لطالما كان التصنيف الصادر عن مجلة «أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم» يُنظر إليه على أنه بمثابة الكتاب المقدس لسُمعة الجامعة.
على الرغم منذ ذلك، أصيب الكثيرون بالدهشة عندما خرج التصنيف العالمي الأول في أكتوبر. وارتفعت جامعة كاليفورنيا في بيركلي – والتي تلعب عادة في العشرينات في الترتيب الهرمي الوطني – إلى المرتبة الثالثة على الساحة الدولية. وفي الوقت ذاته احتلت مراكز متقدمة بشكل ملحوظ في عدد من الموضوعات، منها المركز الأول في الرياضيات.
وازداد الاندهاش نتيجة حصول جامعة الملك عبد العزيز السعودية – المعروفة بالكاد – على المرتبة السابعة عالميًا في مجال الرياضيات، على الرغم من أنها لم تكن تمتلك برنامج دكتوراة في ذلك المجال حتى قبل عامين.
وأعرب «ليئور باكتر» – أستاذ الرياضيات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي – عن دهشته قائلاً: «أعتقد أن هذا كان أمرًا غربيًا بالفعل. لم أسمع في حياتي قط عن تلك الجامعة في ما يتعلق بأبحاثها في مجال الرياضيات».
وكما اعتاد أن يفعل عند نشر هذا التصنيف العالمي؛ تلقى «باكتر» سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني من زملائه أعضاء هيئة التدريس لتبادل التهنئة. وأعرب عن عميق سروره لمجيء قسم الرياضيات الذي يعمل هو فيه في المرتبة الأولى. لكنه في الوقت ذاته أعرب عن دهشته لتفوق كُليته على كليّات أخرى معروفة بسمعتها في مجال الرياضيات مثل «معهد ماساتشوستس للتقنية» والذي لم يحلّ حتى بين أول عشر جامعات.
للتصنيف أولاً وأخيرًا
لقد كانت نتائج تلك التصنيف كافية لإلهام «باكتر» القيام بمراجعة دقيقة للتصنيفات الموضوعة مؤخرًا. وكشفت تحقيقاته أن جامعة «الملك عبد العزيز» قامت بعملية توظيف فجّة لأساتذة وباحثين ضمن قائمة العلماء ذائعي الصيت. وأضاف «باكتر»: «كلما تتبعت الخيط لمعرفة مزيد من التفاصيل كلما أُصبت بالصدمة وشعرت بالاشمئزاز لكوني عرفت».
وتُعدّ التوثيقات مؤشرًا على النفوذ الأكاديمي، كما أنها أيضا مقياس حاسم يُستخدم في وضع ترتيب تصنيفات مختلف الجامعات. قد يكون هناك أسباب كثيرة لتوظيف باحثين ذائعي الصيت، لكن النتيجة التي بدت لي واضحة هي أن جامعة «الملك عبدالعزيز» تنظر إلى تلك التصنيفات على أنها استثمار.
ويكمن القلق – بحسب بعض الباحثين – في أن التوثيقات والتصنيفات في نهاية المطاف قد تكون الهدف الأساسي لجامعة الملك عبد العزيز. ولم تستجب الجامعة للطلبات المتكررة لإبداء تعليق عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ليتأتى إدراجه ضمن هذا المقال على لسانها.
ونشر «باكتر» في «عيد الهالوين» استنتاجاته حول ما تسميه جامعة الملك عبدالعزيز «برنامج الباحثين ذائعي الصيت» في منشور على مدونته الشخصية، وأثارت استنتاجات «باكتر» الكثير من ردود زملائه في التعليقات، البعض منهم عمل بالفعل في جامعة الملك عبد العزيز.
كما اتصل «جوناثان إيسن» – أستاذ بجامعة كاليفورنيا في ديفيس – بالبروفسيور «باكتر» وتناقش معه بخصوص الأمر، مُبينًا أنه تلقى قبل عام تقريبًا عرضًا مغريًا من جامعة الملك عبد العزيز لكنه رفض العرض في نهاية المطاف.
وأجرت الجامعة اتصالات مع معظم الباحثين – مثل إيسن – في البداية عن طريق البريد الإليكتروني لسؤالهم عما إذا كانوا يقبلون الالتحاق بها، وعما إذا كانوا أيضًا يرغبون في الانضمام إلى أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بصفتهم «أستاذ مساعد متميز». وتداول «إيسن» رسائل البريد الإلكتروني مع عدة أشخاص في جامعة الملك عبد العزيز في محاولة لمعرفة الأنسب له من حيث القبول أو الرفض.
وأضاف إيسن: «لقد حاولتُ التواصل معهم لمعرفة ما يقومون به. لقد شممت في الأمر رائحة لم تروقني».
