا أنه الأكثر تأثيرًا، لكن شروطه الخاصة لا يمكن أن تتحقق، فهي أشبه بالصدف والومضات التي تبقى لحظات وتزول ليعود ما كان على ماكان.
التحدي النوعي الفريد الذي كتل جزءًا كبيرًا من الشعب ضد بيروقراطية السلطة، هو إنجازات وزير التجارة د. توفيق الربيعة.
الكل اصطف خلف الوزير، باستثناء تيار الليبروجامية، الذين يمثلون في الحقيقة الوجه الحقيقي للسلطة.
وأمام الانجازات الهائلة لتوفيق الربيعة نشرت جريدة الحياة مقالًا كشف عن الحقد الدفين تجاه من يعمل لمصلحة الشعب ويستخدم أدوات إدارية ديمقراطية في بيئة بيروقراطية.
نحتاج في هذا التقرير التوقف قليلًا لشرح التحدي النوعي الذي قام به الوزير:
فالنظام السياسي الذي يمتلك الحاكم فيه حق الترشيح والتعيين والخلع، هو كذلك يملك حق الاختيار الذي يناسب طبيعة الحكم المتفرد.
وقد يختار الحاكم وزيرًا ناجحًا، لكن الحاكم يملك إقالة الوزير ولو بعد تعيينه بيوم واحد متى أحس الحاكم أن المسؤول قد تجاوز طبيعة السلطة التي لا تقبل روح الإدارة الديمقراطية، ولو بلغت إنجازاته عنان السماء؛ ولذلك، من النادر أن تجد مسؤولًا أو قاضيًا أو أحدًا في منصب كبير من مناصب الدولة المستفردة بالحكم وله توجه أو رأي أو قرارات تختلف مع طبيعة البيئة التسلطية التي أصبح عضوًا فيها.
ولأن النظام التسلطي المتفرد بالحكم ذو طبيعة جبرية قهرية، فمن غير الممكن أن يعيش الفرد والمواطن بطبيعة أخرى تتعارض مع طبيعة التجبر. ومن غير الممكن أن يصبح الحكم جبريًا والنظام الإداري ديمقراطيًا أو شفافًا أو صريحًا. ومن غير الممكن أن تكون للفرد إرادة حرة أو استقلال نسبي عن السلطة التي أصبحت مسؤولة عن كل تصرفاته؛ بل يصبح الحر في تصرفاته أو في رأيه أو نقده المتحرر أو في قراره المتجاوز شاذًا وفي سياق يثير الانتباه.
ويصبح الوزير الذي يتجاوز النظام البيروقراطي، إلى التعامل المرن والديمقراطي ويتخذ القرارات بروح ديمقراطية شاذًا ومحلًا للتساؤول، ويصبح معرضًا للإقالة من منصبه.
البيئة البيروقراطية أقرب لروح النظام، فالربيعة متمرد على النظام لتمرده على أهم ركائز النظام في الحفاظ على مركزيته، وسيصبح محل تهمة، ولأنه يعتمد على اللامركزية في عمله، فهو لا يحارب الفساد والأطعمة المسمومة والتلاعب بالأسعار، بل هو في الحقيقية يواجه النظام ذاته، ويصبح من اليسير على كل فرد من المجتمع توقع مصير الوزير؛ لأنهم أدرى الناس بطبيعة البيئة التي يتنفسون فيها القهر، ولذلك توقعوا ولا يزالون يتوقعون مصير الوزير.
بعد الجولة السريعة التي حاولنا فيها استكشاف المواجهات النوعية التي قام بها العديد من المواطنين الأحرار من مختلف الأطياف نخلص إلى النتائج التالية:
1 ـ أن عنصر التحدي في جميع المواجهات ظهر في عدم الاكتراث بقمع السلطة، والاستعداد العالي جدًا للتضحية وفقد كل المكتسبات.
