من جديد عاد التراشق الإعلامي بين قيادات منظمة التحرير الفلسطينية إلى الواجهة، مؤخراً شن القيادي المفصول من حركة فتح والمقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة «محمد دحلان» هجوماً عنيفاً على رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» ورئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية «رفيق النتشة» وذلك على خلفية إحالة ملفه إلى محكمة جرائم الفساد.
وهاجم «دحلان» «النتشة» في تصريح نشره على صفحته الشخصية على فيس بوك اتهمه خلاله بتلفيق التهم بالتواطؤ مع «محمود عباس» الذي وصفه «دحلان» بـ«الطاغية»، حيث جاء في بيانه : «بت أعلم أولاً بأول ما يلفقه ويدبره الطاغية الفاسد محمود عباس، لي ولغيري، من القيادات والتنظيمات، المعارضة لنهجه المشبوه وطنيا، وإدارته الموبوءة بالفساد والانهيار والترهل، وكل ما أريد قوله للنتشة حول تصريحاته أو إجراءاته هو أنه فاقد للشرعية والصفة القانونية».
وأكد «دحلان» على استعداده للمثول أمام أي مؤسسة وطنية فلسطينية صاحبة ولاية قانونية كالمجلس التشريعي الفلسطيني الذي يتمتع «دحلان» بعضويته وحصانته، كما أشار «دحلان» إلى الخلاف بينه وبين الرئيس «محمود عباس» بقوله : «ليس سرًا حجم و نوع الخلافات بيني وبين عباس، ومعظم تلك الملفات الخلافية لم تعد حصرا بيني وبين عباس، فقد باتت محاور خلافات عميقة، بين الغالبية الساحقة من قوى و فصائل العمل الوطني الفلسطيني من جهة، ومحمود عباس من جهة أخرى».
تراشق متبادل
وانتقد «دحلان» الهجوم الذي شنه التليفزيون الرسمي الفلسطيني منذ يومين على شخصه وعلى رفيقه «ياسر عبد ربه» أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» ووصفه بالإسفاف والانحطاط وجاء في قوله : «الجميع شاهد وتابع الإسفاف والانحطاط من قبل أحد مرتزقة عباس منذ أيام على شاشة التلفزيون الرسمي، الممول من قوت الشعب، وأقول لكل من يضع رأسه في الرمال، لهذا السبب أو ذاك، بأن ذلك المرتزق إنما أطلق كل ذلك الكلام بتعليمات واضحة ومحددة من محمود عباس، فتلك فلسطين التي يريدها عباس، فلسطين المزرعة العائلية، فلسطين فرعون الجديد، فلسطين الانقسام والإذلال«.
كان الإعلامي بتلفزيون فلسطين الرسمي «ماهر شلبي» قد شن هجوماً كييراً على «دحلان» و«عبد ربه» متهماً إياهما بعقد لقاء في دولة الإمارات مع وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق «سلام فياض» بهدف إضعاف الرئيس عباس،الأمر الذي يحمل انتقاداً مبطناً أيضاً لدولة الإمارات التي استضافت اللقاء.
ويعتبر الإعلامي «شلبي» من المقربين من الرئيس «عباس»، إذ سبق وأن كان من أبرز مسؤولي الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس في العام 2005.
من جانبه رفض «عبد ربه» الاتهامات الموجهة إليه وقرر ملاحقة الإعلامي «ماهر شلبي»، وذلك عبر بيان رسمي قال فيه: «أقدم المدعو ماهر شلبي على الترويج لسلسلة أكاذيب واتهامات زائفة خلال برنامجه التلفزيوني (حكي عَ المكشوف)»، وأضاف عبد ربه قائلاً : «إنّ هذا الكذب المشين الذي أقدم عليه المدعو شلبي لن يمر ببساطة، وسوف أطلب تقديمه إلى القضاء لمحاسبته على هذا اللون من ترويج الأكاذيب من قِبَلِه ومن قِبَلِ مَن أوحى له بذلك».
