تشهد البحرين مؤخراً موجة من الأحداث قد يكون لها تأثير كبير على سياسة الجزيرة الداخلية في المستقبل وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة. ففي 22 تشرين الثاني/نوفمبر أُجريت الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب في الجمعية الوطنية البحرينية الذي يتألف من أربعين عضواً ولكنه لا يملك سوى صلاحيات محدودة. وقامت حركة “الوفاق” – وهي الجمعية السياسية التي تستمد دعمها من من السكان ذو الأغلبية الشيعية وكانت قد فازت بثمانية عشر مقعداُ في انتخابات 2010 – إلى جانب العديد من الجماعات الأصغر حجماً، بمقاطعة التصويت وذلك احتجاجاً على عدم إحراز تقدم في ما يسموى بـ “الحوار الوطني” الذي يشمل الأسرة الحاكمة السنية. وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر، داهمت قوات الأمن أحد منازل الشيخ عيسى قاسم، الزعيم الروحي لـ حركة “الوفاق”، أثناء البحث عن مشتبه به في تفجير. وفي 29 تشرين الثاني/نوفمبر، عُقدت جولة الإعادة في الانتخابات؛ وفي اليوم التالي، طلب الملك حمد من الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة – الذي يبلغ من العمر التاسعة والسبعين عاماً ويشغل منصب رئيس الوزراء باستمرار منذ عام 1970 – تشكيل حكومة جديدة.
وفي غضون ذلك، أجرت صحيفة “فاينانشل تايمز” مقابلةً طويلة في 1 كانون الأول/ديسمبر مع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، أعلن فيها عن تشكيل قيادة عسكرية خليجية مشتركة تهدف إلى التصدي لإيران والعمل مع الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (المعروف أيضاً باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو [«داعش»]). وفي 5 كانون الأول/ديسمبر، سينطلق مؤتمر دولي كبير في العاصمة، من المرجح أن يحضره كبار المسؤولين في الحكومة والجيش الأمريكي (على سبيل المثال، ألقى وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل خطاباً فيه في العام الماضي). والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيعزز الوجود الأمريكي النظام السياسي البحريني المليء بالعيوب أم سيتغنى بتعاون عسكري أكبر؟
إن واشنطن هي عادة الطرف الذي يضبط إيقاع العلاقات الثنائية، من خلال سعيها إلى تحقيق توازن بين رغبتها في إحلال حريات ديمقراطية أكبر في البحرين وبين مصلحتها في الإبقاء على مقر الأسطول الخامس الأمريكي في المملكة البحرينية. أما الآن، فتحاول البحرين السيطرة على العلاقة التي يطغى عليها التوتر منذ أن دفعت المظاهرات في أوائل عام 2011 إلى استقالة أعضاء البرلمان الممثلين لـ جمعية “الوفاق”. وقد اتسمت العلاقات بين البلدين بالتوتر بصورة خاصة منذ تموز/يوليو، عندما طردت الحكومة البحرينية، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، توم مالينوفسكي الذي كان يزورها، لأنّه أغضب على ما يبدو الملك حمد بسبب اجتماعه بأعضاء من المعارضة الشيعية قبل مقابلة أي من نظرائه في الحكومة البحرينية. وعلى الرغم من أنّه بدا أنّه قد تم تسوية ذلك الخلاف أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، إلاّ أنّ جميع محاولات مالينوفسكي لإعادة زيارة البحرين قد باءت حتى الآن بالفشل.
تغييرات كثيرة ولا تغيير فعلي؟
تهيمن أسرة آل خليفة الحاكمة على البنية السياسية في البحرين، حيث يشكل فيها أفراد العائلة حوالي نصف أعضاء الحكومة التي أصبحت حالياً حكومة تصريف أعمال. ويحكم الملك حمد (البالغ من العمر أربعة وستين عاماً) الذي حصل على لقب العاهل عقب الاستفتاء الذي أجري في عام 2001 حول الإصلاح السياسي، في حكومة ثلاثية مربكة إلى جانب عمه الشيخ خليفة ونجله البكر، ولي العهد الأمير سلمان بن حمد (45 عاماً)، الذي هو أيضاً النائب الأول لرئيس الوزراء. ويُذكر أنّ صوراً لهؤلاء الثلاثة تُرفع في جميع أنحاء المنامة وفي المكاتب الحكومية.