لقد عرضت جامعة الملك عبد العزيز على «إيسن» في رسالة البريد الإليكتروني التي وصلته راتبًا سنويًا يصل إلى 72 ألف دولار أمريكي، وتذكرة سفر مجانية على درجة رجال الأعمال، وإقامة فندقية خمس نجوم في مقابل زيارة جامعة الملك عبد العزيز في جدة بالمملكة العربية السعودية. هذا العرض المادي من الجامعة مقابل عمله بالتعاون مع باحثين محليين في جامعة الملك عبد العزيز، بالإضافة إلى تحديث قائمة «تومسون رويترز» للباحثين ذائعي الصيت لتشمل جامعة «الملك عبد العزيز». كما عليه أن يقوم بنشر بعض المقالات الصحفية العلمية التي تحمل اسم الجامعة السعودية بين الحين والآخر.
وأفاد بعض الأساتذة السابقين والحاليين بجامعة الملك عبدالعزيز بأنهم تلقوا رسائل واتصالات مشابهة من حيث المهام والمغريات المادية.
وتابع «إيسن»: «لقد عُرض عليّ هذا الراتب لأكون أستاذًا زائرًا وحتى حضوري لم يكن مشروطًا بصفة مستمرة. ووجدتهم يقولون لي: نريد أن تدرج اسمك كواحد من أعضاء هيئة التدريس التابعة لنا».
ونشرت مجلة «ساينس» في عام 2011م مقالاً بعنوان «الجامعات السعودية تعرض المال في مقابل الهيبة الأكاديمية» مشككة في جهود جامعة الملك عبد العزيز لتعزيز مكانتها الدولية من خلال هذا البرنامج.
وردًا على ذلك؛ أرسل «عدنان حمزة زاهد» – وكيل جامعة الملك عبدالعزيز للدراسات العليا والبحث العلمي – خطابًا إلى المجلة يدافع فيه عن البرنامج. وجاء ضمن الخطاب: «تنفي جامعة الملك عبدالعزيز نفيًا قاطعًا ما يُقال عنها بشأن شراء المنشورات العلمية لأجل الحصول على ترتيب في التصنيفات العالمية. لن تضحي الجامعة بسمعتها من أجل الحصول على جوائز لا تستحقها، كما أن العلماء البارزين المتعاونين مع المؤسسة لن يقبلوا هذا العرض غير الأخلاقي».
انتماءات ثانوية
وقالت جامعة الملك عبدالعزيز على موقعها الإليكتروني إن الهدف من التعاقد مع أساتذة ذائعي الصيت على نطاق واسع هو «تشجيع وتعزيز برامجها البحثية في مختلف التخصصات، والشروع في علاقات تعاون قوية مع غيرها من المؤسسات الرائدة في جميع أنحاء العالم». وسيتم تجربة البرنامج في ربيع عام 2010م في قسم الرياضيات ثمّ قامت لاحقًا بالتوسع في تخصصات أخرى.
ووضعت القائمة التي تضم حوالي 130 باحثا – يمتدون عبر العالم من هونج كونج إلى هولندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية – جامعة الملك عبدالعزيز على قاعدة بيانات مؤسسة «تومسون رويترز» لأبحاث العلماء ذائعي الصيت. هذه الأرقام أعلى بمعدل أربع مرات عن تلك التي تصدرها جامعة هارفارد؛ والتي تمتلك ثاني أعلى نسبة انضمامات ثانوية.
وشملت قائمة جامعة الملك عبدالعزيز أربعة باحثين منتمين لجامعة كاليفورنيا في بيركلي؛ على رأسهم: «كريس سومرفيل» أستاذ النبات والميكروبيولوجي، و«شيانغ تشانغ» أستاذ الهندسة الميكانيكية، واللذان يقدمان أبحاث ويجريان دراسات بصفة مستمرة.
وبدأ «سومرفيل» – باحث ذائع الصيت – عمله في منصب الأستاذ المساعد في وقت مبكر من هذا العام. وأشار أنه منذ ذلك الحين يساعد الباحثين بجامعة الملك عبد العزيز ضمن مشروع منحة. وكان من المفترض أن يسافر إلى الجامعة في وقت سابق من هذا العام لكنه لسبب أو لآخر لم يفعل.
وعندما سئل عما سيفعله إذا اتضح أن جامعة الملك عبد العزيز قامت بتعيينه للاستفادة مما ينشره لتلميع صورتها قال سومرفيل: «سألت عن ذلك بالفعل»، مضيفًا إنه لم يتأتى له التأكد من صحة ما يُقال.
وفي الوقت ذاته امتنع «تشانغ» عن التعليق قائلاً إنه لا يريد أن يخسر علاقته الجديدة مع جامعة الملك عبد العزيز.
وتحدث أساتذة سابقون بالجامعة عن تجارب مماثلة لتلك التي رواها «سومرفيل». فلقد تواصلوا مع الباحثين في الجامعة بشأن صياغة المقترحات، ولكنهم لم يتلقوا أي رد. ورأى عددٌ من هؤلاء الأساتذة أن البرنامج كان بمثابة الجهد المخلص الساعي لإقامة تعاون بحثي دولي، لكنه لم يخرج من النطاق النظري إلى الناحية العملية.
وعمل «مارتين كريسبيلز » – أستاذ فخري في جامعة كاليفورنيا سان دييجو – أستاذًا مساعدًا في جامعة الملك عبد العزيز لمدة سنة واحدة فقط. وسافر بموجب العقد إلى المملكة العربية السعودية وقدّم مقترحًا بحثيًا للباحثين بالجامعة عن تسلسل جينات النباتات الصحراوية، ولكنه لم يتلق ردًا حول هذا الاقتراح.
