بعد قرابة عام ونصف، بدا أن عرى “التحالف الوطني لدعم الشرعية” في طريقها إلى التفكك والانهيار، مع إعلان “الجبهة السلفية”، وحزب “الاستقلال” ـ “العمل” سابقًا ـ انسحابهما من التحالف الداعم للرئيس المعزول محمد مرسي في نهاية الأسبوع الماضي، بعد انسحاب حزبي “الوسط” و”الوطن” خلال الشهور الأخيرة، ما يشكل ضربة قوية للتحالف.
ومن شأن تلك الانسحابات أن تؤثر على بقاء التحالف الذي تأسس بالتزامن مع بدء اعتصام “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” نهاية يونيو 2013 من قرابة 13 حزبًا وحركة شبابية ونسائية أبرزها أحزاب “البناء والتنمية”، “الأصالة”، و”الوسط” و”الاستقلال” و”الحرية والعدالة” (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، والذي تم حله بقرار قضائي نهائي في أغسطس الماضي، و”الجبهة السلفية”.
وترجع الأسباب الرئيسية إلى انسحاب “الجبهة السلفية” إلى فشل تظاهرات 28نوفمبر، التي أدت إلى تصدع بين الجماعة والجبهة، فمن جهة اعتبرت الجبهة أن الجماعة خذلتها ولم تشارك في التظاهرات التي دعت إليها، تحت مسمى “الثورة الإسلامية”، بدعوى الحفاظ على الهوية الإسلامية للبلاد، بالصورة التي تم الحشد على أساسها، وحمّلتها مسئولية فشل المظاهرات.
في الوقت الذي دعا فيه “التحالف الوطني لدعم الشرعية” إلى مليونية بعنوان “الله أكبر.. وتحيا مصر”، فيما هاجمت جماعة “الإخوان”، الجبهة، ملمحة إلى اختراقها من قبل الأمن، والتأكيد على أن دعوة 28نوفمبر كانت صنيعة مخابراتية لإيجاد الذريعة لتأمين الدولة ونشر القوات قبل الحكم ببراءة الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين.
وقالت الجبهة في بيان لها أصدرته في ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي، إنها ترى أن عملها خارج إطار التحالف “سوف يعطي مساحة أوسع من الحرية والعمل الثوري المختلف والفاعل، والذي يحقق رؤيتنا ويتسق مع خياراتنا التي نرى أنها أوسع أفقًا وأكثر شمولاً”.
وأشارت الجبهة إلى أنها “انضمت للتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، منذ ما يقارب عام ونصف، في ظل حالة الرهبة والرعب من الآلة العسكرية.. تحمل خلالها التحالف المسؤولية السياسية”.
وأضافت أن النظام الحالي عمد إلى “تفريغ التحالف من قياداته الواعية واعتقل جل رموزه ولفق لهم التهم الكاذبة. كما انسحبت مكونات أساسية من مكوناته لخيارات سياسية مختلفة مع عدم انحيازها للمعسكر الآخر أو استجابة لضغوط معتبرة”.
وتابعت، “رغم كل هذه الصعوبات ورغم العمل في أخطر وأسوأ بيئة سياسية، إلا أن التحالف قام بواجبه الوطني رغم بعض القصور الذي شاب حركته وردود أفعاله وتجاوبه مع المتغيرات والمستجدات لعوامل يطول شرحها”.
وأوضحت أنه على الرغم من انسحابه، إلا أنها ترى “وجوب العمل من خلال أفق سياسي أرحب، يقوم على مد الجسور والاصطفاف، ويؤسس على الاجتماع، لكن بشرط ألا يتجاوز الثوابت الشرعية والوطنية، وإنما يضيف عليها ترسيخ قضية الهوية التي يراد تغييبها لصالح ما يسمى بالتوافق”.
وبعد ساعات من إعلان “الجبهة السلفية” انسحابها، أعلن حزب “الاستقلال” تجميد عضويته في التحالف ليكون رابع كيان يخرج من التحالف في الأشهر الأخيرة.
وقال حزب الاستقلال في بيان الجمعة إن “الأمانة العامة للحزب قررت تجميد وضعها داخل التحالف مع الاستمرار في مقاومة الانقلاب سلميا”.
وأضاف أن الحزب ظل طوال عام كامل يناقش إعلان موقف الانسحاب من التحالف مع استمرار موقفه الثابت الرافض لـ “انقلاب 3 يوليو 2013 الذي أطاح بالرئيس مرسي”، مشيرًا إلى أن الهدف المعلن للحزب هو بلورة طريق ثالث بين الانقلاب وعودة جماعة الإخوان المسلمين للحكم.