ويكمن التوتر الرئيسي في علاقة الثلاثة في التردد المتكرر للملك ومهارات رئيس الوزراء في التعامل مع الناس؛ أما من الأمور الثانوية المسببة للتوتر في العلاقات بينهم، فهي رغبة ولي العهد في إجراء إصلاحات سياسية على نطاق لا يؤيده بتاتاً الشيخ خليفة. ومع أن سائر العائلة المالكة لم تتصدَ قط لسيادة الملك، إلاّ أنّ أفرادها يميلون إلى الانقسام حول هذه المسألة السياسية، علماً أن المعسكر الأكثر أهمية في هذا الإطار هو مجموعة الخوالد المتشددة التي تتضمن القائد العام لقوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد بن سلمان آل خليفة وشقيقه وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة.
وقد حملت صحيفة “جولف دايلي نيوز” التي تصدر باللغة الإنجليزية وتعكس بشكل وثيق تفكير الحكومة، عنواناً رئيسياً على صفحتها الأولى هو “حان وقت التغيير” إلى جانب صورتين للملك ورئيس الوزراء. وعلى الرغم من أن مدى اتساع هذا الاستنتاج في الافتتاحية قابل للنقاش، تُظهر نتائج الانتخابات على الأقل تغييراً في مجلس النواب، (أعضاء “مجلس الشورى” يعيّنون مباشرة من قبل الملك). إن ثلاثة أرباع الأعضاء المنتخبين حديثاً هم وجوه جديدة. كما يلاحظ غياب حركة “الوفاق” وانخفاض تمثيل مناصري جماعة «الإخوان المسلمين» وغيرها من الجمعيات السياسية السنية. وقد أشار موقع “مواطنون من أجل البحرين” الإلكتروني الموالي للحكومة إلى المزيج الواسع من النواب السنة والشيعة الجدد، بما فيهم النساء، لافتاً إلى أنّ المرشحين ركزوا في حملاتهم على مواضيع مثل تحسين التعليم والبنى التحتية والخدمات الصحية.
أما الحدث السياسي الهام التالي في البحرين، فهو إجراء انتخابات داخلية في حركة “الوفاق” هذا الأسبوع. وكانت محكمة بحرينية قد منعت الجمعية من المشاركة في أي انتخابات في تشرين الأول/أكتوبر لخرقها قواعد الحكومة المتعلقة بالجمعيات السياسية، على الرغم من أنّ الحركة كانت نفسها قد أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات. وقد سارع عندئذٍ وزير العدل إلى تعليق الحظر لثلاثة أشهر للسماح على ما يبدو لـ حركة “الوفاق” بإجراء انتخاباتها الداخلية المخططة. ولكن، إذا كانت المنامة تأمل أن يدفع تهميش الجمعية لذاتها إلى تغيير في قيادتها، فسيخيب ظنها على الأرجح. فعلى الرغم من جدل “الوفاق” الداخلي حول المقاطعة وإدراكها لاحقاً أنّ ذلك ربما كان خطءاً ارتكبته، يتوقع أن يُعاد انتخاب الشيخ علي سلمان وخليل المرزوق لمنصبي الأمين العام والناطق الرسمي على التوالي. وتنظر الحكومة إلى كلا الرجلين بأنهما غير مستعدين للمساومة.
