حققت برامج التوك شو رواجا كبيرا خلال السنوات الماضية، وزاد بريقها بعد ثورة 25 يناير بسبب حالة الحراك السياسي التي تعيشها البلاد، برغم أن البعض كان يظن أنها ستختفي تدريجيا بعد أن انتهي دورها، ولم تعد عنصرا جاذبا للمشاهد، وسواء اتفقنا أم اختلفنا علي مضمون فانها تحظى بنسب مشاهدة عالية وهو ما أدى إلى تضخم أجور المذيعين بشكل لافت، إذا زاد بعضها عن عشرة ملايين جنيه سنويا (نحو مليون ونصف مليون دولار)، بينما تحقق اغلب القنوات الفضائية خسائر مادية كبيرة، بسبب ضعف الدخل من الإعلانات، وهذه «معادلة مصرية جدا» ما يشير إلى وجود أهداف غيلا الربح تحكم عملها.
وعن مدى تأثير القنوات الفضائية على الرأي العام، قال الدكتور فاروق ابو زيد عميد كلية الإعلام، ونائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، في تصريحات خاصة لـ« القدس العربي» أصبح للفضائيات الآن تأثير طاغي، والميديا بشكل عام لها تأثير كبير، لانها تعد الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومات، وأي انسان يحصل على المعلومات عن طريق مصدرين، اولا ما يسمى بالاتصال المباشر وهو الاتصال الشخصي او الجمعي، ثانيا الاتصال الجماهيري عن طريق الكتاب او الصحافة او الراديو او القنوات الفضائية والانترنت، فالقنوات الفضائية تعد وسيلة من وسائل الإعلام وتعتبر من المصادر الرئيسية الآن للحصول على المعلومات، والإنسان لا يبني قراره الا في ضوء المعلومات المتوفرة لديه، وبالتالي تؤثر الفضائيات بشكل كبير في الرأي العام.وفق القدس العربى
وعما إذ كانت الفضائيات تعبر عن آراء المواطن ام أراء النظام، قال في مصر لدينا نوعان من الفضائيات، النوع الاول، الفضائيات المملوكة للدولة وتصدر عن اتحاد الاذاعة والتليفزيون وهم تقريبا 31 قناة فضائية وارضية، وهم لسان حال الدولة، ويعدوا من ادوات السياسة الداخلية والخارجية للدولة ويعبرون عن السلطة، وفي الوقت نفسه يذيعون بعض تطلعات و اراء المواطنين، اما النوع الثاني، هي القنوات الخاصة، وكل قناة منهم تعبر عن سياسة تحريرية مختلفة يحددها مالك القناة، ومعظم ملاك تلك القنوات رجال اعمال ولهم مصالح في اتجاهات مختلفة، وبالتالي فهي متنوعة الاتجاهات، وبالتالي لا نستطيع القول بأنها تعبر عن الرأي العام او الشعب بل تعبر عن قطاع معين من الشعب.
وعن تحقيق تلك القنوات لأرباح أم خسائر في سبيل تحقيق أهداف سياسية معينة، قال الدكتور فاروق، جميع القنوات الفضائية في مصر الحكومية منها والخاصة تحقق خسائر كبيرة جدا، لان الهدف السياسي رقم واحد، بينما الهدف التجاري رقم اثنين .
وعن رأيه في الاجور الكبيرة التي يحصل عليها مقدمي البرامج في القنوات الفضائية، هذه الأجور مغالا فيها لاننا شعب فقير، ولكن عند دراسة اي قناة فضائية نجد انها عبارة عن برنامج واحد، وهذا البرنامج الواحد معتمد على مذيع واحد «نجم» في الإعلام، ومعظم الإعلانات تأتي في وقت اذاعة هذا البرنامج، وهذا البرنامج هو الذي يجلب الدخل الإعلاني، ومن يدفع اجور هؤلاء النجوم ليست المحطة بل الوكالات والشركات التي تعمل معهم وتجلب الإعلانات، والجزء الأكبر من أموال الانتاج تكون من نصيب المذيع، لأن حصيلة الإعلانات تأتي من اجله وبالتالي يأخذ أجرا كبيرا، وهذا وضع طبيعي في العالم كله، وتعد اجورا غير مغالا فيها.
من جهته قال الدكتورهاني مصطفى، اخصائي علم الاجتماع التحليلي، في تصريحات خاصة ل»القدس العربي»، القنوات الفضائية لها تأثير كبير جدا، والجمهور يتأثر سريعا بأي شىء، الا ما يخص المعتقدات الدينية فالتأثير يكون ضعيف نوعا ما، وبالتالي كلما ازداد وعي الناس كلما كان تأثير الرأي العام عليهم ضعيف، لكن اذا ازداد الجهل نجد التأثير كبير.
