في أي يوم عادي، من المرجح أن يقوم الإنسان المقيم في مسقط، وهي عاصمة سلطنة عمان، بقيادة سيارته عبر طريق السلطان قابوس، وأن يمر بمسجد السلطان قابوس الكبير، أو ربما بميناء السلطان قابوس.
ومن المرجح كذلك أن يقوم هذا الشخص، وقد يكون من خريجي جامعة السلطان قابوس، بمشاهدة مباراة لكرة القدم في مجمع السلطان قابوس الرياضي، قبل العودة إلى منزله في مدينة السلطان قابوس السكنية، وهي حي من أحياء المدينة.
وإذا كان رجل واحد يسيطر على هذه الدولة؛ فهذا لأنه، ومنذ أن أطاح والده عام 1970، حكم قابوس بن سعيد آل سعيد هذه الدولة الخليجية باعتبارها ملكًا مطلقًا، وإن كان يعد شخصًا خيرًا من حيث أنه وحد وحدث عمان.
لم تكن هيمنة السلطان قابوس على البلاد تحظى بالكثير من الاهتمام حتى وقت قريب.
ولكن، ولما يقرب من ستة أشهر، كان السلطان البالغ من العمر 74 عامًا تحت رعاية الأطباء في ألمانيا، حيث يقال إنه مصاب بسرطان القولون.
وباعتباره غير متزوج، لا يوجد لقابوس وريث أو خليفة محدد.
وقد حاولت وسائل الإعلام الحكومية إظهار إطلالة السلطان على شاشة التلفزيون الحكومي في وقت سابق من هذا الشهر، وكانت المرة الأولى التي يرى فيها العمانيون حاكمهم منذ مغادرته البلاد، باعتبارها مؤشرًا إيجابيًا.
ولكن، السلطان بدا واهنًا جدًا في إطلالته تلك.
وحتى عندما حاول بشكل مبهم تبرير غيابه عن البلاد، قال للعمانيين: “لأسباب تعلمونها”، وهو ما أدى إلى الدهشة، حيث إنه لم يتم بث أي إعلان رسمي عن مرضه منذ مغادرته البلاد.
وأما أعمال الدولة، والتي هي بطيئة حتى في أفضل الأوقات، فقد تباطأت إلى حد أكبر.
ويرتفع التوتر الآن بسبب أن الظروف الاقتصادية تزداد سوءًا في البلاد.
التحدي الأكبر في سلطنة عمان، هو فطم نفسها عن الاعتماد المفرط على النفط والغاز، وعن الإنفاق الحكومي، والعمالة في القطاع العام.
تراهن الحكومة حتى الآن على مشاريع البنية التحتية، مثل ميناء الدقم، وهو مجمع كبير قيد الإنشاء على الساحل الجنوبي.
لكن، تراجع سعر النفط إلى 70 دولارًا للبرميل هو موضوع نقاش عاجل؛ نظرًا لأن هذا التراجع سوف يدفع عمان إلى العجز في العام المقبل.
وكانت المظالم الاقتصادية، وعدم وجود فرص عمل، عاملًا وراء النسخة العمانية المصغرة من احتجاجات الربيع العربي في عام 2011.
وعند نقطة ما، سوف تكون عمان بحاجة إلى تشديد الحزام بينما تنخفض عائدات النفط.
ويشير مسؤولون في هذا الإطار إلى احتمال خفض الدعم (ربما على البنزين)، وفرض ضرائب على تحويلات العاملين إلى الخارج.
وحتى الآن، وكما هو الحال في دول الخليج الأخرى، يعتمد العقد الاجتماعي العماني على سخاء الحكومة في التعامل مع سكانها بمقابل ألا يطالب المواطنون بكثير من الحقوق.
ولكن، التدابير الشعبية المتخذة استجابة لسخط عام 2011 تواجه الآن مشكلة؛ حيث تم توظيف 50 ألف شخص إضافي في القطاع العام المتضخم بالفعل.
وعلى الرغم من أن عمان هي في المرتبة 66 من أصل 189 دولة في التصنيف العالمي للبنك الدولي حول سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، إلا أن معظم رجال الأعمال في مسقط يشكون من انعدام الشفافية.
وينص القانون العماني على إجراء فقهي لإيجاد خليفة لقابوس.
ففي حال وفاة السلطان، سيكون على أسرة آل سعيد الحاكمة أن تقرر خلال ثلاثة أيام من الذي سوف يقوم مقامه.
وإذا لم يتمكن أفراد الأسرة من الاتفاق، سيتم فتح مغلف أرسله السلطان نفسه، ويحتوي على اسم خليفته المختار.
ويقال إن أبناء عمومة قابوس الثلاثة، أسعد وشهاب وهيثم بن طارق آل سعيد، هم الأسماء الأبرز لتولي المنصب.
وفي حين أنه لا يعرف عن هؤلاء الثلاثة سوى القليل، إلا أن الكثير من العمانيين لا يريدون مواجهة لحظة وفاة حاكمهم؛ بسبب أنه “وبكل بساطة، حذاء جلالته أكبر بكثير من أن يتم ملأه”، كما يقول المحلل أحمد المخيني.
والذي يقول ايضا “قد يكون هذا أمرًا جيدًا؛ لأنه يعني أن السلطان المقبل سيكون مضطرًا لتقاسم السلطة”.
وينظر إلى السلطان قابوس على أنه صاحب بصيرة من قبل العمانيين والوافدين، وحتى الدبلوماسيين الغربيين.
فعلى مدى أكثر من 44 عامًا، استخدم السلطان أموال النفط في دولته الخليجية التي يبلغ عدد سكانها 4.1 مليون نسمة، نحو 40٪ منهم من المغتربين، في تحويل عمان من دولة فيها بضعة أميال فقط من الطرق المعبدة، إلى دولة مزدهرة توفر الضمان الاجتماعي السخي.
وقام السلطان بتوحيد البلاد أيضًا، وقمع التحريض الانفصالي، مثل التمرد الذي اندلع في منطقة ظفار بين عامي 1962 و1976.
ويعرف العمانيون أن ثروة بلدهم أقل من المملكة العربية السعودية المجاورة، ولكن حاكمهم فعل بثروتهم ما هو أكثر من المملكة بكثير؛ حيث صنع السلطان صداقات مع الجميع، بما في ذلك ترتيب محادثات بين الغرب وإيران، رغم الذعر من هذه المحادثات في العربية السعودية.
لكن أي حاكم جديد لعمان لن يفتقر فقط اللمسة الشعبية للسلطان، ولكنه سيواجه أيضًا سكانًا ولدوا في الغالب بعد 1970، ولا يتذكرون الماضي الأكثر بؤسًا للبلاد.
وقد شعر العمانيون بالارتياح لقيام محاكمات الفساد رفيعة المستوى، بما في ذلك قضية محمد الخصيبي، وزير التجارة السابق، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في مايو/أيار.
ولكن فئة غير قليلة منهم تشعر أيضًا بخيبة أمل تجاه الافتقار إلى الإصلاح السياسي، وحقيقة أن الأجهزة الأمنية قد حصلت على دور أكثر بروزًا منذ عام 2011.
وحتى مع ذلك، وعند النظر حولهم، يرى العمانيون أن بلدهم في حال أفضل بكثير من معظم الدول الأخرى المحطمة في المنطقة.
الإكونوميست