أما في الوقت الحالي، فيشير عمر رئيس الوزراء واعتلال صحته وفقاً للتقارير إلى أنّ إعادة تعيينه ليست سوى تدبيراً مؤقتاً لسد الفجوة القائمة. فعلى الرغم من إسداء المسؤولين الأمريكيين المشورة للملك بإزالته منذ عقود، لا يظهر الشيخ خليفة أي رغبة في التنحي عن منصبه، ويصور المقربون منه إمكانية رحيله بالمثل الفرنسي الأصل “أنا ومن بعدي الطوفان”. ونشهد الآن منذ بضعة أشهر حملة صامتة داعمة له بملصقات كبيرة تبين صورته مع العبارات “الشعب. خليفة بن سلمان. خط أحمر”، للإشارة إلى أنّ التخلص منه سيشكل خطوةً مبالغاً فيها. ولكن، إذا ما رحل بالفعل، يمكن لعدد من أفراد العائلة الملكية الذين يشغلون حالياً مناصب نواب رئيس الوزراء أن يحلوا محله وهم:
· ولي العهد سلمان الذي من المرجح أن يعمل على تنفيذ برنامجه الإصلاحي وسط معارضة من المتشددين.
· محمد بن مبارك آل خليفة (البالغ من العمر 79 عاماً)، النائب الثاني الأقدم من بين نواب رئيس الوزراء بعد سلمان والذي يعتبر شخصية توفيقية وكان في السابق وزير خارجية لفترة دامت خمسة وثلاثين عاماً حتى عام 2005.
· علي بن خليفة آل خليفة، نجل الشيخ خليفة.
· خالد بن عبدالله آل خليفة، المرشح المفضل لدى الخوالد المتشددين.
دور تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران
إن ظهور «داعش» في سوريا والعراق وتشكيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، قد سمح للمنامة بإضفاء بعد جديد مختلف إلى علاقتها مع واشنطن. فقد شاركت طائرات “إف-16” بحرينية في ضربات جوية ضد مواقع لـ «الدولة الإسلامية» في سوريا، وقد كان مقر الأسطول الخامس في الجزيرة في صميم أعمال بحرية ذات صلة. ويبدو الآن أن إعلان وزير الخارجية خالد عن قيادة إقليمية جديدة لتنسيق السياسة الخليجية ضد «داعش» وإيران يشكل خطوة إضافية في هذا الاتجاه – وربما طريقة لصرف انتباه القادة في الغرب ودول الخليج العربية عن التواترات السياسية الداخلية في البحرين.
لقد أثارت مقاطعة “الوفاق” للانتخابات غضب وزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية التي اعتبرتا هذه الخطوة فرصةً ضائعةً لتهدئة الأحوال السياسية المضطربة في البحرين. كما أنّ حليفتا المنامة – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – متلهفتان أيضاً من هدوء السياسة الداخلية في الجزيرة؛ وكان كلا البلدين قد أرسلا قوات أمن لدعم الحكومة خلال أعمال الشغب التي وقعت في شوارع البحرين عام 2011. وتشعر الرياض بالقلق بشكل خاص لأنّ الجهاديين المرتبطين بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» قتلوا شيعة سعوديين الشهر الماضي في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية والتي يربطها جسر بالبحرين. فإذا ما وقع حادث مماثل في الجزيرة، فقد تترتب عنه عواقب كارثية على العلاقات المتوترة بين الطائفتين السنية والشيعية. كما أنّ عائلة آل سعود متخوفة أيضاً من انتقال عدوى الاضطرابات البحرينية إلى الطائفة الشيعية فيها.
هذه هي خلفية “حوار المنامة” المتوقع أن يُجرى في نهاية هذا الأسبوع، وهو مؤتمر سنوي تستضيفه البحرين وينظمه “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” الذي مقره في لندن. وأثناء المؤتمر ستسعى المنامة إلى التفاخر بدورها في التحالف ضد «داعش»، بينما ستؤكد أيضاً على التهديدات التي تمثلها إيران النووية والتي تلقي اللوم عليها لإثارة الفتنة بين سكانها الشيعة. أما النقطة الثالثة، فستكون نظام البحرين السياسي الذي ربما تعتبر انتخابات الأسبوع الماضي حلاً قصير المدى له. غير أنّه ليس واضحاً بتاتاً إلى متى سيبقى الوضع مستقراً.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.