وقال «كريسبيلز» إن عقده قد تم إنهاؤه نهاية العام. ويعتقد أن الجامعة كان مهتمة فقط بتوظيفه ضمن هيئتها بسبب ترتيبه العالمي ضمن قائمة الباحثين ذائعي الصيت عام 2011م، وأنها قد أنهت عقده بعد أن أدركت أنه لم يعد ينشر خارج إطار جامعة كاليفورنيا في سان دييجو.
وتابع قائلاً «لقد كان البرنامج على ما يُرام، ولكن إذا كانوا قد وضعوه لأجل قوائم التصنيفات فليست هذه هي الطريقة التي من شأنها أن تطور العلوم في البلدان النامية. شعوري أنها فقط طريقة ترفع بها أرقامك».
ولكن «مانوليس ديرميتزاكس» – الأستاذ المساعد النشط بالجامعة، والمدرس بكلية الطب جامعة جنيف – يرى أن جامعة الملك عبد العزيز بدأت إنهاء عقود أساتذة مساعدين ليس بسبب عدم نشرهم اسم الجامعة على الأبحاث التي يقومون بها، ولكن بسبب زياراتهم القليلة للجامعة في غالب الأحيان أو عدم مساعدتهم في مقترح المنحة. ويرى أيضًا أن الجامعة لم تلجأ للطريقة المُثلى في توظيف الأساتذة المساعدين.
وتابع «ديرميتزاكس» في رسالة بريد إلكتروني للصحيفة قائلاً: «تكمن المشكلة الرئيسية في أن الطريقة التي انتهجها السعوديون مع الناس لم تكن أنيقة. بالنسبة لي كانت المشكلة الأساسية هي عدم فهمهم الكامل لطريقة إدارة المجتمع العلمي، والسبب يرجع إلى ما هم فيه من العزلة».
ما وراء المقاييس
وبالإضافة إلى ترتيبها السابع في مجال «الرياضيات» ضمن تصنيف «أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم» جاءت أيضًا جامعة الملك عبدالعزيز في المرتبة العاشرة في نفس المجال لكن على قائمة «التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية». وبالعودة إلى عام 2012م نجد الجامعة قد احتلت المرتبة الــ 51 في مجال الرياضيات بين 75 مؤسسة أخرى.
وحلّت الجامعة مؤخرًا في مرتبة متقدمة على قائمة التصنيفات التي تعتمد بشكل كبير على عدد الباحثين ذائعي الصيت عند اختيارها لأي جامعة أو مؤسسة تعليمية مثل«التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية» و«أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم».
وفي تصنيف مجلة «أخبار الولايات المتحدة وتقرير العالم» فإن 75% من المؤشرات المعتبرة ينبغي أن تكون مؤشرات ببليومترية (أو ما يُعرف أدبيًا باسم موازين الكتاب المقدس) – والتي تشمل عدد من المنشورات والتوثيقات، وإلى أي مدى تؤثر تلك التوثيقات، ونسبة الأوراق التي تبرز المؤلفين المشاركين من بلدان مُختلفة – وكلها بالطبع تصب في صالح الجامعات التي تمتلك أساتذة ذائعي الصيت. وتعتمد نسبة الــ 25% المتبقية على سمعة الجامعة أو المؤسسة.
المعايير الأخرى التي يستند إليها التصنيف – مثل الاحتفاظ بالطلبة وانتقاء موارد أعضاء هيئة التدريس – غالبًا لا تتوفر حتى للجامعات الدولية. ومن ثمّ فإن من يقوم بترتيب التصنيف يتعامل وفقًا لما أمامه؛ بحسب ما ذكره روبرت مورسي – كبير استراتيجيّ المعلومات في المجلة التي تصدر التصنيف، والذي أضاف إن الهدف من التصنيفات العلمية هو قياس «مهمة البحث في الجامعة».
وأكد «باكتر» أن قسم الرياضيات في جامعة كاليفورنيا في بيركلي نفسه استفاد من عدد كبير من الباحثين ذائعي الصيت، وأن الكلية لديها متكامل في مجال الرياضيات التطبيقية معروف بسمعته في هذا المجال على نطاق واسع. كما لفت «باكتر» إلى أن بعض الأساتذة ذائعي الصيت لم يقدموا سوى قليل من التوثيقات.
وقال «باكتر» إن الاستحواذ على ما يجعل الجامعة ”جيدة“ هو أمرٌ مستمر بصرف النظر عن الأرقام. وأضاف: «بالنسبة للرياضيات، فإنها هناك الكثير بشأنها لتفعله مع الأفراد الذين هم في أقسامها المختلفة. لقد أثبت العديد من أعضاء هيئة التدريس في بيركلي في مرحلة ما من حياتهم المهنية نظريات قوية ذاعت وانتشرت. وهذا هو العمل الذي يحظى بالتقدير والاحترام».
المصدر | ذا دايلي كاليفورنيان – ميجان ميسرلي
ترجمة: الخليج الجديد