واضاف: هذه الفضائيات لا تعبر عن رأي المواطن، الا في اوقات قليلة جدا، ولكن القنوات الفضائية عبارة عن « دكاكين بتأخذ فلوس» وتبيع كلام.
وعن تحقيق تلك القنوات لارباح ام خسائر في سبيل تحقيق اهداف سياسية معينة، قال الدكتور هاني، ان الربح هو الهدف الرئيسي لاصحاب تلك القنوات، لكن هذا لا يمنع من تواجد الاهداف السياسية التي يسعي اصحاب تلك القنوات من تحقيقها، فأي شخص يريد ان يعلن او يظهر رأي معين يدفع لصاحب القناة مقابل الإعلان عن رأيه وفكره او تحقيق هدف ما، لان مبدأ المنفعة هو مبدأ اساسي بين العالم كله.
وعن رأيه في الأجور الكبيرة التي يحصل عليها مقدمي البرامج في القنوات الفضائية، قال الدكتور هاني، هؤلاء الإعلاميين يعدون عنصر جذب للمشاهد، وما دام المشاهد يفضل إعلاميا معيان ويحقق نسبة مشاهدة عالية وهناك زيادة للإعلانات اثناء برنامجه بالتالي يتمسك به صاحب القناة، وهذه القنوات لا تهتم بمصلحة المجتمع ولا القيم الاخلاقية، لان المبدأ الاساسي لها هو تحقيق المنفعة الشخصية فقط.
اما الدكتورة ليلى عبد المجيد، الخبيرة الإعلامية، وعميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا فقالت لـ«القدس العربي» القنوات الفضائية تؤثر على الرأي العام، وقد يكون هذا التأثير ايجابيا او سلبيا، وبعد صدور احكام قضية القرن هناك بعض القنوات الفضائية معالجتها للامر عبارة عن عملية تحريضية تدعو الشعب الى الخروج ضد احكام القضاء، فالفضائيات عامل من العوامل المؤثرة على الرأي العام، ولكنها ليست العامل الوحيد، والشعب المصري اصبح شعبا واعيا، ففي خلال السنوات القليلة الماضية اصبح المصريون يتحدثون في السياسة وكأنهم خبراء يعلمون كل شىء، وهذا الفضل يعود جزءا منه الى القنوات الفضائية لانها قدمت الوعي للمواطنين ولا يمكن إنكار هذا، ولكنه في نفس الوقت اصبح سلاح عليهم اذا حاولوا تقديم شىء ضد ما يراه الناس، فالمواطن يرفض هذا، واصبح غالبية المصريين يميزون بين الحقيقة والكذب، وهذا الشىء ايجابي جدا ،وهذا يعد من اهم الانجازات بعد 25 يناير، لان الناس اصبح مسيسة، وهذا ما لا تستوعبه الجماعات الإرهابية.
واضافت هذه القنوات تعبر عن اراء ملاكها، لان لها سياسة تحريرية ولا يمكن الاعتراض عليه ولكنها يجب ان تعلن عن سياستها بوضوح وصراحة، وعلى المشاهد ان يتقبل هذا او لا يتقبله، وتعبر هذه السياسة عن اصحاب المصالح وارائهم سواء كانت ملك الدولة او ملكية خاصة لملاكها ومن ورائهم، لان هناك قنوات ملاكها غير معلومين وتدار في الباطن وهذا خطير جدا.
وعن تحقيق تلك القنوات لأرباح أم خسائر في سبيل تحقيق اهداف سياسية معينة قالت الدكتورة ليلى، لا اعتقد ان هذه القنوات تحقق مكاسب بل تحقق خسارة، ولكن خسارتهم مادية فقط لان لديهم مصالح سياسية تجعلهم يستمرون بالرغم من تحقيقهم لهذه الخسائر.
وعن رأيها في أجور مقدمي البرامج في القنوات الفضائية، قالت الدكتورة ليلى، وكالات الإعلان هي السبب في هذه المشكلة ومن قبل ثورة 25 يناير وبعدها كان هناك إعلاميون حصلوا على اجور كبيرة جدا، وكان لهذا اثر كبير على اوضاع الإعلاميين بشكل عام في مصر، لانه في النهاية وكالات الإعلان هي من تحدد من يستمر ومن لايستمر حتى ولو الرأي العام ضد إعلامي معين، ولكن وكالات الإعلان تجعله يستمر رغما عن الرأي العام، لانها ترغب في هذا لاسباب هي فقط من تعلمها.