اعتبرت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية أن دخول تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا بـ “داعش” مصر رسميا، بدأ بإعلان جماعة أنصار بيت المقدس في نوفمبر الماضي، ولاءها للتنظيم المتشدد وقائده أبو بكر البغدادي.
وأوضحت المجلة في تقريرها المطول الذي نشرته اليوم الجمعة أن بيت المقدس، الذي ظهر في أعقاب ثورة 25 من يناير عام 2011 واﻹطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، رسخت لنفسها مكانا كلاعب مبهر بين التنظيمات المتشددة، ففي الأشهر الأخيرة، شن التنظيم هجمات دموية على قوات الشرطة المصرية وأعلن مسئوليته عن سلسلة من الهجمات الانتحارية على منشآت تابعة للجيش في القاهرة وشبه جزيرة سيناء.
وتابع التقرير “إن الإعلان اﻵخير لم يكن مفاجئا، فقد جاء بعد إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حالة الطوارئ في سيناء مع شن هجمات ضد معاقل التنظيم، وهو الأمر الذي استلزم إخلاء مدينة رفح من سكانها وتهجير قرابة 10 آلاف شخص من هناك، علاوة على ذلك، فإن بيت المقدس وداعش شريكان، فهما لا يتشاركان الأيديولوجية المتشددة فحسب بل الأساليب الهمجية أيضا”.
واضاف “غير أن قرار بيت المقدس بالانضمام لداعش يؤكد نهاية النزاع الحاد داخل الحركات المسلحة حول الانضمام للتنظيم، فالانفصال يثير قضيتين مترابطتين الأولى: هي ما إذا كان ينبغي على بيت المقدس العمل بمفرده أو الانضمام لجماعة عالمية، أما القضية الثانية فهي: الخيار بين الانضمام للقاعدة وداعش، ففي الوقت الذي يفضل فيه المقاتلون الكبار في بيت المقدس الانضمام للأولى، يضغط المقاتلون الصغار من أجل الانضمام للأخيرة”.
ونوهت المجلة إلى أن طموحات التنظيم تؤكد قمع السيسي (على حد وصفها) الوحشي والأعمى يأتي بنتائج عكسية: فعلى مدار السنوات الماضية، زاد انتشار التنظيم وبدا أكثر جاذبية للشباب المصريين المحبطين من حكوماتهم، ومن ذلك المنطلق، بدأت تتوسع قائمة أهداف التنظيم، ففي الأشهر التي أعقبت سقوط مبارك، ركز التنظيم بشكل رئيسي على شن هجمات ضد أهداف داخل إسرائيل وسيناء، وفي أغسطس 2011، شن التنظيم هجوما على مدينة إيلات جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 8 جنود إسرائيليين و 5 مصريين”.
وخلال عامي 2011 و 2012، قام التنظيم بتفجير خط الغاز بشمال سيناء عدة مرات، وبعد يوليو 2013، انتقل التنظيم لقلب مصر وبدأ استهداف المسئولين الحكوميين والمنشآت الأمنية، ووفقا لتقرير أخير، فإن الهجمات التي شنها التنظيم في القاهرة أصبحت متكررة وأكثر عنفا ودموية من مثيلاتها في سيناء.
ويعبر محللون عن مخاوفهم من احتمالية أن يكون لدى التنظيم متعاطفين داخل صفوف الجيش المصري، فمنذ انقلاب السيسي على السلطة (حسب وصف المجلة)، انشق عدد كبير من ضباط الجيش وانضموا للتنظيم المتشدد، ووفقا لما ذكرته وسائل الإعلام المصرية، فإن الهجوم على إحدى نقاط التفتيش التابعة للجيش في سيناء في أواخر أكتوبر الماضي وهو الهجوم المعروف إعلاميا بعملية “كرم القواديس”، والذي أسفر عن مقتل 31 جنديا وجرح آخرين، خططه ونفذه اثنان من كبار ضباط الجيش المنشقين، وهما عماد عبدالحليم وهشام عشماوي.
