“الثورة المصرية لم تمت .. فهي لم تحدث من الأساس” .. تحت هذا العنوان نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرا للباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إريك تراجر، والذي عقب فيه على ما آلت إليه محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وبرائته هو ونجليه ووزير داخليته حبيب العادلي ومساعديه.
وجاء ذلك ردا من تراجر على عنوان تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية تناول نبأ براءة مبارك تحت عنوان “تمت تبرئة مبارك: الدراما لم تنته بعد .. لكن الثورة المصرية ماتت”، حيث اعتبر الباحث أن الأمر ببساطة أنه لم تكن هناك ثورة من الأصل كي تموت.
واعتبر تراجر أنه منذ الإطاحة بأول رئيس منتخب في مصر محمد مرسي وصعود الجنرال السابق لرئاسة الجمهورية عبد الفتاح السيسي، يبدو أن نهاية قضية مبارك الجنائية هي “الغطاء الجليدي الأخير على الكعكة المعادية للثورة في مصر”.
وقال “هذا السرد يسئ الفهم حول مدى أهمية ثورة ميدان التحرير لكثير من المصريين، وخاصة الوسط السياسي في البلاد الذين ينتمون إلى المناطق الريفية والتقليدية، وإن لم يكونوا بالضرورة إسلاميين”.
وأضاف “بعيدا عن الرغبة الثورية في الإصلاح السياسي، فإن رغبة الكثير من هؤلاء المصريين تتجسد حول هدفين أساسين هما: إنهاء حكم مبارك الذي استمر أكثر من 30 عاما ومنع خلافة ابنه جمال، فمن وجهة نظرهم، حكم مبارك استمر لفترة طويلة جدا، وكانت محاولته الواضحة لتنصيب ابنه جمال خلفا له معبرة عن مزيد من الفرعونية.. وبالنسبة لهؤلاء المصريين الذين اعتبروا تلك الانتفاضة ثورة، لم يعتبروا أنها ماتت، لأن مبارك لم يعد رئيسا، وبعد الإطاحة بمبارك، كان هدفهم العودة إلى الحياة الطبيعية، حتى لو كان الأمر لا يرقى إلى الديمقراطية”.
ورأى أن عملية الاقتراع في مصر معروف أنها ضعيفة، مضيفا أن الجيش المصري استغل سيطرته على وسائل الإعلام الحكومية للحد من المزيد من النشاط الثوري بعد سقوط مبارك، كما ساعد النظام الحالي على سحق المعارضة إلى حد كبير.
وتابع “في الواقع، خلال جميع التطورات السياسية الكبرى في السنوات الأربع الماضية، أوضح لي العديد من المصريين ماذا تعني لهم كلمة الاستقرار، وفي هذا السياق، رحبوا بتولي الجيش مقاليد السلطة بعد سقوط مبارك، واثقين من الجيش كقوة للاستقرار، كما انتخب الكثير جماعة الإخوان المسلمين الساحق في الانتخابات البرلمانية وحققوا النصر لمحمد مرسي ضيق في انتخابات الرئاسة في يونيو 2012، لأنهم تصوروا أن الإخوان كحركة سياسية منظمة يمكنها توفير الاستقرار، وهي الكلمة التي استخدمها الإخوان خلال حملاتها المختلفة”.
ولفت إلى أنه عندما عزز مرسي من سلطته في نوفمبر 2012، وقت إصداره الإعلان الدستوري، شهدت مصر شهورا من الاضطرابات السياسية الواسعة التي دفعت كتلة من المصريين مجددا إلى الترحيب بالانقلاب العسكري الذي أطاح به في منتصف 2013 لتحقيق الاستقرار مرة أخرى.
وبطبيعة الحال، بحسب تراجر، كان لدى النشطاء الشباب محفزا آخر للانتفاضة ميدان التحرير وهي أنهم أرادوا ثورة حقيقية تصلح النظام السابق تماما، وهو الذي جعلهم في تردد من مغادرة الميدان حتى بعد سقوط مبارك، مضيفا أن ذلك لم يحدث فيما بعد.
وتوقع تراجر أن يتبخر الدعم الشعبي للنظام الحالي إذا لم يستطع الرئيس عبد الفتاح السيسي، توفير الاستقرار السياسي والاقتصادي.
واختتم بالقول “لكن حتى ذلك الحين، فإن فرص دعم التغيير المؤسسي على المدى البعيد، أي حدوث ثورة حقيقية، من المحتمل أن تظل ضئيلة داخل مصر لأن الفوضى العنيفة التي تفوقت على ثورات الربيع العربي، كما هو الحال في سوريا وليبيا، هو بالضبط ذلك النوع من المستقبل أن العديد من المصريين الذين يفضلون تجنبه.