وهذا الاستعداد هو المكون الرئيس للتغيير والإصلاح، ولكنه لا زال محدودًا، وفي نطاق ضيق، وقد يحتاج لوقت طويل كي يعتاد المجتمع على فعل التضحية والصبر على ملاقاة الأهوال، ومواجهة الأخطار، وإلقاء النفس في التهلكة؛ لأجل المصلحة العامة.
2 ـ أن التحدي النوعي للسلطة التي حازت كل السلطة، هو الخيار المرجح للإصلاح في البيئة السعودية خاصة، فليس بالضرورة أن يكون التغيير بالمظاهرات، أو التجمعات، فقد ثبت أن المجتمع السعودي ميال للتصفيق للمبادرات الفردية التي يدفع ثمنها فرد أو أفراد، تصنع منهم أبطالًا ومناضلين، ويكون لهم التأثير المؤجل في المستقبل.
3 ـ ثمن التحدي النوعي باهظ جدًا إلا أن نتائجه أسرع في كشف المساوئ والتنبه للخلل واختصار التغيير في زمن قصير، ويشجع على المزيد من التحدي، ويفعل فعل السحر في المجتمع الذي تنعدم فيه وسائل الإصلاح.
4 ـ أن التحدي النوعي انتصرت به دعوات وقامت على أسسه إصلاحات كبرى، وتفككت به دول عظمى.
5ـ أن المزيد من التضحيات النوعية ستدفع للمزيد من قوة الضغط على السلطة للتغيير، والأهم من ذلك أن التحديات النوعية ضاعفت من أعداد المضحين، على عكس ما يقال، فنحن اليوم نرصد عشرات الأمثلة والنماذج التي قامت بتحديات نوعية في الداخل، والمستقبل سيشهد المزيد التحديات النوعية من مختلف الأطياف، والمهم أن تكون سلمية، وأن يستعد المضحي لتحمل كامل التعبئة ويحتسب أجره على الله، ولا ينتظر النتائج.
6 ـ أن التحديات النوعية هي معنى قوله عليه السلام: “وكلمة حق عند سلطان”، وثمرة كل التحديات التي تحدثنا عنها إن لم يكن التغيير والإصلاح، فهي الشهادة في سبيل الله لمن أخلص النية، وأقبل على ربه يبتغي وجهه، فقد صح عنه عليه السلام كما عند الحاكم: “أعظم الشهداء عند الله حمزة ورجل قام إلى ذي سلطان جائر أمره ونهاه فقتله”.
وإذا كانت لجين وميساء لا تلتزما بالحجاب كما يقول البعض، فقد كان الصحابي أبو محجن الثقفي يمارس ما هو أعظم وهو شرب الخمر، ولكنه ومن فرسان الجهاد في سبيل الله، ويكفيهما شرفًا أن وقفتا في وجه سلطة قهرية مستبدة مستأثرة بكل السلطة.
7ـ أثبت التيار المحافظ أن مهمته الاصطفاف مع القضايا الإصلاحية التي تتعلق به أو يقوم بها أحد ممن ينتمي لنفس التيار، أو لا تتعارض المواقف الاصلاحية مع أجندته، ولا يمنع نفسه من الوقوف مع السلطة التي تقمعه وتزج ببعض رموزه في السجون إذا قامت باعتقال خصومه.
وهذا السلوك البغيض جعله محلًا للسخرية والتندر وهو سلوك متلون وسلوك نفعي، يثبت أن منظومة التيار المحافظ تسير بلا قيم أو حدود أخلاقية، ويثبت أن المطالب الإصلاحية الفئوية هي الأخطر على المجتمع، وهي التي تطيل عمر القمع والتسلط.
أما الموقف الليبرالي، فقد كشف عنه نفسه، فهو السلطة وليس وجهًا آخر، وهو القمع والتسلط، وهو يسير بنفس الدرجة والاتجاه الذي تتجه له السلطة.
خالد بن صقر – التقرير