وتضيف المجلة “أن هناك تكهنات بأن يكون ضابط بحري منشق أيضا ضالع في الهجوم الأخير لبيت المقدس على سفينة مصرية في البحر الأبيض والذي أسفر عن إصابة 5 ضباط بحريين و فقدان 8 آخرين، ووفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فيُعتقد أن أنصار بيت المقدس تجند مخبرين على دراية بتفاصيل غاية في الدقة خاصة بنشر قوات الجيش، ومثل تلك التسريبات تثبت أن عصرا جديدا من التمرد المسلح قد يقض مضاجع مصر على مدار السنوات المقبلة”.
وتنتقل المجلة للحديث عن التحالف الجديد بين التنظيمين، حيث ترى أن ذلك التحالف يضر بواشنطن بنفس درجة تأثيره لدى القاهرة، والدليل أن داعش استطاع أن يستغل انتصاراته الأخيرة في العراق وسوريا لاستقطاب تابعين جدد له وكسب دعم جديد خارج الشام، على الرغم من مواجهته للضربات المتتالية للتحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن.
وتلمح المجلة إلى أن مصر وهي معقل جهاديين مخضرمين مثل قائد تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري)، أصبحت منطقة قائمة بذاتها لعمليات داعش، وبالنسبة لقادة التنظيم، تلعب مصر دورا مركزيا في رؤية داعش لإقامة خلافة إسلامية، ليس لمكانتها الرفعية اقتصاديا وسياسيا في العالم العربي فحسب، بل أيضا لحدودها مع إسرائيل، فالمزيد من الهجمات على إسرائيل قد يساعد داعش على شرعنة عملياته وزيادة شعبيته بين المصريين.
وتشير المجلة إلى أن السيسي في غضون ذلك، يفقد التواصل مع المسلمين المعتدلين داخل البلاد، و قصة أحمد الداراوي (وهو ناشط حقوقي مصري) لقي مصرعه الشهر الماضي أثناء قتاله ضمن صفوف داعش في العراق، تسلط الضوء على تحول المصريين للعنف، فالداراوي شأنه شأن الكثير من نظراءه، ضاقوا ذرعا بسبب عدم وجود إصلاحات في مؤسسات الدولة في مصر ما بعد الثورة، لاسيما داخل جهاز الشرطة، حيث كان الداراوي ضابط شرطة قبل استقالته احتجاجا على الفساد.
ووفقا لبعض الإحصائيات، فإن داعش لديها ما يقارب من 5000 مقاتل مصري، العديد منهم مقاتلون مخضرمون سبق لهم القتال في أفغانستان والبوسنة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ويقود عدد منهم العمليات الحالية ضد النظام المصري.
وتوضح المجلة أن التحالف الجديد بين بيت المقدس وداعش يسلط الضوء أيضا على استمرار حالة عدم الاستقرار في مصر، فمن خلال حملتها القمعية على المعارضين السياسيين، فإن حكومة القاهرة خلقت أرضا خصبة لداعش والجماعات المتشددة الأخرى، مع إمكانية الشباب والإسلاميين والمعتدلين على حد سواء، وفي الوقت نفسه بدأ التنظيم استغلال سياسات السيسي القمعية في سيناء.
وتضيف المجلة أن التحالف بين بيت المقدس وداعش قد يلهم التنظيمات الأخرى في دول إفريقية وعربية للانضمام لداعش، فالميليشيات الجهادية مثل أنصار الشريعة في ليبيا وبوكو حرام في نيجيريا، تستلهم نفس أيديولوجية داعش وتكتيكاته من أجل توسيع دائرة نفوذها.
ولفتت إلى أن ذلك يعقِد جهود إدارة واشنطن من أجل تجديد دعم الكونجرس للجملة العسكرية ضد داعش ويثير المزيد من الشكوك حيال فعالية الإدارة في وجه تناقص الدعم الشعبي في مسألة االمساعدات العسكرية لمصر، والتي يبدو وأنها لم تثبت فعاليتها في مكافحة الإرهاب.
ولم تفلح طائرات الأباتشي والهليكوبتر، وهي جزء من المساعدة العسكرية الأمريكية للقاهرة والبالغ قيمتها 1.30 مليار دولار، في استعادة الأمن في سيناء، وفي حقيقة الأمر، فإن استخدام السيسي للمعدات العسكرية الأمريكية قوض شرعيته وأكسب حملته ضد الإرهاب مظهر العقاب المدعوم من واشنطن.