وأرسل مجدي حسين، رئيس حزب “الاستقلال”، رسالة من محبسه إلى الحزب، أيد فيها قرار انسحاب الحزب من التحالف، وذكر فيها أسباب الانسحاب.
وقال حسين في رسالته: “لقد ظللنا لمدة عام كامل نناقش مرارًا وتكرارًا إعلان موقف الانسحاب من لجنة أو تحالف دعم الشرعية، وأنا إذ أحيي اليوم من محبسي القرار الذي اتخذته الأمانة العامة للحزب في اجتماعها الأخير بقيادة نائب رئيس الحزب عبدالحميد بركات بتجميد ووقف نشاطنا داخل التحالف بقيادة الإخوان”.
وأضاف “أعيد توضيح الموقف باختصار، أن السبب الوحيد لذلك أن استمرارنا في هذا التحالف يعني العمل تحت راية الإخوان، لأنهم هم التنظيم الأكبر، ولهم الدور الأكبر في الفعاليات، وهم يفعلون ما يريدون، ولا يستجيبون لأي من مطالبنا الأساسية، وهم يفسرون دعم الشرعية في نقطة واحدة هي عودة مرسي، وهم غير مشغولين بأي قضية أخرى إلا استعادة أوضاعهم في الحكم وفق نفس السياسات، ووفق نفس التفاهمات مع أميركا والاعتراف بإسرائيل.
وتابع حسين: “إن اشتراكنا في هذا التحالف كان على أمل أن تتطور نظرات ورؤى الإخوان، ولكن هذا لم يحدث، فالإخوان حريصون على علاقات مع أمريكا والغرب، وقد طالبنا في وثيقة العهد بأن يتخذ الإخوان ومرسي موقفًا واضحًا من قضيتي الاستقلال والعدالة الاجتماعية، وعرضناها عليهم، ولم نتلق أي رد حتى الآن، وللأمانة فقد كان هذا موقف معظم الأحزاب الإسلامية الأخرى، وقد رأوا جميعًا أن نكتفي بمسألة الديمقراطية”.
وقال رئيس حزب الاستقلال من محبسه: “إن استمرارنا في هذا التحالف الذي لايأخذ برأينا في أمور نعتبرها جوهرية وأساسية، بل سبب ضياع الثورة يضعنا في موقف ذيلي للإخوان، كما أن هناك مسألة شخصية لابد من طرحها، فأنا غير مستعد أن أنهي حياتي بالسجن بتهمة التبعية للإخوان، ولطالما كانت لدي آمال كبيرة أن يتغيروا، ولكن القيادة الراهنة لا أمل فيها، وسنظل نحب ونأمل خيرًا في القواعد والشباب”.
وأكد خالد الزعفراني، الخبير في شئون الإسلام السياسي، أن “جماعة الإخوان المسلمين لم تكن تثق في الاستقلال أو الجبهة السلفية، وتعلم أن كليهما مخترق من قبل قوات الأمن لذلك ضمهما في التحالف للعدد ليس أكثر، أما القرارات فتتخذها بصورة منفردة”.
وقال الزعفراني لـ “المصريون”، إن “التحالف بدأ يتصدع مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية؛ فحزب الاستقلال يسعى إلى الإفراج عن مجدي حسين قبل الانتخابات، فاستمرار القبض عليه يعني انتهاء أمر الحزب القائم بالأساس على عدة شخصيات انسحبت من حزب العمل”.
وأشار إلى أنهم “سيقتربون من السلطة في الفترة القادمة حتى يتم السماح لهم بدخول البرلمان، وهو ما سيحدث بالفعل”، متوقعًا أن يخوض مجدي حسين ومجدي قرقر وعبدالحميد بركات، الانتخابات القادمة، “خصوصًا أنهم ذاقوا حلاوة أن يكونوا أعضاء بمجلس الشعب خلال فترة حكم الإخوان”.
أما بخصوص الجبهة السلفية، فوصفها الزعفراني اتجاهها بأنه “متشدد وتكفيري، وأكثر تشددًا من حركة حازمون، وبعد تظاهرات 28نوفمبر تمت تعريتهم؛ حيث الأعداد القليلة وغياب التنظيم”، مشيرًا إلى أن ابتعاد “الجبهة السلفية” عن الجماعة في صالحها.
واستبعد الزعفراني أن تلجأ القوى المنسحبة من التحالف إلى التكتل مرة أخرى أو التنسيق في كيان واحد، قائلًا إن كلاً منها ستتخذ المسار الذي يخدم مصالحها ويتوافق مع أيديولوجياتها.
المصريون