إنه الرجل الذي يصعد في الجهاز الأمني السوري. يسهل التعرّف على العقيد سهيل الحسن، الملقّب بـ”النمر”، بقبعته الكاكي النازلة على جبينه، وشاربه البعثي النحيف. وهو الصانع الأول لإستراتيجية مكافحة التمرّد التي اعتمدتها دمشق في ربيع 2013.
بين “مآثره” رفع الحصار عن الأحياء الموالية في حلب واستعادة الضواحي الشمال شرقية في المدينة، ربما تمهيداً لمحاصرة الأحياء التي يسيطر عليها الثوار. وفي شهر أكتوبر، وبعد تدميرها بالبراميل المتفجرة، استعادت قواته مدينة “مورك”، في محافظة “حماه”، التي يمكن أن تستخدمها القوات الحكومية كنقطة انطلاق نحو محافظة “إدلب”.
إن “المآثر” السابقة تضفي على “سهيل الحسن” هالة استثنائية في أوساط الموالين للنظام. وعلى شرفه تم تأسيس العشرات من صفحات “فيس بوك” التي يتابعها عشرات الألوف. ويحتفي الناس بالعقيد بصفته “رجل الموقف” و”رمز النصر”، و”بطل الزمن الحالي”.
إن هذا الإعجاب المفرط، غير المألوف كلياً في نظام مثل نظام الأسد، يعبّر عن مدى الخلل الذي تعيشه السلطة السورية. وفي هذا يقول جهاد يازجي، وهو محلل سوري، إن الحسن هو “ظاهرة تشبه ظاهرة سمير جعجع، إذ سيكون لدى الحسن كل الدوافع لكي يطالب بـ”حقوقه” عند انتهاء القتال. ولكن يحسن به ألا ينسى أنه في نظام مثل النظام السوري، فإن الشخص الوحيد الذي يمكن عبادته هو الرئيس”!
ويتمتع العقيد الحسن، وهو في بداية الخمسينات من العمر، بميّزتين: الأولى هي منصبه في “استخبارات الجو”، التي تمثل أقوى جهاز أمني في سوريا. والثانية هي انتماؤه للطائفة العلوية، التي ينحدر منها كل قيادات النظام. وقد فُتحت له الأبواب مع “عسكرة” الثورة السورية في العام 2012.
ويقول “سركيس نرغيزيان”، وهو خبير في الشؤون العسكرية للشرق الأوسط، إن “القوات البرية السورية واجهت تحدي “التكيّف أو الموت”. فتمّ تقسيم الوحدات الكبيرة إلى وحدات أصغر وأكثر قدرة على ردّ الفعل. وتم إبعاد القادة غير الأكفاء أو العجزة، الأمر الذي سمح لضباط أقل خبرة بتحمّل المسؤوليات”.
وبفضل إدمانه على النزول إلى الميدان، فقد فرض “الحسن” نفسه بصفة “الإطفائي المتنقل” لنظام دمشق. وأثناء وجوده في الجبهة، فإنه يعرف أنه قادر على الاعتماد على دعم الجهات العليا في النظام.
ويقول “محمد عبود”، وهو عسكري منشق أصبح قائداً لوحدة من الثوّار: “حينما يطلب “الحسن” دعماً عسكرياً، فإنه يحصل عليه دائماً”.
وينقسم “التكتيك” الذي يستخدمه “الحسن” إلى مرحلتين: “سجادة” قنابل وصواريخ في مرحلة أولى، تعقبها عمليات تنظيف من بيت إلى بيت. إنه أسلوب “الأرض المحروقة” الذي يطبّقه “الحسن” بحماسٍ فائق. ويضيف “محمد عبّود” أنه “أحد الضباط الذين قاموا بإطلاق النار على المظاهرات المدنية الخالية من السلاح في العام 2011، حتى حينما كانت تصدر إليه تعليمات رسمية بتهدئة الوضع”.
وفي وضع عادي، فإن المنطق كان يفرض على النظام السوري أن يجبره على الاختفاء عن الأضواء، على الأقل لحمايته من الثوار أو من فضول المنظمات الإنسانية الدولية التي تحقّق في جرائم الحرب التي يتمت ارتكابها في سوريا.
ولكن، في الربيع الماضي، ظهر على “سما تي في” أول فيديو لـ”النمر” وهو يتفقد الفرق العسكرية على جبهة “حلب”. وبجمودٍ مبالَغ فيه، فإنه ينصت إلى أحد جنوده وهو يرتجل قصيدة على شرفه قبل أن يعانق الجندي عناقاً “رجولياً”!
وقد فتح الفيديو المذكور كل صمامات ظاهرة “عبادة النمر”. فالعلويون الذين سئموا من إرسال أولادهم للموت في حرب لا تبدو أن لها نهاية في الأفق، والذين يشعرون بالذعر إزاء صعود “الدولة الإسلامية”، باتوا ينظرون إلى العقيد الحسن كرجل أرسلته “العناية الإلهية” لهم.
وفي هذا يقول “فارس بيوش”، وهو ضابط سابق انضمّ للثوار، ذلك “سلوك بارع من جانب النظام. فلا يمكن شن حروب من دون شخصية بطولية قادرة على تعبئة الطاقات. وأحد أخطائنا نحن الثوار هو أنه لم تخرج من صفوفنا شخصية تشبهه. فما إن تظهر شخصية من هذا النوع حتى تتوالي شائعات الفساد ضدها”.
مع ذلك، فقد ظهرت مؤشرات على أن الإعجاب الذي يحيط بالعقيد “الحسن” بدأ يزعج النظام. في آخر شهر أغسطس، قامت أجهزة الأمن باعتقال المحامي “مُضر حسن” المقرّب جداً من النظام. فقد طالب، على صفحته في “تويتر”، بالتحقيق في اختفاء مئات الجنود في القتال ضد “داعش”.
كما طالب باستبدال وزير الدفاع الحالي بمعبود العلويين، العقيد الحسن. وفي الوقت نفسه، تم فتح صفحة على “فيس بوك” تدعو إلى “تعيينه رئيساً للجمهورية السورية”! وتفيد شائعات يصعب التحقق من صحتها وتنتشر في الصحافة العربية بأن “العقيد الحسن” قد يكون مرشّح الروس والإيرانيين إذا فرضت الظروف انتقالاً سياسياً.
إن كل ما سبق يمكن أن يعجّل بسقوط “الحسن”. فنظام الأسد لا يتحمل لا المزعجين ولا الطموحين، وخصوصاً إذا كانوا من أصحاب الرُتب العسكرية الرفيعة. فتم إرغام الجنرال “علي دوبا”، الذي كان أحد “بارونات” نظام حافظ الأسد، على التقاعد في العام 2000. والجنرال غازي كنعان، الذي كان حاكم لبنان، والذي كان يعرف أسراراً لا يجوز التفريط فيها، “انتُحِر” في العام 2005! ويقول “فارس بيوش”: أتوقع أن يكرّر التاريخ نفسه. فسيقوم العقيد سهيل الحسن بإنجاز المهمة القذرة المطلوبة منه قبل أن تتم تصفيته”!
مراسل لوموند “بنجامان بارت”- بيروت
العصر