وقالت مصادر إن الهجوم جاء بإذن من جهات عليا، مقربة من رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» وهو أمر غير معتاد في الإعلام الفلسطيني أن يطال الهجوم شخصيات على هذا المستوى، الأمر الذي يفسره مراقبون أنه أحد فصول الصراع المشتعل بين «عباس» وكل من «عبد ربه» ورئيس الوزراء الأسبق «سلام فياض» ، الأمر الذي انتهي باستقالة فياض من رئاسة الحكومة وسحب صلاحية الإشراف على الإعلام الرسمي وتليفزيون فلسطين من عبد ربه، قبل أن يقوم بطرد دحلان من اللجنة المركزية لحركة فتح بصحبة الكثير من أنصاره ومنهم نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني.
جدل حول خلافة «عباس» في رئاسة السلطة
ويأتي هذا التراشق الإعلامي بين الفرقاء الفلسطينيين ليستبق المعركة المنتظرة حول رئاسة السلطة الفلسطينية وخلافة الرئيس «محمود عباس» الذي انتهت ولايته فعلياً منذ أكثر من 5 سنوات ويستند إلى شرعية البقاء في السلطة التي يعطيها إياه الدستور لحين انتخاب رئيس جديد، ويشير المحللون إلى وجود حالة من الإجماع الإقليمي والدولي أن «عباس» لم يعد لديه الجديد ليقدمه وأنه قد آن الأوان لتسليم قيادة السلطة لرئيس جديد، حتي دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها، سبق وأن أخبرت الولايات المتحدة أن عباس قد صار مقيداً وأنه لم يعد لديه القدرة على المضي قدماً والإتيان بجديد في مجال المفاوضات.
لا تخفي القوى الإقليمية وعلى رأسها الإمارات ومصر امتعاضها من بقاء «عباس»، ولعل أزمة حفل تنصيب الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في يونيو الماضي أحد الشواهد على ذلك، حيث أصرت كل من الإمارات ومصر على حضور «محمد دحلان» للحفل رغم معارضة «محمود عباس»، قبل أن تتوسط السعودية في النهاية لاستيعاب الخلاف.
يدرك الرئيس «محمود عباس» أنه لم يعد مرغوباً في بقائه، الأمر الذي جعله يصرح أكثر من مرة عن عدم نيته للترشح للانتخابات القادمة –لم يحدد موعدها بعد- رغم ضبابية الرؤية بشأن ملف خلافته، ورغم أن عباس نفسه لا يقوم بأى خطوات توحي أن في نيته تسليم السلطة أو إجراء انتخابات في المدي القرب.
في ذات الصدد، نشرت مصادر صحفية في نوفمبر الماضي أنباء عن أن رئيس حكومة السلطة الفلسطينية السابق «سلام فياض» شرع في جهود لتعزيز فرصته في خلافة رئيس السلطة الحالي «محمود عباس» من خلال الاتصال بقوى بمراكز النفوذ والقيادات الأمنية وأصحاب الشركات الداعمين له في السلطة الفلسطينية.
وأوضحت المصادر أن بعض النخب الفلسطينية المرتبطة بـ«فياض» شرعت في الترويج لفكرة خلافته لعباس من خلال عقد ندوات على نطاق ضيق، كما شددت المصادر على أن فياض يراهن بشكل خاص على دعم الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل لترشيحه، خاصة مع الإشادة الكبيرة التي تلقاها فياض أثناء فترة رئاسته للوزراء من قبل المسئولين الإسرائيليين حتي إن وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق «إيهود باراك» قد نسب إليه الفضل في تحسين البيئة الأمنية للمستوطنات.
في ذات الصدد تشير مصادر إلى أن كل من الإمارات ومصر تبديان دعماً كبيراً للقيادي المفصول من حركة فتح «محمد دحلان»، حتى أن البلدين سبق وأن مارستا ضغوطاً على «عباس» للتصالح مع دحلان، ورغم سعي «عباس» الشديد إلى نيل رضا مصر بدعم خطتها الأمنية في سيناء إلا أنه يبدو حتى الآن أن الرياح المصرية والإماراتية لا تزال تأتي بما لا تشتهي سفن «محمود عباس».